هل يمكن التعايش مع الغسيل الكلوي؟
يضطر الأطباء كثيرًا إلى نقل بعض الأنباء السيئة إلى مرضاهم، والتي عادةً ما تتعلق بتشخيصٍ مرضيٍّ خطير، أو قرار علاجي صعبٍ قد يغير حياة المريض إلى الأبد. ومن أكثر تلك الأنباء إزعاجًا للطبيب وللمريض ولذوي المرضى على حد سواء، قرار الشروع في علاج مريض الكلى بالغسيل الكلوي، والذي يُعوِّض الفشل المتقدِّم لوظائف الكُلى، حيث يعمل كأنه كُلية صناعية خارجية.
ولذا، فلا عجب أن أطباء أمراض الكلى يحاربون لسنواتٍ مع حالات القصور الكلوي المزمن من أجل الحفاظ على البقية الباقية من وظائف الكلى لديهم، لتأخير اللجوء إلى قرار الغسيل الصعب. لكن عندما تفشل العلاجات الدوائية الأخرى، ويتعذر لأسباب طبية أو مادية الشروع في زراعة الكلى، فإنَّ الغسيل الكلوى لا يصبح قرارًا نملك رفاهية عدم اتخاذه، إنما يصبح حتميًّا لإنقاذ حياة المريض، الذي فقد وظائف الكلى بشكلٍ شبه تام أو تام.
لا أدعي أن مريض الغسيل الكلوي يستطيع أن يتكيَّف مع هذا المتغير الكبير في حياته بنسبة 100% بشكلٍ يُشعِره كأنَّ شيئًا لم يكن، فالأمانة العلمية تقتضي الصراحة مع المريض، والإقرار بأنَّ ما يشعر به من صعوبة المرحلة التي هو مُقبلٌ عليها، هو شعور طبيعي ومنطقي وواقعي للغاية، فقضاء عدة ساعات كل يومين أو ثلاثة في مراكز الغسيل الكلوى إلى آخر العمر، ليس بالمهمة الهينة، ولا يقدر الجميع على إتمامِها بنجاحها إلا إذا توافر لهم دعم طبي وأسري واجتماعي جيد. لكن ما نريد قوله، أن هناك بعض الخطوات البسيطة التي يمكن أن يتخذها مريض الغسيل الكلوي، بالتعاون مع طبيبه، ومحيطه الأسري، وأصدقائه، والتي ستُحدث فارقًا كبيرًا في مسيرة التقبل الإيجابي لهذا الواقع الجديد، والتفاعل معه بالشكل المطلوب.
1. الاستقبال الإيجابي للقرار
بدلًا من الاستسلام لمشاعر الضيق والحزن والإحباط والغضب التي عادةً ما تهيمن في الأيام الأولى بعد قرار الغسيل الكلوي، يجب محاولة الانتقال فوريًّا إلى مرحلة التفاعل الإيجابي مع هذا القرار، والشروع في تنظيم جدول الحياة اليومية وفق المتغير الجديد، والانشغال بتفاصيل هذا التنظيم، والحذر من الوقوع في براثن الإنكار الذي قد يؤدي إلى رفض تلقي هذا النوع من العلاج، لأن هذا سيُسبِّب تدهور الحالة الصحية بشكلٍ سريع للغاية على مدى ساعاتٍ قليلة أو أيامٍ معدودة، وقد يمثل خطورة شديدة على الحياة.
ومن أفضل ما يعين على الاستقبال الإيجابي لقرار الغسيل، الحوار الصريح والبنَّاء مع الطبيب المعالج، وتوجيه كافة الأسئلة إليه حول تفاصيل التفاصيل في العلاج بالغسيل الدموي الكلوي، فهذا يزيل الكثير من الالتباسات، ويجعل المهمة تبدو أقل صعوبة. وكذلك، يجب البحث عن مظلة تأمينية فعَّالة تغطي كليًّا أو جزئيًّا التكلفة المرتفعة للغسيل الكلوي، لرفع هذا العبء عن كاهل المريض.
2. الاهتمام بالصحة النفسية
تمثل جلسات الغسيل الكلوي عبئًا نفسيًّا خاصًّا على المرضى، ولذا يشيع بين مرضى الغسيل الكلوي الاضطرابات النفسية، وفي مقدمتِها الاكتئاب والقلق. ولذا، فالكثير من الجهد يجب أن ينصب على تحسين الحالتين المزاجية والنفسية للمريض.
البداية تكون بعدم الاستسلام للمشاعر السلبية وجلد الذات، ودفع أفكار مثل: ما الذي فعلته ليحدث لي هذا؟ وما الذي كان عليَّ أن أتجنبه لكنني قصَّرت … إلخ، فالاسترسال مع مثل هذه الانفعالات غير الإيجابية مدمر للصحة النفسية.
