هل ليونيل ميسي هو دونالد ترامب إقليم كتالونيا؟
بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فترته الرئاسية بعدة تصريحات أشبه ما تكون بهذا التصريح، جميعها تحمل المعنى ذاته، أنا هنا الرجل الأوحد، أنا صاحب القول الفصل في أي أزمة تمر بها البلاد، لن أسمح بأي مساءلات من الإعلام. وبالرغم من كون الولايات المتحدة هي النموذج الأقرب إلى الكمال بين دول العالم في فاعلية دور المؤسسات، إلا أن السواد الأعظم من المتابعين حول العالم قد تكوّن لديهم قناعة بأن دونالد ترامب هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في هذه الدولة بالفعل، قناعة لم تغيرها العديد من المواقف التي اتخذتها مؤسسات الدولة ضد جنون هذا الرجل.
الوضع في إقليم كتالونيا لا يختلف كثيرًا عن الولايات المتحدة الأمريكية، ذلك الإقليم الذي ذاع صيته السياحي في العِقد الأخير من القرن الحالي بسبب فريق الكرة الذي لا يحتل في قلوب أهل ذلك الإقليم مكانة فريق كرة قدم فحسب، بل هو جيشهم الذي يدافع عنهم و هو إعلامهم الذي ينقل رسالتهم للعالم أجمع وهو حكومتهم التي تجلب الأموال لإنعاش اقتصاد الإقليم، هو السبب الأكبر في تعزيز شعور الانتماء لدى معظم سكان كتالونيا كما هو الحال مع عديد كبير من المصريين في بطولة كأس الأمم الأفريقية الأخيرة.
لكن الفارق الأبرز بين الحالتين هو أن الرئيس الفعلي في الحالة الثانية ليس سياسيًا بارزًا ولا عالمًا ذاع صيته ولا حتى إعلاميًا تلوّث بالفسادة ونهم السلطة، ولكنه لاعب كرة قدم، نعم، إنه البرغوث الأرجنتيني ليونيل ميسي.
ليونيل لا يخطئ أبدًا
جوسيب بارتوميو رئيس نادي برشلونة بعد التعاقد مع إنريكي في 2014.
تصريح يوضّح كل شيء في نادي العاصمة الكتالونية، ميسي يجب أن يكون مرتاحًا، ميسي لا يجب أن يغضب، ميسي هو الجوهرة الرئيسية التي يجب الحفاظ عليها و ما عداها فهو شيء من الكماليات التي يمكن تعويضها.
ميسي وإن كان يشبه ترامب في ديكتاتوريته إلا أن الفارق الجوهري بينهما هو أن ديكتاتورية البرغوث الأرجنتيني هي ديكتاتورية مُحصنة بدعم شعبي كبير، فالجمهور لا يغضب أبدًا من الليو مهما أضاع من فرص، الجمهور لا يطالب ميسي التحدث باللغة الكتالونية في لقاءاته كما طالبوا تشافي وانييستا وماسكيرانو وغيرهم بينما اختلقوا له الحجج و الأعذار أبرزها أنه ابن الأرجنتين وأن لغته الأم هي الأسبانية لا الكتالونية، وكأن ماسكيرانو هو ابن أحد الزعماء المناضلين المنادين باستقلال إقليم كتالونيا!.
ذلك الدعم الجماهيري غير المسبوق رآه أغلب المحللين سببًا رئيسيًا في استمرار أداء الليو العجيب مع البرسا، ويبرهن معظمهم تلك النظرية بأداء ميسي مع منتخب بلاده الذي لم يرتقِ لذلك العجب الذي نراه منه في معقل النو كامب بسبب الهجوم المستمر عليه من الشعب الأرجنتيني، لكن هذا الهجوم الناري هدأت حميته قليلاً في الآونة الأخيرة بعد أن قادهم الليو إلى نهائي كأس العالم في البرازيل وكذلك نهائي كوبا أمريكا مرتين. هجومٌ خفف من وطأته أيضًا بعض من النجوم اللاتينيين السابقين ممن لهم رصيد كبير في قلوب الشعب الأرجنتيني مثل «خوان ريكيلمي» والذي دعم ليونيل بعد نهائي كوبا أمريكا الأخير أمام تشيلي والذي أعلن بعده ميسي اعتزاله اللعب دوليًا.
نيل الرضاء هو شرط البقاء
ربما ينزعج البعض من تأكيدات «تشافي هيرنانديز» مرة تلو الأخرى في لقاءاته الصحفية على أفضلية ميسي على غريمه «كريستيانو رونالدو» بل وعلى أفضلية ميسي المُطلقة على مر العصور، لكن هذا الانزعاج ما لبث أن تلاشى بعد هذا التصريح المُريب من النجم البرازيلي «نيمار دا سيلفا» عند قدومه لبرشلونة. فما الذي يجعل شابًا يتحدث عنه العالم أجمع وهو لم يتجاوز العشرين عامًا من عمره أن يقول هذا التصريح؟، ما الذي من الممكن أن يدفع أي لاعب كرة قدم ليكرّس مجهوداته لمساعدة لاعب آخر ليكون أفضل منه؟، بالطبع لا يوجد ولا يمكن أن يتفق هذا التصريح مع أي عقل أو منطق، لكن الواقع يقول إن نيمار حاله حال لويس سواريز أدركوا أن سر النجاح في برشلونة مرهون بشكل أساسي برضاء الليو، وقد كان لهم في ديفيد فيا وإبراهيموفيتش عبرة ومثل!.
