هل آن الأوان لنعادي السعودية ونصادق إيران؟
لا أعتقد أن كثيرا منهم طووا نصيحته في قلوبهم، لكنني على الأقل قرأت بالفعل تلك التي تقول:
“Wenn du lange in einen Abgrund blickst, blickt der Abgrund auch in dich hinein”
التي تترجم هكذا:
“عندما تطيل النظر إلى الهاوية، فإن الهاوية أيضا تنظر إليك”
كلمة أخرى تساوي الهاوية بالطبع هي: الخليج.
الأمور تتغير الآن في الخليج الفارسي. ملك مريض مسن يذهب عن السعودية، ويأتي مريض مسن آخر، تجمعه بالأول نصف أخوة، في التو الذي يبدو أن الثوار الحوثيين فيه التو يحققون نصرا مؤزرا في اليمن. وفي أثناء ذلك، يعاني ممثلو أكثر من عشرين دولة، من بينهم بريطانيا والولايات المتحدة والعراق، في كيفية التصدي للدولة الإسلامية (داعش)، مع سعي بغداد نحو سعي بغداد لمزيد من الدعم من حلفائه الغربيين في سبيل القتال.
تبدو الحكومات الغربية، أمام ذلك التغير الضخم في الشرق الأوسط، على مفترق الطرق. ليس بعيدا عندما كنا بصدد إطلاق حملة للإطاحة بنظام الأسد في سوريا. الآن، وبعد ثمانية عشر شهرا فحسب أو أكثر قليلا، يبدو استمرار ذاك النظام ضرورة للسياسات الغربية في المنطقة، ما لم تتم الإطاحة بالخطر الأكبر الذي تمثله داعش.
في الوقت ذاته، تحولت مواقفنا تجاه إيران، حيث تتقدم المفاوضات حول الملف النووي الإيراني ببطء إلى الأمام. وقد فاجأني أن أسمع زميلا في الأسبوع الماضي، يشير إلى أن إيران كانت ثقلا حافظ على الاستقرار في منطقة الخليج الفارسي، وتلك قد صارت الآن قاعدة متفقا عليها. لكن توجهاتنا لم تتحول بعد بما فيه الكفاية إلى أن نتخذ من إيران حليفا في العراق وسوريا؛ وهو موقف ليس في موضعه. ولم تزل ثمة أصوات في الولايات المتحدة وفي كل مكان تحذر كما يحذر السعوديون من نزعة إيران التوسعية.
تلك الأصوات نفسها هي التي قد نزعت إلى الإشادة بحماس الإصلاح المزعوم من الملك عبد الله (لم أسمع ما يدعوني إلى أن أعتقد أن خلفه سيكون أشد منه حماسة) متجاهلين حقيقة مقلقة، هي أن أسوأ صور الإرهاب والتطرف الإسلامي في العقدين الماضيين ترجع عبر التمويل والأصول الدينية إلى السعودية في نهاية المطاف. وهكذا تبدو الدولة، التي اعتدنا أن ننظر إليها كعدو، كصديق محتمل؛ بينما تبدو الدولة التي نتعامل معها كحليف، كصديق من ذاك النوع الذي لا يستحق أن تحتمل لخاطره عداوات، إن لم نقل أنها صارت تبدو كعدو.
كان ليكون من غير الحكمة بالتأكيد أن نتوقع الكثير من الحلف الممكن مع الإيرانيين في قتال داعش. ولكن ينبغي أن نكون على وعي بمدى الفرص التي يتيحها لنا التقارب المتنامي مع إيران؛ إنها واحدة من النقاط المضيئة القليلة في خلفية مظلمة. لكن القوات المسلحة الإيرانية ليست أقوى من نظيراتها في المنطقة من ناحية عدد كتائبها الكبيرة؛ تتمتع كتائب الحرس الثوري بخبرة وكفاءة عالية، لكنها لم يكن من المحتمل أن تفعل أكثر مما تفعله الآن بالفعل في العراق وسوريا.