وتُوصي الجمعية النفسية الأمريكية مرضى الغسيل الكلوي ببعض النصائح السريعة التي تساعد في الحفاظ على سلامة صحتهم النفسية، ورفع الحالة المزاجية:
- تجنب العزلة، ومحاولة الاندماج قدر المستطاع مع الأسرة والأصدقاء في أنشطة محببة مثل التنزه أو السفر.
- عدم الانقطاع عن الهوايات المحببة مثل القراءة أو الكتابة أو الرسم … إلخ.
- طلب المساعدة من الآخرين عند الحاجة لذلك دون الشعور بالتردد أو بالحرج.
- المواظبة على المشي في الأماكن المفتوحة ولو لدقائق قليلة يوميًّا، ووفق ما تسمح الحالة الجسدية.
- تثقيف النفس من مصادر طبية موثوق فيها عن كل ما يتعلق بالغسيل الكلوي، وذلك لكسر الحواجز النفسية تجاه الأمر، ولمعرفة كيفية التعاطي معه بشكلٍ إيجابي.
- الالتزام بالصلوات والشعائر الدينية يحسن كثيرًا من الحالة المزاجية، ويساعد في تقوية الجبهة النفسية في مواجهة هذا الأمر الطارئ.
- الانضمام إلى مجموعات الدعم النفسي لمرضى الغسيل الكلوي إن وجدت، حتى لو بشكلٍ افتراضي عن مواقع التواصل، فتبادل الخبرات والدعم بين من يعانون من نفس الأمر، يساعد الجميع بشكلٍ كبير.
ومن أفضل ما يُقلِّل العبء النفسي لجلسات الغسيل الكلوي توافر وسيلة نقل مريحة إلى وحدة الغسيل، وكذلك إشغال الوقت أثناء الجلسة بنشاطٍ محبب مثل القراءة، أو الاستماع لما تحب، أو التواصل والحديث مع أحد المقربين من الأسرة أو الأصدقاء أو إنهاء بعض الأعمال على اللابتوب … إلخ.
اقرأ: هل يساعد التدين المكتئبين؟ العلم يجيب.
لكن، في حالة تفاقم الأمور، والشعور بتدهور مزاجي ونفسي كبير، وفقدان القدرة على ممارسة أبسط أنشطة الحياة اليومية، فيجب اللجوء فورًا إلى الطبيب النفسي ليصف العلاج اللازم وفق وضع كل حالة.
اقرأ: أشهر 8 خرافات حول الأدوية النفسية.
3. شرب السوائل باتزان
كقاعدةٍ أصيلة، فإن شرب السوائل بوفرة، لا سيَّما في البيئات الحارة، من أبرز العادات الصحية. لكن بالنسبة لمرضى الغسيل الكلوى، فإن تلك القاعدة لا تسري بهذا الشكل المطلق ودون محاذير، فهذه الشريحة من المرضى، لا سيَّما من توقَّفت الكلى لديهم عن إنتاج البول بشكلٍ تام، لا تستطيع أجسامهم التعامل بشكلٍ مناسب مع المياه الزائدة، فتتسبب في تورم الساقين، وارتفاع ضغط الدم، والشعور بضيق التنفس نتيجة تراكم السوائل في الرئتين، مُسبَّبة ما يُعرف بالاحتقان الرئوي، والذي قد يتطور في الحالات الخطرة إلى ارتشاحٍ رئوي يمثل خطورةً حادة على الحياة.
ولا تستطيع جلسات الغسيل الكلوي سحب مقدارٍ كبير من السوائل من الجسم دفعةً واحدة، فهذا قد يُسبِّب انخفاض الضغط بشكلٍ مفاجئ وهبوط الدورة الدموية، ولذا، فالأولى تقليل ما يتعاطاه المريض من السوائل، لكن ليس بشكلٍ مُبالغ فيه، مما قد يؤدي إلى عكس المطلوب، ليُسبِّب الإصابة بالجفاف، الذي قد يؤدي إلى حدوث الجلطات.
سيحدد الطبيب وفق ما يراه الأنسب لكل حالة، كمية محددة من السوائل بمختلف أنواعها، وليكن «لترًا ونصفًا» أو «لترين» يوميًّا، ويجب أن يتدرب المريض على حساب حجم ما يتناوله من سوائل بشكلٍ قريبٍ من الصحة. ويجب وزن المريض بعد انتهاء كل جلسة، وأن يزن المريض نفسه في الأيام التالية، فإذا لم يزِد الوزن بشكلٍ ملحوظ، فهذا مؤشر جيد على الالتزام بحجم السوائل المعتدل المطلوب.
