دماء على ستار «الناتو»: هل يستحق الحلف سباق الانضمام؟
مع تصاعد الأحداث في الحرب الروسية الأوكرانية ازداد حضور حلف الناتو باعتباره سببًا في بداية الحرب لرغبة أوكرانيا في الانضمام إليه، وسببًا في تأخر حسمها بفضل دعمه العسكري لأوكرانيا. الأمر الذي يطرح سؤالًا أساسيًا، ما هو حلف الناتو، وما الهدف من تأسيسيه؟
حلف شمال الأطلسي، المعروف اختصارًا بحلف الناتو، تأسس عام 1949. الهدف منه هو ردع أي عمل توسعي يقوم به الاتحاد السوفيتي عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية. وتعود فكرته لعامين قبل تأسيسه الرسمي، حين أبرمت المملكة المتحدة وفرنسا معاهدة دونكيريك، وتعتبر المعاهدة بمثابة تحالف مشترك للدفاع عن بعضهما إذا تعرضت أيهما لهجوم ألماني عقب الحرب.
أُعجبت باقي الدول بالفكرة وقرروا بعد عامين توسيع المعاهدة وبناء حلف شامل. دخلت الولايات المتحدة وكندا مع المملكة المتحدة وفرنسا، و8 دول أخرى ليصبح إجمالي الدول المؤسسة للحلف 12 دولة. لكن على مدار العقود الماضية نما الحلف حتى بلغ عدد الدول الأعضاء 30 دولة.
يعمل الحلف وفق سياسة الباب المفتوح، التي تنص على أن أي دولة مستعدة وراغبة للانضمام إلى الحلف يمكنها التقدم بطلب للانضمام، لكن الموافقة على طلب انضمامها يجب أن تكون بالإجماع. ورغم أن الحلف كان مكتفيًا بالتوسع الأوروبي دون التوسع في الاتجاه الشرقي، إلا أنه عام 1997 تغيرت سياسة الحلف ووجه دعوة إلى ثلاث جمهوريات سوفيتية سابقة للانضمام إليه، هى المجر وبولندا والتشيك. ومنذ تلك اللحظة انضمت أكثر من 12 دولة من الكتلة الشرقية إلى الحلف.
الاحتماء في الولايات المتحدة
تغيرات جيوسياسية كثيرة طرأت على العالم منذ تأسيس الناتو، لكن ظل هدف الناتو ثابتًا. الدفاع الجماعي، أي اعتداء ضد واحد أو أكثر من أعضاء الحزب سيُعتبر هجومًا عليهم جميعًا. كما تنص على ذلك المادة الخامسة من معاهدة شمال الأطلسي، ويضمن ذلك إمكانية استخدام كافة موارد التحالف بأكمله لحماية أي دولة عضو. ويُعتبر ذلك عامل الإغراء الأهم للعديد من البلدان الصغرى التي تنضم للحلف، لأن بعضها، مثل آيسلندا، لا يمتلك جيشًا نظاميًا ثابتًا من الأساس.
والواقع يقول أن أي دولة تنضم للحلف هى في الأصل ترغب في حماية الولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا كونها أقوى دولة موجودة في التحالف. رغم أن المرة الوحيدة في تاريخ التحالف التي تم فيها استخدام المادة الخامسة كانت من قِبل الولايات المتحدة نفسها بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول عام 2001. وبسبب ذلك أُضطر باقي أعضاء التحالف للمشاركة في غزو أفغانستان.
لكن لاحقًا بدت الدول أكثر جرأة في طلب تفعيل المادة الخامسة مثلما فعلت تركيا. فقد نشر التحالف صواريخ باتريوت الدفاعية عام 1991 بعد بداية حرب الخليج. ونشر أسلحة دفاعية جماعية عام 2003 مع بداية الحرب في العراق، كذلك قام عام 2012 بنشر صواريخ باتريوت بسبب الوضع السوري، وكانت تركيا هى من طلبت ذلك.
كما يمكن للدول تفعيل المادة الرابعة من المعاهدة، كما حدث في الأزمة الأوكرانية الحالية. تسمح المادة الرابعة لأي دولة بطلب التشاور مع هيئة الحلف كلما استشعرت أن سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي معرض للخطر. لا تضمن تلك المادة للدولة أي فعل من الحلف، أو ضرورة اتخاذ أي إجراء، لكنها فقط تسمح بتكثيف اللقاءات والمحادثات الرسمية. ولم تُفعل هذه المادة إلا 5 مرات فقط على مدار 73 عامًا، كان لتركيا نصيب 4 مرات منهم، وبولندا مرة.