حتى إذا كان بإمكانهم أن يساعدوا، فلن يصب ذلك في صالح استقرار طويل الأمد في المنطقة، لأن التدخل الكثيف من شيعة إيران في العراق وسوريا لن يفيد سوى فقط في إثارة المزيد من المقاومة من المجموعات العربية السنية. إن مفتاح النجاح ضد داعش لا بد أن يتضمن تشجيع العرب السنة أنفسهم على رفض داعش كما رفضوا وقاتلوا القاعدة في العراق بالتنسيق مع ما عرف بالدفقة الأمريكية (US surge) 2007 فصاعدا. ولكن لسوء الحظ تراجع الدعم والعلاقات الغربية مع تلك العناصر العربية السنية بعد نجاح تلك السياسة، وذاك سبب جزئي لوجود داعش. سيكون من الصعب الآن إعادة بناء تلك العلاقات لأن السنة يشعرون أن الغرب خانهم.
عندما نرسم سياستنا في المنطقة في ظل احتداد صراع طائفي، كل ما هو هام أن يكون التزامنا بالاستقرار واضحا لا لبس فيه – وبالتحديد التزامنا باستئصال، ليس فقط داعش والقاعدة، بل أيضا قدر الإمكان، الأسباب التي جلبتهم لنا. هنا أرجع إلى بولارد وإلى نيتشه: الخليج الفارسي ينظر هو الآخر إليك – أو بعبارة أخرى: التوترات في المنطقة تتطلب منا أن نراجع سياساتنا.
الاستقرار في منطقة الخليج الفارسي هو ما نقول أننا نريده، وتتعامل كثير من التحليلات والتعليقات مع ذلك كمسلمة. لكن هل نحن صادقون؟ وإلى أي حد نريد ذلك حقا؟ هل نريد ذلك بما فيه الكفاية، على سبيل المثال، لأن نضحي بتحالف مع حلفائنا الصوريين على طول الساحل الجنوبي للخليج، وباتجاههم نحو شراء صفقات الأسلحة المربحة؟ لأن ذلك هو ما سيحدث إذا كنا بصدد أن نتناول بوضوح الدور الذي تلعبه بعض البلدان في تمويل الجماعات السنية الراديكالية الأكثر تطرفا التي تهدد الاستقرار، كداعش والقاعدة على سبيل المثال.
سيتفق كثيرون على أن الأيديولوجية السنية المتطرفة لداعش هي مجرد خطوة أو تطبيق للإسلام الوهابي الذي يمثل مرجعية دولة السعودية العربية. إنه التطرف الذي يقود الصراع الطائفي المتنامي بين السنة والشيعة، وهو صراع ربما يكون كارثيا على نطاق لا يتصوره عقل.
أم أننا بدلا من ذلك وأيا كان الغطاء، نحسب أن مصالحنا القومية بهذا المعنى الضيق الذي تتبلور فيه بأثرها في الصفقات العسكرية مع السعودية ودول الخليج؟ هل نغض الطرف عن الميل المتطرف والتمويل الذي يتدفق منها، ونسمح لتلك الدول في الواقع أن تشتري سياستنا الخارجية بالتوازي مع سلاحنا؟ اشتر واحدة، وخذ الأخرى مجانا.
لم يكن جوليان بولارد لينصح فيما أحسب بالمسار الأخير. ينبغي أن يكون من الواضح بما فيه الكفاية أن الإلقاء بثقلنا في جانب واحد ضمن الصراع الطائفي في الشرق الأوسط ربما تكون له عواقب وخيمة على استقرار المنطقة، وعلى مصالحنا كليهما. لكن يبدو على الرغم من ذلك أن هذا هو اتجاه وتفكير بعض عناصر حكومتنا الحالية على الأقل. وإذا كان على المملكة المتحدة بالتحديد أن تكسب أية مصداقية في تلك المنطقة مستقبلا، فإن هؤلاء ينبغي أن يزاحوا.