على خلاف ما توقع مراقبون دخلت إثيوبيا في عهد جديد منذ وصول الشاب أبي أحمد لمنصب رئاسة الوزراء، فالدولة العميقة التي أنشأها ميليس زيناوي كانت أضعف بمراحل مما تخيل البعض.

موجة كبيرة من الإقالات لكبار قيادات المؤسسات العسكرية والأمنية من المحسوبين على النظام السابق دون أي اعتراض أو تحركات عسكرية مضادة وإلغاء قرارات مقيدة للحريات اتخذتها حكومة الوياني السابقة كحظر مواقع الكترونية وإصدار قرارات ضبط وإحضار لقيادات معارضة واستعداد حكومة أبي أحمد للحوار مع المعارضين الأورومو والمسلحين الصوماليين في حركة تحرير أوغادين.


انقلاب في السياسات الداخلية وانفتاح في العلاقات الخارجية

هذا هو العنوان الأبرز للعهد الجديد؛ حيث باتت إثيوبيا أكثر انفتاحًا للحوار على قضايا كانت تعتبرها حتى وقت قريب من المحرمات في أديس أبابا، كتنفيذ اتفاق الجزائر بشأن بادمي – المنطقة الحدودية المختلف عليها مع إريتريا الجارة الشمالية (والعدو اللدود). فضلًا عن استعداده للحوار والوحدة الاقتصادية مع الجارة اللدودة الشرقية، الصومال.

كذلك تتحدث مصادر سودانية ومصرية عن استعداد أبي أحمد الحوار الصادق مع مصر والسودان حول قضية مياه النيل وسد النهضة دون التعنت الذي كانت تظهره حكومة ديليسين وحكومة ميليس زيناوي. الحكومة الإثيوبية الآن باتت أكثر تقبلًا لما تطرحه القاهرة بشأن ملء بحيرة سد النهضة في عدد أكبر من السنوات مما كانت تخطط له مسبقًا.

والانفتاح الذي تم مؤخرًا لإثيوبيا مع دولة الإمارات العربية المتحدة هو في إطار هذا السياق، حيث كان للإمارات دور في تقريب وجهات النظر بين إثيوبيا وإريتريا حمايةً للمصالح الإماراتية في إريتريا، وهي القاعدة العسكرية الأهم للإمارات التي تستخدمها لضرب الحوثيين في اليمن بالطيران في معارك الساحل الغربي.

وقد كانت تقارير صحفية إريترية تحدثت عن توافق إثيوبي سوداني قطري على إسقاط نظام أسمرة مما جعل الإماراتيين يهرعون لمنع هذا السناريو، الذي كذبته وزارات الخارجية في الدول الثلاث.

اقرأ أيضًا: احتجاجات «الأورومو»: اضطهاد الأغلبية في إثيوبيا

هذه السياسات التوافقية في الخارج تتم بغير حوار مع أحزاب الائتلاف الحاكم، مما يعني أنه انقلاب واضح على التوافق الحكومي، مما يعزز بدوره انفراط التكتل الحاكم وانفراط الوحدة الإثيوبية حيث تتم قراءة هذه القرارات في إطار محاولة الأورومو تعزيز سيطرتهم على البلاد المكوّنة من خليط من القوميات لم يوحدها سوى القوة، مما يعني أن إثيوبيا واحة الاستقرار في شرق أفريقيا باتت مهددة بالفوضى في ظل ثورة الأقليات الوشيكة.

محاولة الاغتيال التي تعرض لها أبي أحمد مؤخرًا قد تكون بداية لهذا التحول الكبير في إثيوبيا، حيث تتكتم السلطات إلى الآن على تفاصيل الحادث ولم تعطِ الرأي العام سوى بيانات مقتضبة، وهي أنها أمسكت الفاعلين وأن العملية كانت عبارة عن زرع قنبلة موقوتة في سيارة في موكب أبي أحمد. محاولة اغتيال أبي أحمد لم تكن محاولة جادة فيما يبدو بل كانت رسالة إنذار من المتضررين من سياسة أبي أحمد، أن حشود الأورومو التي يجمعها لن تحميه من بطشهم لو شاءوا وأن عليه السير على نهج سلفه ديلسين إن أراد البقاء في حكم إثيوبيا حيًا.

أبي أحمد فيما يبدو لن يرضخ لهذه التهديدات والرسائل التي يرسلها بقايا النظام السابق وسوف يمضي في مخطط اجتثاثهم سواء عبر استمرار الإقالات للقيادات العسكرية والأمنية أو في سلك كبار الموظفين والسفراء وفي خصخصة مؤسسات الدولة.


التجراي إلى متى سيصمتون؟

المظاهرات الأخيرة التي عمت إقليم تجراي تشير إلى أن التجراي باتوا يضيقون ذرعًا بأبي أحمد وسياسته، وأن لحظة انفجارهم هي مسألة وقت. لكن هذه المرة التجراي دون حلفاء على عكس ما كان عليه الأمر عندما تم إسقاط نظام منجستو هايلي مريام.

فطوال 24 عامًا، منذ الإطاحة بالنظام الشيوعي ظلت أقلية التجراي متحكمة في السلطة في إثيوبيا بشكل مباشر طوال عهد ميليس زيناوي وبشكل غير مباشر في عهد خليفته ديلسين وقد تسببت هيمنة أقلية التجراي على السلطة في اكتسابهم لعداوة كل المكونات الإثيوبية، خصوصًا المكون الذي يعتبر نفسه أكثرية وهم الأورمو، الذين ينتمي إليهم رئيس الوزراء الحالي.

لذلك هذا الصمت من أطياف المعارضة الإثيوبية هو مزيج من الرضا والتواطؤ تجاه الضربات التي يوجهها أبي أحمد لوجود التجراي في مؤسسات الدولة الإثيوبية. لكن استمرار ضغوط أبي أحمد على التجراي قد تدفعهم للبحث عن تحالف للإطاحة بأبي أحمد وإلى فتح حوار مع بقية الأقليات الإثيوبية الخائفة من استئثار الأورومو بالسيطرة، مثل الأمهرا والأوغادين وبني شنقول وشعوب الجنوب.

اقرأ أيضًا: ما هي حركة بني شنقول؟

ولو لم ينفع هذا الحل سيضطر التجراي إلى حماية أنفسهم بتفعيل مادة في دستور البلاد تنص على حق تقرير المصير لأي إقليم يطلبه، وهو خيار شمشون الذي سيحول إثيوبيا إلى يوغسلافيا أفريقيا بسبب أن هناك أقاليم أخرى قد ترغب في هذا الحق، وخصوصـًا إقليم الصومال الإثيوبي الشهير باسم أوغادين والذي تتحدث تقارير إعلامية صومالية عن احتكاكات مستمرة بين الصوماليين الأوغادينيين والأورومو فضلًا عن أن هناك ميليشيات صومالية تورطت مع النظام السابق في قمع ثورة الأورومو مما يعزز رغبة الأورومو بالانتقام.