4. تقليل الملح بشكلٍ ملحوظ
كان لزامًا أن نُفرد لقضية الملح عنوانًا منفصلًا، لخطورتها الشديدة في حالات الغسيل الكلوي، رغم أنها تتصل بشكلٍ وثيق بالنقطة السابقة؛ فتناول الأطعمة المالحة يُسبِّب العطش، ويدفع المريض لشرب المزيد من السوائل، فيختزن الجسم السوائل بكثافة، وتحدث المضاعفات المذكورة سابقًا، كما أن الملح الزائد يسبب ارتفاعًا حادًّا في ضغط الدم، ومن المعلوم أن مرضى الكُلى في العموم أكثر عرضةً من غيرهم لما يُعرف بالارتفاع المُقاوِم في ضغط الدم، والذي يصعب السيطرة عليه علاجيًّا.
5. الطعام الصحي المناسب للحالة
إلى جانب تقليل الملح في الطعام، هناك تعليمات إضافية خاصة بمرضى الكلى من أجل الحفاظ على صحتهم الجسدية، وتقوية المناعة، وفي نفس الوقت تجنب العديد من المضاعفات. من أبرز هذه، تقليل – وليس الامتناع التام – الأطعمة الغنية بالبوتاسيوم، لأن مرضى الكُلى بوجهٍ عام، ومرضى الغسيل الكلوي بوجهٍ خاص، أكثر عُرضة من غيرهم لارتفاع البوتاسيوم في الدم بشدة، وهذا يمثل خطورة كبيرة على القلب. من أمثلة الأطعمة الغنية بالبوتاسيوم: الموز والأفوكادو والكيوي والفواكه المجففة والعصائر الجاهزة المحفوظة، وكذلك البطاطس (يمكن تقليل البوتاسيوم في البطاطس بتقطيعها وتناولها مسلوقة).
كذلك يتراكم الفوسفور في دم وأجسام مرضى الكلى، وهو يميل للاتحاد بالكالسيوم، مما قد يسبب الإصابة بهشاشة العظام، ولذا، يُنصَح أيضًا بتقليل الأطعمة الغنية بالفوسفور مثل الأسماك والألبان والكولا والمكسرات. وأيضًأ نؤكد أن المطلوب هو التقليل، وليس الامتناع التام، نظرًا للفوائد الأخرى للعديد من تلك الأطعمة. وفي كل الأحوال، سيتابع الطبيب بشكلٍ دوري تحليل أملاح الدم ومنها البوتاسيوم والصوديوم والفوسفور، وفي حالة ارتفاع أي منها بشكلٍ كبير، فإنه سيصف العلاج اللازم لهذا.
قديمُا، كان يُنصَح بتقليل كمية البروتين التي يتناولها المريض يوميًّا، حتى لا ترتفع نسبة البولينا في الدم، لكن أحدث الأبحاث أكدت أن التقليل الزائد في كمية البروتين له آثار سلبية أكثر على قوة العضلات وكفاءة المناعة وجودة إنتاج الدم … إلخ، وبالتالي فالأولى تناول البروتين بشكلٍ متوازن، لا سيَّما من اللحوم الحيوانية الطبيعية، والبيض، مع تجنب اللحوم المصنَّعة مثل اللانشون والهوت دوج … إلخ، لأنها تحتوي مقادير عالية من الصوديوم والفوسفور، التي تضر زيادتها بمرضى الغسيل الكلوي.
ويجب متابعة تحليل صورة الدم الكاملة بشكلٍ دوري يحدده الطبيب، لتشخيص الإصابة بالأنيميا مبكرًا، وتلقي العلاج المناسب لها بحقن الإيبانيوتين التي تحسن إنتاج الكرات الحمراء من نخاع العظام، وأقراص الحديد، وفق ما يصفه الطبيب.
اقرأ: الأنيميا: هل تُصلح أقراص الحديد والفيتامين كل شيء؟
6. اللجوء فورًا للطبيب عند ظهور أعراض الخطر
الالتزام بتعليمات طبيب الكلى، وتعاطي الأدوية التي يصفها، والانتظام في جلسات الغسيل الكلوى المحدَّدة، يقلل بشكلٍ كبير من فرص حدوث المضاعفات وظهور أعراضٍ صحية خطيرة. لكن، تظل المضاعفات قابلة للتفاقم بشكلٍ حاد ومفاجئ، ولذا يجب أن يعي المريض أعراض الخطر في بداياتها لتجنب تفاقمها بطلب المشورة الطبية الفورية، ومنها:
- الشعور بضيق شديد في التنفس لأقل مجهود أو أثناء الراحة.
- آلام شديدة في منتصف الصدر والكتفين.
- تسارع شديد في ضربات القلب.
- صعوبة شديدة في التركيز الذهني، والشعور بتشوش في تحديد الزمان والمكان.
- ضعف في حركة الذراعين أو الساقين أو واحد منهما.
- ارتفاع شديد في درجة الحرارة.
- السعال الشديد المتواصل لأيام.
- الإغماء أو غياب الوعي المؤقت.
اقرأ أيضًا: 8 خطوات بسيطة للوقاية من الفشل الكلوي