هل يستحق فيلم The Revenant جائزة الأوسكار؟
صارع دبًا وحشيًا، واختبأ في جثة حصان، التهم كبدًا نيئًا، وصور فيلمه الجديد في ظروف جوية شديدة البرودة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه ها هنا؛ هل يستحق ليوناردو ديكابريو –على كل ما فعله- جائزة الأوسكار؟! هذا ما نحاول الإجابة عنه في تحليلنا لفيلم «العائد» أو The Revenant ودور ليوناردو ديكابريو فيه.
قصة الفيلم وقصة (هيو جلاس)
من إخراج أليخاندرو جونزاليس إناريتو وبطولة ليوناردو ديكابريو وتوم هاردي نشاهد فيلمًا مقتبسًا من أحداث حقيقية، عن قصة صمود صائد الفراء الأمريكي «هيو جلاس» ضد ظروف الطبيعة القاسية، بعد أن هاجمه دب متوحش وكاد يقضي على حياته، يحاول «هيو» البقاء على قيد الحياة لينتقم من الرجل الذي قتل ابنه وتركه عرضه للموت في غابة تغطيها الثلوج. يقول تقرير أمريكي عرضناه سابقًا أن قصة قتل ابن «هيو» مفبركة بالكامل لخلق الحبكة الرئيسية للأحداث، ونعتقد أن لولا تيمة الانتقام التي يبرزها الفيلم لما إستمرت مشاهدتنا له بعد واقعة هجوم الدب.
في سبيل البقاء على قيد الحياة بعد هجوم الدب، يفعل «هيو» المستحيل، بداية من الزحف لمسافات طويلة بجسد مصاب، ونهاية بالتهام الأسماك والكبد نيئا، ونهاية بالنوم داخل جثة حصان ميت بعد أن يفرغ أحشاءه بيديه، كلها مشاهد مقززة كادت تجبر بعض المشاهدين على مغادرة قاعة العرض، بينما انبهر باقي المشاهدين وهم يشاهدون «دي كابريو» الفتى الرقيق في فيلم «تيتانك» وهو يكاد يقتل نفسه قتلًا أمام الكاميرا ليلفت انتباه القائمين على جوائز الأوسكار!
التصوير والمونتاج.
على الرغم من الحبكة العادية والمباشرة للفيلم، إلا أنه يجب الاعتراف بأن أسلوب التصوير الذي تم اتباعه لتصوير الأحداث كان أسلوبًا متميزًا، وترك تأثيرًا قويًا في عقول ونفوس المشاهدين، ولعل أول ملامح الأسلوب غير التقليدي في التصوير، هو تصوير مشهد هجوم الهنود على الأمريكان في بداية الفيلم، والذي عزفت فيه آلات التصوير سيمفونية من الإبداع شارك فيها المونتاج الذكي والذي حاول تصوير مشاهد طويلة بدون قطع، والاعتماد في المقام الأول على متابعة حركة الممثلين على الشاشة من البداية للنهاية بشكل بانورامي، أربك أعين المشاهدين وجذبهم للمتابعة بانتباه شديد منذ بداية المشهد وحتى النهاية. حينها فقط بدأنا في التقاط أنفاسنا وتأمل الحال الذي وضعنا فيه المخرج «إناريتو».
الخدع السينمائية
أفضل الخدع السينمائية هي تلك التي لا تلتقطها أعين المشاهدين بسهولة، ومشهد هجوم الدب وسقوط الحصان براكبه من أعلى قمة جبل وغيرها من المشاهد، كانت الكاميرا تقدمها بتلقائية وعفوية، لكننا نعلم جميعًا حجم المجهود المبذول في إخراجها للشاشة بشكل لائق ومناسب، ولا يسبب التوتر لعين المشاهد ويمر على عقله مرور الكرام فلا يستطيع تخمين متى بدأت الخدعة ومتى انتهت.
يُنسب هنا الفضل كاملًا للمخرج «إناريتو» الذي استطاع توظيف عامل الخدع بذكاء شديد، ودون غرور أو تعالٍ على المشاهد، الأمر الذي أدى لاعتبار مشاهد الخدع في الفيلم واحدة من أفضل مشاهد الخدع وأكثرها إقناعًا، وغني عن الذكر معرفة أن «ليوناردو ديكابريو» ساهم في تقليل حجم الخدع السينمائية للحد الأقصى باهتمامه بتصوير العديد من المشاهد الخطرة بنفسه، بمكياج استغرق ما يزيد عن الساعات الخمس في المرة الواحدة!
سيناريو الأحداث وفخ الملل
لن يمنعنا المستوى الفني المتميز للفيلم من الاعتراف بأننا شعرنا بالملل مع تدفق أحداث الفيلم من العرض على الشاشة، وعلى الرغم من المعاناة الشديدة التي مر بها «هيو جلاس» الحقيقي و «ديكابريو» الذي يلعب دوره على الشاشة، إلا أن المُشاهِد عند مرحلة محددة من المعاناة يشعر بالملل من تكرار الأزمات التي لعب عليها السيناريو حتى أجهد المشاهد بها، وتم تأجيل تيمة الانتقام للمَشاهِد النهائية للفيلم، ما أدى لزيادة ترقب تلك المشاهد وإعطائها أكبر من حجمها بكثير، الأمر الذي أدى في النهاية لشعور بعض المشاهدين بخيبة الأمل مع بداية الربع الأخير من الفيلم، تفاقم هذا الشعور مع نهاية الأحداث، ومع موجة الدعاية الإيجابية التي حظى بها الفيلم وأخبار منافسته على صدارة الأوسكار، بدأت الكثير من الأسئلة في التعالي؛ هل يستحق الفيلم أرفع جائزة سينمائية في العالم؟ وهل يكفي أن يقتل «ديكابريو» نفسه قتلًا على الشاشة لنرفع له القبعة ونعطيه الجائزة دون نقاش؟ هذا هو السؤال الأكثر سيطرة على المجالس السينمائية اليوم.
الفيلم والصراع على الأوسكار
انقسمت الآراء في الوسط السينمائي ما بين مرجح ومعترض على نيل الفيلم للأوسكار، البعض يرى أن الفيلم بُذل فيه من المجهود الفني ما يجعله يستحق نيل الجائزة، ويكفي أنه قادر على اللعب على تيمة واضحة ومُستهلكة كالانتقام وإعادة تقديمها للمجهور في قالب سينمائي مدهش بُذل فيه مجهود متميز.
يري البعض الآخر أن النوايا الطيبة والمجهود العنيف وحدهما لا يكفيان للحصول على الأوسكار، فعلى الرغم من المستوى الفني المتميز للفيلم، والتقنيات الحديثة التي استُعملت لإخراجه؛ إلا أن الحبكة السينمائية لا تزال تحتاج المزيد من العمل، ولا تُبنى الأفلام على مجهودات أبطالها فحسب، بل كان الفيلم يحتاج المزيد من المجهود لتطوير الحبكة وتقديم ما يبعد المشاهد عن الشعور بالملل وانتظار نهاية الأحداث.
على كل الأحوال لا يمكن تقديم توقع صائب بنسبة 100% حول مصير الفيلم من جوائز الأوسكار، لكن يمكن القول أن النتيجة النهائية والحاسمة سنعلمها جميعًا في واحدة من أقوي وأسخن جولات الأوسكار في التاريخ السينمائي، فحتى ذلك الموعد يمكن اعتبار التعليقات على هذا الموضوع حلبة للنقاش السينمائي حول الفيلم ومدى استحقاقه للجائزة.