هل يمكن اعتبار «نظرية الأوتار» نظرية علمية؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
«هل تعتبر نظرية الأوتار نظرية علمية؟» ظل هذا السؤال محورًا للتناظر بين علماء الفيزياء وعلماء الكونيات خلال العقد الماضي. ولكن ما جدّ أن القطاع العلمي قد اتجه إلى الفلسفة بحثًا عن أجوبة.
مبكرًا من شهر ديسمبر/كانون الأول، اجتمع بعض علماء الفيزياء المتناحرين بفلاسفة متخصصين بالعلوم في ورشة عمل استثنائية بهدف مواجهة الاتهام القائل بأن بعض أفرع الفيزياء النظرية قد انجرفت بعيدًا عن حقائق العلوم التجريبية. في مثل ذلك اللقاء، تبدو سلامة المنهج العلمي على المحكّ، وكذلك السمعة التي تحظى بها العلوم وسط عامة الناس، حسبما علق منظمو الورشة.
أقيمت الورشة بجامعة لودفينج ماكسيميليان بمدينة ميونخ الألمانية في الفترة بين 7 و 9 ديسمبر/كانون الأول، حيث جاءت الورشة نتيجة مقال نشرته مجلة ناتشر منذ عام، أشار فيه عالم الكونيات بجامعة كيب تاون بجنوب أفريقيا، جورج إليس، وعالم الفلك بجامعة جونز هوبكنز بولاية ميريلاند الأمريكية، جوزيف سيلك، إلى {تحولٍ مقلقٍ} في الفيزياء النظرية، فيما بدا أقرب إلى الندب من جانبهما.
أورد العالمان في مقالهما: «في مواجهة الصعوبات أمام تطبيق النظريات الأساسية على الكون المنظور»، يقول بعض العلماء: «إن بدت نظرية ما رائعة وتفسيرية إلى الحد الكافي، فيجب اختبارها بشكل تجريبي».
احتلت «قابلية الاختبار» رأس قائمة الموضوعات المطروحة للنقاش، فحتى تعتبر نظريةً علميةً صحيحة، عادة ما يشترط العلماء وجود تجربة يمكنها، بشكل مبدئي، أن تبطل النظرية أو أن «تدحضها»، حسبما عبّر فيلسوف العلوم كارل بوبر في ثلاثينيات القرن الماضي. أشار العالمان في مقالهما إلى أنه في مجالاتٍ محددة، انحرف بعض علماء الفيزياء النظرية عن ذلك المبدأ، بل ونادوا بتخفيف إحكامه.
ذكر العالمان «نظرية الأوتار» كمثالٍ رئيسي، حيث تستبدل النظرية الجسيمات الأولية بأوتارٍ متناهية الصغر لتوفيق النظريات التي تبدو غير متوافقة، والتي تُعنى بوصف الجاذبية وعالم الكمّ. إلا أن تلك الأوتار صغيرة للغاية، أصغر من أن تكشف باستخدام تكنولوجيا اليوم؛ ولكن البعض يقول إن نظرية الأوتار تستحق المباشرة، سواء تمكنت التجارب، أو لم تتمكن أبدًا، من قياس آثارها، فقط لأنها تبدو الحل (الصحيح) في مواجهة مآزق عديدة.
كما أشار سيلك وإليس، إلى نظرية أخرى تبدو متخليةً عن «البوبرية» (نهج الفيلسوف بوبر)، وهي، «مبدأ متعدد الأكوان»، التي تفترض أن الانفجار العظيم قد تمخّض عن عدة أكوان، والتي يكون معظمها مختلفًا بشكل جذري عن كوننا.
ولكن في الحديث الافتتاحي للورشة، ميّز عالم الفيزياء النظرية بجامعة كاليفورنيا «سانتا باربارا»، ديفيد جروس، بين النظريتين، حيث أشار إلى نظرية الأوتار بوصفها قابلة للاختبار من حيث المبدأ، وبالتالي فإنها علمية بشكلٍ تام، لأن الأوتار يحتمل أن يمكن كشفها، ربما في المستقبل.
ما يعتبر أكثر إثارةً للقلق، حسبما يرى، هي مبادئ مثل متعدد الأكوان لأن الأكوان الأخرى التي تعتبرها النظرية من المسلّمات لا يمكن كشفها من كوننا، حتى ولو بشكلٍ مبدئي. حيث يضيف معلقًا: «مجرد قول أن نظرية الأوتار ليست علمية لأنها لا يمكن اختبارها حاليًا يبدو سخيفًا»، جدير بالذكر أن جروس قد تشارك جائزة نوبل عام 2004 لعمله المتعلق بالقوة النووية الشديدة، التي اختبرت عمليًا بشكل جيد، كما قدم إسهاماتٍ هامة تتصل بنظرية الأوتار.
