الفضاء والدين: هل تخطط ناسا لنشر المسيحية على القمر؟
هل يمكن أن يكون الله قد خلق حياة في مكان آخر من الكون؟ كيف سيؤثر ذلك على قصة الخلق في الكتب المقدسة؟ هل يجب على الأديان حينها إعادة كتابة عقيدتها؟ وكيف سيتأثر أتباع الأديان وكذلك غير المتلزمين بدين معين باكتشاف مماثل؟
في محاولة للإجابة على تلك الأسئلة موَّلت من وكالة ناسا برنامجًا بحثيًّا لتقييم الآثار المجتمعية لاحتمال اكتشاف وجود كائنات فضائية تعيش في مكان في الكون الفسيح، والذي اعتنى بشكلٍ مباشر بآثار وقوع هذه الاكتشافات على الأديان.
البرنامج الذي ضمَّ رجال لاهوت أثار الجدل حول حجم التقاطع بين قضايا العلم والإيمان في هذه الأيام، وهو ما استدعى تعليقات ساخرة من جدوى مثل هذه البرامج العلمية التي تستعين برجال دين، «هل تخططون لنشر المسيحية على القمر؟!».
ناسا: أنا بريئة!
ناسا سارعت بنفي علاقتها بالبرنامج جزئيًّا. قالت إن برنامج البيولوجيا الفلكية التابع للوكالة قدم «تمويلًا جزئيًّا» في شكل منحة قدرها 1.1 مليون دولار لمركز الاستقصاء اللاهوتي بجامعة برينستون، بين عامي 2015 و2017، لكنها لم تشارك في اختيار باحثي الدراسة.
لكن كارل بيلشر، الرئيس السابق لمعهد علم الأحياء الفلكي التابع لوكالة ناسا، أكد مشاركة الوكالة في الدراسة وفي تفاصيلها. قال إن «تعيين علماء اللاهوت كان يستهدف البحث في الآثار المترتبة على تطبيق أدوات العلوم في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، على الأسئلة المثيرة للجدل في التقاليد الدينية لمئات أو آلاف السنين».
مدير مركز الاستقصاء اللاهوتي بجامعة برينستون، بدوره، قال إن ناسا أرادت من تمويل البرنامج أن تتيح إنتاج دراسات جادة تعالج الجوانب اللاهوتية الغامضة حال العثور على شكل من أشكال الحياة على كوكب آخر.
وتطرق إلى الفكرة «التي لا يمكن تصورها» بأن الأرض هي الكوكب الوحيد الذي توجد عليه الحياة ، قائلًا: «هذا أمر لا يمكن تصوره عندما يكون هناك أكثر من 100 مليار نجم في هذه المجرة ، وأكثر من 100 مليار مجرة في الكون».
لكن أيًّا كانت التفاصيل، انطلق البرنامج الممول جزئيًّا من ناسا بمشاركة 24 باحثًا من علماء الدين في اليهودية والمسيحية والإسلام بمختلف طوائفهم وتفريعاتهم العقدية؛ بحثًا عن إجابات لسؤال رئيسي: كيف يمكن للأديان الرئيسية الثلاثة في العالم أن تتفاعل مع احتمالات وجود حياة على كواكب أخرى؟
بحسب القس الدكتور أندرو ديفيدسون، الكاهن وعالم لاهوت في جامعة كامبريدج، والحاصل على دكتوراه في الكيمياء الحيوية من أكسفورد، والمشارك في البرنامج، فإن اكتشاف وجود حياة في عوالم فضائية أخرى قد يتحول إلى واقع في غضون عقود أو قرون مقبلة. صحيح أنه قد لا يتحقق على الإطلاق، لكن البرنامج رأى الاستعداد لتبعات كتلك مبكرًا؛ إذ سيلجأ عدد كبير من الناس إلى دياناتهم للحصول على إرشادات للتعامل حينها.