يقول زلاتان إبراهيموفيتش إن سبب فشل رحلته القصيرة مع برشلونة بالرغم من بدايتها المُذهلة بتسجيله سبعة أهداف في سبع مباريات متتالية هو تغير المزاج العام لليونيل ميسي ونفوذه غير الاعتيادي لأي لاعب آخر في الفريق. فميسي أراد اللعب في منتصف الملعب تحت المهاجمين وليس اللعب في الجهة اليمنى؛ وذلك لإبراز قدراته وتعزيز حظوظه في الفوز بالكرة الذهبية، وبالفعل استجاب له جوارديولا على حساب زلاتان وتحولت طريقة برشلونة في تلك الآونة من 4-3-3 إلى 4-5-1، وهي الطريقة التي بالطبع لا تناسب العملاق السويدي الذي لم يتعود على حصر دوره في آخر جزء فقط من الثلث الأخير من الملعب، كل هذا التغيير لأن بيب جوارديولا لم يجرؤ على الخروج من منظومة الليو!.
تسببت تلك الظروف في خلاف قوي بين إبراهيموفيتش وبيب؛ مما استدعى الأخير لاستقدام المارافيا «ديفيد فيا» من فالنسيا بعد تألقه في كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا بمباركة النجم الأرجنتيني ليو ميسي، لكن بعد موسم ونصف من تألق المهاجم الأسباني بدأت تتضح معالم عدم التفاهم المفاجئ بين ميسي وفيا في ولاية «تيتو فيلانوفا»، فظهر النجم الأرجنتيني في أكثر من لقطة وهو يوبّخ «فيا» على تصرفه بالكرة، مشهد تكرر في مباراة غرناطة في الليجا الإسبانية وكذلك في مباراة سيلتك الأسكتلندي؛ مما أنذر الجميع بغضب الكبير الأرجنتيني على المارافيا الأسباني، وبالطبع نتيجة الخلاف كانت معروفة للجميع قبل الوصول إليها بشهور؛ رحيل المهاجم الإسباني.
التربية أولًا ثم التعليم
«اسمها وزارة التربية والتعليم؛ يعني التربية قبل التعليم»، ربما كانت تلك الجملة هي الأشهر في تاريخ التعليم العربي، ومن الواضح أن ليونيل ميسي هو الآخر قد تأثر بمضمونها بشكل أو بآخر فقرر تطبيقها مع زميله «ماورو إيكاردي» لاعب إنتر ميلانو إثر مشكلته الشهيرة مع «ماكسي لوبيز» زميله السابق بسامبدوريا بعد أن خطف منه زوجته بطريقة أثارت الجدل بشكل كبير وجعلت الأسطورة الأرجنتينية «دييغو مارادونا» يصفه بالخائن.
لم تخرج أي تصريحات رسمية من «إدغاردوا باوزا» المدير الفني للمنتخب الأرجنتيني لتؤكد أو تنفي صحة الأمر، لكن أغلب التقارير الصحفية و لعل أبرزها هو تقرير موقع «Goal» العالمي تؤكد أن ليونيل ميسي استخدم حق الفيتو عند استدعاء إيكاردي للمنتخب انتصارًا للحق ولزميله السابق في برشلونة ماكسي لوبيز.
مؤسسة ليونيل ميسي للحراسات الخاصة
يقول الصحفي الأرجنتيني «خوان فارسكي» إن ثلاثة من رجال الأمن المعنيين بحراسة المنتخب الأرجنتيني توجهوا إلى غرفة القائد ليونيل ميسي قبل مباراة الأرجنتين والبرازيل الأخيرة في التصفيات المؤهلة لكأس العالم بأسبوع واحد فقط، والتي انتهت بفوز البرازيل بثلاثة أهداف دون مقابل. رجال الأمن أخبروا ميسي بأنهم لم يأخذوا رواتبهم لمدة ستة أشهر بسبب الأزمة المالية التي يمر بها الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم وأن وضعهم المالي معقد للغاية.
لم أتوقف هنا عند إنسانية ميسي وحسن تصرفه عندما تواصل مع والده وطلب منه صرف رواتب رجال الأمن وعمال المنتخب، ولم أتوقف عند تواضعه حينما رفض التعليق على الأمر في حديثه للإعلام، لكن ما استوقفني بشدة هو نظرة رجال الأمن وعمال المنتخب لميسي على أنه القائد والمتحكم في مسار الأمور في الكرة الأرجنتينية، فحينما قرروا الشكوى لم يذهبوا لمسؤول رياضي بارز في الأرجنتين ولم يتوجهوا للصحافة والإعلام بل توجهوا لبطلهم الذي يثقون به وأسطورتهم الخاصة التي لم تخذلهم يومًا ما، فميسي بالنسبة لهم هو من يمتلك الحل لكل شيء سواء في الملعب أو خارج الملعب.