يتفق عالم الفيزياء النظرية بجامعة إيكس مرسيليا الفرنسية، كارلو روفيلي، على أنه ليس لمجرد أن نظرية الأوتار لا يمكن اختبارها الآن يعني أنها لا تستحق تفكّر المنظّرين. ولكن الهدف الرئيسي لمقال إليس وسيلك كان تسليط الضوء على الملاحظات التي طرحها الفيلسوف ريتشارد داود بجامعة لودفيج ماكسيميليان في كتابه «نظرية الأوتار والمنهج العلمي»، الصادر عام 2013 عن جامعة كامبريدج. يقول داود إن واضعي نظرية الأوتار قد بدأوا اتباع مبادئ إحصاءات النظرية الافتراضية، التي تضع تقديرًا لاحتمالية تحقق توقعٍ محددٍ على أساس المعرفة المسبقة، وتراجع ذلك التقدير لاحقًا مع اكتساب المزيد من المعرفة. ولكن، حسبما يشير داود، بدأ علماء الفيزياء استخدام عوامل نظرية خالصة، مثل الاتساق الداخلي للنظرية أو غياب البدائل المعقولة، لتجديد التقديرات، بدلًا من إسناد ذلك على أساس المعلومات الفعلية.
المناقشة الحيوية
في الورشة، جرت المبارزات الكلامية بين جروس، الذي اقترح أن غياب البدائل لنظرية الأوتار يجعل صحتها أكثر ترجيحًا، وروفيلي، الذي عمل لسنواتٍ على بديلٍ يدعى «الجاذبية الكمية الحلقية». يعارض روفيلي بشكلٍ قاطع الافتراض بعدم وجود بدائل قابلة للتطبيق. وعلى الجانب الآخر، يرفض إليس فكرة أن العوامل النظرية يمكنها تحسين الاحتمالات. حيث يقول: «ردي على النظرية الافتراضية هو أن الدليل الجديد يجب أن يكون دليلًا تجريبيًا».
أثار آخرون مشكلاتٍ منفصلة بشأن استخدام إحصاءات النظرية الافتراضية لدعم نظرية الأوتار، فقالت سابين هوسينفيلدر، عالمة الفيزياء بمعهد نوردك للفيزياء النظرية بستوكهولم، إن نطاق شعبية النظرية يحتمل أن يكون قد أسهم في الانطباع بأنها الوحيدة من نوعها. ولكن على الأغلب اكتسبت نظرية الأوتار زخمها لأسبابٍ اجتماعية، حسبما أوضحت، فعلى سبيل المثال، ربما اتجه إليها الباحثون الشباب لأن آفاق أعمالهم في إطارها تكون أفضل حالًا من أن تكون في مجالٍ أقل شهرة.
أما مؤرخ العلوم بجامعة آرهوس الدنماركية، هيلج كرا، فقد طرح منظورًا تاريخيًا. حيث قال: «أثيرت من قبل مقترحات أننا في حاجة إلى {مناهج علمية جديدة}، ولكن محاولات استبدال قابلية الاختبار التجريبية بمعيارٍ آخر باءت كلها بالفشل». ولكن المشكلة على الأقل محدودة ببعض مجالات الفيزياء، حسبما أضاف، «لا تمثل نظريتي الأوتار ومتعدد الأكوان سوى جزءٍ صغيرٍ جدًا مما يشتغل به معظم علماء الفيزياء».
لا يبدو ذلك كعزاءٍ كافٍ لروفيلي، الذي شدّد على الحاجة لتمييزٍ واضحٍ بين النظريات العلمية الراسخة بالتجارب، والتي لا تزال خاضعةً للتفكير، من السيئ للغاية أن يوقفك المارة في الشارع ليسألونك: «هل تعلم أن العالم مكون من أوتار وأن هناك عوالم موازية؟».
في ختام الورشة، لم يبدُ العلماء المتناحرين على مقربةٍ من أي اتفاق. وعلق داود، الذي شارك في تنظيم الفاعلية مع سيلك وإليس وآخرين، بأنه لا يتوقع أن يغير المشاركون مواقفهم بشكلٍ جذري. ولكنه يأمل أن مواجهة أنماط أخرى من التفكير قد تؤدي إلى تقاربٍ طفيف. كما يقترح إليس أن تعزيز صور تلك المواجهات، مثل الدراسة الصيفية لمدة أسبوعين، قد يكون وسيلةً أكثر نجاحًا لتحقيق التقارب في وجهات النظر.