الموضوع نفسه ليس جديدًا على وكالة ناسا. المتحدث باسم الوكالة قال إنها تسعى لمعالجة مواضيع مماثلة منذ عام 1998.
واجهت ناسا غضبًا مبكرًا حول البرنامج في 2016، عندما هددت مؤسسة «التحرر من الدين» بمقاضاة الوكالة إن لم تلغِ المنحة التي اعتبرتها «إهدارًا لموارد الوكالة».
الفضائيون يحددون الدين الصحيح
تشير النتائج التي توصلت إليها الدراسة إلى أنه بينما يميل المجتمع غير الديني إلى «المبالغة في تقدير التحديات التي قد يواجهها المتدينون» إذا اكتشف العلماء دليلًا على وجود حياة خارج كوكب الأرض، فإن أتباع الأديان يمكن أن يكونوا أكثر استعدادًا للتعامل مع وجود أكوان أخرى، بعد اتباع الإرشادات التي يمليها عليهم دينهم. بينما قد يميل غير المرتبطين بدين معين إلى اتباع أحد الأديان إذا أعلن الفضائيون أنهم يعرفون هذا الدين ويتبعونه.
النتيجة كانت محل إجماع تقريبًا بين جميع رجال الدين من مختلف الأديان والعقائد. كلهم قالوا إن معتقداتهم لن تتغير، وإن أتباع دينهم لن ينصرفوا عنه، حتى حال اكتشاف وجود عوالم أخرى.
ونقلت التايمز عن حاخام وإمام وكاهن أنجليكاني: «نعدك ألا تكون مجرد مزحة غبية.. العقائد المسيحية واليهودية والإسلامية ستكون على ما يرام إذا اكتشفت ناسا عوالم في مكان آخر».
اليهود: الفضائيون على ملتنا!
يفترض اليهود أن التوراة مليئة بروايات عن كائنات فضائية. وأنها لن تأتي إلى الأرض مستقبلًا، بل أتت فعلًا، مجسدة في النفليم والبني ألوهيم، وأن حجر الزاوية في الليتورجيا «عمل الرسل أو الخدمات الدينية» اليهودية هو سطر من مزامير 19:2 يقول إن «السموات تعلن مجد الله»، والتي فسروها باعتبار أن سكان الأرض ليسوا وحدهم من يسبح الله في هذا الكون.
وكتب الحاخام المعاصر بنيامين بليشان: «المصادر التقليدية اليهودية تؤكد إمكانية وجود فضائيين على كواكب أخرى، وتوجب الاعتقاد بأن الله كلي القدرة يحظر وضع أي قيود على مدى قواه الإبداعية، وبينها خلق عوالم أخرى تسكنها مخلوقات أخرى».
ويفترض بليش ديفيد وينتروب، أستاذ علم الفلك في جامعة فاندربيلت ومؤلف كتاب «الأديان والحياة خارج كوكب الأرض: كيف سنتعامل معها؟» أن اللاهوت اليهودي يتطلب في الواقع الإيمان بالكائنات الفضائية.
وحتى مفهوم «شعب الله المختار»، فسره الحاخام جوزيف سولوفيتشيك بأنه نسبي فيما يخص كوكب الأرض الذي وصفه بـ «جزء صغير من الكون»، معتبرًا أن سبب اعتقاد الإنسان أنه الكائن الوحيد المخلوق في الكون كله هو «طبيعته الأنانية».
ويعكس الأدب اليهودي فكرة وجود عوالم يهودية أخرى في الفضاء الخارجي. في رواية «على الزهرة لدينا حاخام!» كتب فيليب كلاس عام 1974 عن مؤتمر عابر للعوالم يعقد على كوكب الزهرة، فتحضره كائنات فضائية ذكية، يستغرب اليهود الأرضيون مظهرهم فيجزمون أنهم لا يمكن أن يكونوا يهودًا، لكن محكمة حاخامية تقرر أنهم «مجموعة أخرى من اليهود».