الجيش المشترك للناتو يتآلف من المساهمات التي تقوم بها كل دولة، وتضع كل دولة مواردها، أو موارد كافية، تحت تصرف الناتو. ويبلغ إجمالي نفقات الناتو على الدفاع قرابة 1.2 تريليون دولار، أغلبها من نصيب الولايات المتحدة التي تنفق منفردة 881 مليار دولار سنويًا، ثم المملكة المتحدة بـ 72 مليار دولار، وألمانيا ثالثًا بـ 64 مليار دولار. وتُعتبر تلك نقطة شائكة دائمًا ما تثير الشقاق بين الحلفاء، إذ تتهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة باقي الدول الأعضاء بعدم تقديم نصيب عادل، وعدم منح التحالف ما يوازي ما تحصل عليه منه.
لا شروط، بل مبادئ تأسيسية
زات تلك الاتهامات بعد أن عززت الولايات المتحدة إنفاقها العسكري بعد 11 سبتمبر/ أيلول، ما أدى لزيادة الفجوة بين ما تقدمه الولايات المتحدة وما تقدمه باقي الدول. ويحث الناتو أعضاءه على إنفاق 2% من إجمالي الناتج المحلي على الدفاع، لكن غالبية الدول لا تصل إلى ذلك الرقم. لهذا كان الرئيس السابق، دونالد ترامب، عنيفًا مع أعضاء الناتو وطالبهم بسداد العجز السابق الذي تحملته الولايات المتحدة للدفاع عنهم، مع مطالبته الصريحة لهم بزيادة ميزانيتهم المخصصة للدفاع.
يبلغ إجمالي الجنود التابعين للناتو 3.5 مليون جندي، ما يجعله أكبر جيش في العالم. وتظهر خريطة انتشار جنود الناتو تركزهم في دول البلطيق، قريبًا من الحدود الروسية. وينشر الناتو قرابة 4 آلاف جندي في بولندا بسبب وجود قواعد عسكرية أمريكية مهمة هناك. وتنشر البحرية الأمريكية قرابة 300 جندي لها في النرويج لمراقبة الدائرة القطبية الشمالية التي تتشارك فيها الحدود مع روسيا.
يعلن الناتو أنه لا شروط لديه للعضوية، لكنه يردف قائلًا أن أي دولة تنضم للحلف عليها أن تطبق مبادئ تأسيس الحزب فيما يتعلق بكفاءة جيشها وحجم الإنفاق الدفاعي السنوي. ويقول الموقع الرسمي للناتو أنه لا يملك كراسة شروط للانضمام لكن لديه خطة عمل للعضوية. وهى عبارة عن مجموعة من الإجراءات التي تساعد الدول الراغبة في الانضمام إلى تحسين قدراتها الدفاعية حتى تصل إلى المستويات المطلوبة للانضمام للحلف.
لكن سواء كان للحلف شروط أو خطة عمل، فإن مجرد انضمام الدول إليه أثار حنق الاتحاد السوفيتي. لهذا لم يقف الاتحاد صامتًا حيال إنشاء الحلف، ودشن تحالفًا عسكريا من سبع دول شيوعية من أوروبا الشرقية عام 1955، وأُطلق على الحلف اسم حلف وارسو. لكن بالطبع بعد انهيار جدار برلين، وانهيار الاتحاد السوفيتي، خرجت دولًا من وارسو وانضمت إلى الناتو.
جيل لا يعرف الحرب الباردة
لكن مع توسع الناتو، تزداد مشاكله الداخلية أيضًا. فنجد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يصف الحلف بأنه في حالة موت سريري. كما وصفه الرئيس الأمريكي السابق، ترامب، بأنه حلف عفا عليه الزمن، واقترح في أكثر من مناسبة انسحاب الولايات المتحدة من التحالف. ووصفت يورجن تورجنت، خبير الشئون الخارجية ونائب البرلمان عن حزب الخضر، بأن الحلف في وضعه الحالي مجرد ظل لما كان عليه الحلف في الماضي.
يورجن أردف أنه كيف يكون التحالف قويًا والولايات المتحدة تصف السيارات المستوردة من ألمانيا بأنها تهديد لأمنها القومي. ودولة مثل تركيا تعتدي بشكل متكرر على دولة أخرى عضو في الحلف. ويختتم كلامه بأن الحلف لم يعد قادرًا على حماية المصالح الأساسية لأعضائه، لأن تلك المصالح باتت متضاربة بشكل كبير.
ويركز الناتو دائمًا على روسيا، خصم الحرب الباردة القديم. دون اعطاء المزيد من الاهتمام لأمن أوروبا أو لعوامل التهديد الأخرى غير روسيا. هذا التحدي يصبح أكثر صعوبة بسبب نشأة جيل جديد في الدول الأعضاء لا يعرف الحرب الباردة، ولا يفهم الدافع وراء قيام جنود بلاده بالدفاع عن أمن دولة مجهولة بالنسبة له، مثل لاتفيا مثلًا، أو بعيدة للغاية عنه مثل أوكرانيا.
هذا الجيل سيصل إلى السلطة يومًا، وسيكون هو صاحب القرار في بقاء الحلف من عدمه، وربما سيكون القرار حينها بإنهاء الحلف. في تلك اللحظة ستكون أوروبا والولايات المتحدة متنافسين على سيادة العالم، إضافة للصين وروسيا.