قبل أربعة أعوام من الآن، في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، استيقظ أهل وادي حلوة في سلوان على وجود ثلاثين عائلة إسرائيلية بينهم. لم يكن هجومًا استيطانيًا بالقوة، إنما وجود بأوراق قانونية.

الطريقة بسيطة لا تحتاج إلا لشخص عربي، لكن ولاءه لإسرائيل، لا يشعر الفلسطينيون بالغضاضة حين يبعيون له بيوتهم ولا يفكرون في احتمالية الخيانة، لأنه عربي. ولا يشعر هو بتأنيب الضمير حين يُسلم البيوت لإسرائيل؛ لأنه ينتمي إليهم أكثر من انتمائه للمقدسيين. إذا وجدت من يحقق ذلك المزيج فقد تمت الصفقة. تواترت الأقوال بأن الإمارات العربية المتحدة تطوعت للقيام بالمهمة!

البداية في حادثة 2014 كانت مع فادي أحمد حسين السلامين، فلسطيني يبلغ 34 عامًا يحمل الهوية الإسرائيلية، أسس مع عمته مريم حسين نصار سلامين شركة «السرينا العالمية للتجارة والاستثمار». كانت تلك الشركة هي الطرف الأول الذي اشترى من المقدسيين بيوتهم. السلامين كان مقربًا من السلطة الفلسطينية لكنه شن هجومًا لاذعًا على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فصار من بعده من رجال دحلان، مستشار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.

ومن قبلها تدور الأحاديث عن أنه مدعوم أمريكيًا بقوة، فقد ظهر مع الرئيس الأمريكي كلينتون في 2005، ثم مع جورج بوش في 2008، وتوالى ظهوره مع العديد من قادة الخليج. لكن ظهوره الفعلي في ساحة الإعلام العربي كان في أواخر مايو/ آيار 2011. شُوهد أكثر من مرة مع مصعب حسن يوسف، وهو جاسوس سابق لإسرائيل. كما يتميز بعلاقات قوية مع العديد من الشخصيات التي تعمل في الداخل الإسرائيلي.

اقرأ أيضًا: تصفية المقاومة أم تأميمها: الإمارات على أبواب غزة

بعد أن تم الشراء تنازلت شركة السلامين بشكل مسبق عن العقارات التي تملكها، والتي تنوي شراءها في القدس لشركة «الثريا للاستشارات والبحوث». الثريا شركة إماراتية ومقرها أبو ظبي، حصلت على ترخيص من غرفة أبو ظبي التجارية برقم «CN-122229»، لكن المفاجأة أن الشركة بلا موظفين، ورأسمالها صفر درهم إماراتي.

وحين نُشرت الوثائق التفصيلية التي كشفت تلك المعلومات كان السلامين يخوض مفاوضات حامية مع عائلة جودة الحسيني لشراء قطعة أرض في القدس، وعليها مبنى مكون من ثلاثة طوابق، لكن لم يُكتب لتلك الصفقة التمام.

ليس الاتهام الأول

تصريحات كمال الخطيب لم تكن الأولى. في 2014، قبل ظهور الوثائق، وجه أصابع الاتهام إلى الإمارات العربية المتحدة بأنها من تقف خلف حادثة وادي حلوة. كما اتهمهم في لقاء له أجراه مع قناة القدس منذ أعوام، وقال بأن المستثمرين خدعوا أصحاب المنازل وأخبروهم أن المشترين إماراتيون يريدون إعمار المدينة المقدسة، ليكتشف السكان أن الإماراتيين لم يكونوا سوى غطاءٍ، نظرًا لرفض الفلسطينيين القاطع بيع أراضيهم لمستوطنين يهود.

ثم عاد في 2 سبتمبر/أيلول 2017 ليؤكد أقواله السابقة في حديثه لصحيفة الشرق القطرية. ومنذ أيام في 7 يونيو/حزيران 2018 كرر نفس الأقوال بصيغة من يملك معلومات محددة هذه المرة، لا مجرد تكهنات كما كان الأمر في التصريحات السابقة. ولرئيس الحركة الإسلامية الشيخ رائد صلاح موقف مشابه في 2015، إذ صرح لـ «بي بي سي» بأن لديهم أوراق رسمية تثبت أن أموال شراء المنازل الفلسطينية تصل إلى البنوك الإسرائيلية من الإمارات.

بعد تصريحات الخطيب جاءت تصريحات دحلان تنفيها. دحلان بدأ بيان نفيه بإثبات أن الكذب والتزوير ليس بجديد على الإخوان الذين يأتي منهم الخطيب. وتعهد بمقاضاة الخطيب في «كل العالم»، وإن كان مسلمًا حقًا فعليه أن يأتي بالبينة بدلًا من الثرثرة. وأشار إلى أن ما يفعله الخطيب هدفه تضييق الخناق على أهل القدس وحرمانهم من الذين يمدون يد العون لهم.

الإمارات سبّاقة في التطبيع

وإذا تم تبرئة الإمارات من تلك النقطة، فإن لها دورًا لا تنكره في دعم تهويد القدس. شركة طيران «إير برلين» الألمانية أنشأت حملة ضخمة في 2015 تدعو المواطنين لزيارة القدس «اليهودية»، مستخدمةً صورة حائط البراق وحوله مجموعة من اليهود يصلون حوله. علاقة الشركة بالإمارات هي أن حكومة أبو ظبي قد استحوذت عليها في وقت مبكر من 2015، وأصبحت طائرات الشركة تحمل شعار طيران الاتحاد.

التعاون الإماراتي الإسرائيلي غلب عليه طابع السرية كي يمنح القيادة الإماراتية فرصة الإنكار أمام الشعب الإماراتي. لكنها لا تكتفي بالتلميح أن التطبيع مع إسرائيل قادم لا محالة، إن لم يكن قد بدأ بالفعل. وظهور العلم الإماراتي جنبًا إلى جنب مع العلم الإسرائيلي في شعار شركة «إنهوس» 2017 يعني أن الإمارات لا تكترث كثيرًا بالرأي العام. وحين لم تبال الإمارات بظهور العلم الإسرائيلي فإنها لم تبال كذلك بمنع رفع العلم الفلسطيني عام 2010 حين استقبلت فريق الجودو الإسرائيلي بالتزامن مع اغتيال قيادي حماس محمود المبحوح.

اقرأ أيضًا:الجيش الإماراتي: الجيش القوي الذي لم تسمع عنه من قبل

كما وجهت الإمارات في الشهر الماضي دعوةً رسميةً لوزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب كارا. كارا أعلن عن صدمته فور تلقي الدعوة قائلًا إن هذه هي المرة التي يتم فيها توجيه دعوة رفعية المستوى بشكل رسمي كهذا. كما شهدت العلاقة بين البلدين تطورًا في الجانب العسكري إذ تشاركا في مناورات جرت في أغسطس/ آب 2017 في قاعدة نيفادا الأمريكية، وصفتها إسرائيل بأنها أفضل محاكاة للحرب في العالم.

تلك الزيارات وغيرها مما يتم الإعلان عنه، سواء من الجانب الإماراتي أو من الجانب الإسرائيلي، يجعل الأحاديث حول دور الإمارات في تهويد القدس ليس بمستغرب، صحيح أنه ليس بمؤكد بصورة قطعية، لكن لم يتم نفيه رسميًا كذلك. وتسريب البيوت لأيدي المحتل الإسرائيلي أشد خطرًا من دعمه عسكريًا، فبهذا المعدل سيصبح أغلبية محيط المسجد الأقصى مملوكًا لليهود في غضون خمس سنوات.