الكريستولوجيا: أسئلة المسيحية الصعبة
في بيان نشرته مدونة كلية اللاهوت بجامعة كامبريدج، قال الدكتور أندرو دافيسون، أستاذ اللاهوت والعلوم الطبيعية، إن أبحاثه ركزت في الغالب على مفهوم «الكريستولوجيا» أو دراسة من بالضبط كان يسوع المسيح: أكان كائنًا بشريًّا أم إلهيًّا؟
لنفترض أننا اكتشفنا مستقبلًا جنسًا غريبًا من المخلوقات على نجم بعيد. ألا يمثل هذا مشاكل خطيرة للتفسيرات العقائدية والسلطوية للمسيحية: هل هذه المخلوقات، التي من الواضح أنها لم تنحدر من آدم وحواء، ستلوث بخطيئة آدم الأصلية؟ هل سيكون لديهم أيضًا أرواح؟ هل سيحتاجون إلى النعمة والخلاص؟ هل خلصهم يسوع من خطاياهم؟ هل سيحتاجون إلى المسيح أصلًا؟
بحسب دافيسون، فإن عمله تركز على العلاقة بين علم الأحياء الفلكي واللاهوت المسيحي، وتحديدًا احتمال «وجود تجسيدات كثيرة ليسوع المسيح في عوالم أخرى»، خصوصًا حال اكتشاف وجود كائنات فضائية.
صعوبة هذا البحث أن الكريستولوجيا التي شغلت حيزًا مهمًّا في الفكر اللاهوتي لم تتفق على إجابة السؤال الذي قامت لأجله؛ هل هو «المسيح – الكلمة – ابن الله» التي تجسدت في إنسان يشبه البشر في كل شيء إلا الخطيئة، أم أنه لم يكن مجرد إنسان محدود زمانيًّا ومكانيًّا، بل هو «الله» نفسه، وهل هو إنسان تحول إلى إله؟ أم إله تجسد فصار إنسانًا؟ كل هذا على الأرض. فماذا لو كانت هناك عوالم أخرى: هل ظهر لديهم نسخ أخرى من يسوع المسيح، أم إنهم كانوا مطالبين بالإيمان بالمسيح الأرضي؟
تبحث الدراسة كذلك في أسئلة عقدية عن الخلق والخطيئة وشخص يسوع وعمله و«الفداء» وتفاصيل مثلها. هذا يحتاج للإجابة عن: هل يحتاج الفضائيون مسيحًا يخلصهم من الخطيئة الأولى التي حدثت على الأرض؟ ما ذنب الفضائيين إذن؟
توماس باين، الفيلسوف السياسي الأمريكي، حاول معالجة المسألة في كتابه «عصر العقل» (The Age of Reason) عام 1794، فقال إن الإيمان بتعددية لا نهائية من العوالم «يجعل نظام الإيمان المسيحي مثيرًا للسخرية، ويبدده في العقل مثل الريش في الهواء».
كتب أنه ليس من الممكن تأكيد كليهما في وقت واحد، باعتبار أن ذلك يعني أن الله تخلى عن رعاية بقية العوالم التي خلقها، ليأتي ويموت على كوكب الأرض، أو أنه ربما كرر نفس السيناريو في العوالم اللامحدودة، بما يعني أنه قضى «سلسلة متوالية من الوفيات».
الفضائيون في الإسلام
وفقًا للمؤرخ يورج ماتياس ديترمان، الأستاذ في جامعة فرجينيا كومنولث في قطر، فإن الإسلام يملك نفسه تاريخًا مثيرًا للاهتمام مع الأطباق الطائرة والإيمان بالحياة الفضائية، مجادلًا بأن التقاليد الإسلامية كانت تدعم بشكل عام فكرة الحياة خارج كوكب الأرض.
يبني ديترمان فكرته على الآية المفتاحية في القرآن الكريم، حيث يصف الله تعالى نفسه في مطلع سورة الفاتحة بـ «رب العالمين»، مركزًا على استخدام لفظ الجمع في «العالمين» ودلالتها في اللغة العربية، والتي التقطها المفكرون الإسلاميون تاريخيًّا، مثل البيروني وابن سينا، باعتبارها تدعم فكرة «تعدد العوالم».
ووفقًا لديترمان، قد يكون للإسلام صلة مباشرة أكثر بالكائنات الفضائية متجسدة في الحجر الأسود، الذي ذهب الباحث التركي هالوك ساريكايا إلى أنه أُرسل إلى الأرض بواسطة مركبة فضائية.
الأجسام الطائرة المجهولة اكتسبت زخمًا أكبر في معتقدات حركة «أمة الإسلام» الأمريكية، والتي أخبر زعيمها إيليا محمد أتباعه عن جسم غامض يسمى العجلة الأم أو الطائرة الأم، ليقول زعيمها اللاحق لويس فاراخان إنه سافر إلى المكسيك في 1985 على متن جسم غامض، حيث التقى بإيليا محمد، الذي شفي من أمراضه السابقة على يد أطباء فضائيين كانوا على متنها.
رغم كل ذلك، يبقى التحدي اليهودي قائمًا أمام الإسلام، وفق بي بي سي، التي تستند على أهمية العبادات الجسدية والبعد المكاني، مثل مواقيت الصلاة، واستقبال القبلة، والصيام في أوقات محددة، والحج إلى مكة المكرمة. فكيف يكون الفضائي مسلمًا إذا لم يكن قادرًا على أداء العبادات بتلك التفاصيل؟
بينما ترد «بي بي سي» على السؤال بأن الفضائيين غالبًا لا يملكون أجسادًا مادية، بالتالي لا يفترض أنهم مطالبون بنفس العبادات وبنفس التفاصيل، فإن العديد من الإصدارات الفقهية ظهرت خلال العقود الأخيرة، للإجابة على السؤال، بعدما صعد سبعة رواد مسلمين إلى الفضاء.
في أحدث النسخ، التي أصدرتها دائرة الشئون الإسلامية والعمل الخيري، التابعة لحكومة دبي، يجيب عضو إدارة البحوث الإسلامية، حمد محمد صالح، بأن جذر السؤال ليس بجديد، وأن الإشكاليَّة نفسها متكررة في القطبين الشمالي والجنوبي مثلًا، مستشهدًا بحديث الدجال الوارد في صحيح مسلم، حين قال: «قلنا يا رسول الله ذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره». والذي يبين أن العبادة لا تسقط عن المسلم بانتفاء العلامات. لذلك، اتفق الفقهاء على تقدير أوقات الصلاة والصيام بحسب مواقيت مكة المكرمة.
وفي مسألة تحديد القبلة، يفتي صالح «بتحري جهة القبلة عند مرور المركبة بموازة الكعبة أو الجزيرة العربية، وإن تعذر، يمكن التوجه صوب كوكب الأرض، ويقع فيهم عندها حكم صلاة شدة الخوف التي يسقط فيها التوجه للقبلة».
وبالنسبة للوضوء، أفتى باستخدام المناشف المبللة، أو التزود بحفنة تراب أو قطعة حجر للتيمم، وإن تعذَّر، يمكن الاستناد إلى هيكل المركبة.
وفي كتابه «أحكام الفضاء في الفقه الإسلامي» يفصل أستاذ القانون في جامعة كركوك، عبيد عبد الله الطائي، تفاصيل تطبيق الأحكام الفقهية في الفضاء الخارجي، من أول التيمم، حتى توقيع العقود، وصولًا إلى الحكم الشرعي في التجسس في الفضاء، وانتهاءً بحكم الصيد في الهواء الجوي أعلى مكة المكرمة.