هل يسيطر اليمين المتطرف على أوروبا من جديد؟
تعتبر أحزاب اليمين المتطرف المعادية للمهاجرين، والمسلمين بشكل خاص، أكبر المستفيدين جراء التفجيرات الفرنسية الأخيرة التي أطلق عليها (11 سبتمبر فرنسا) وأدت إلى مقتل 128 على الأقل، وما تبعها من رفع حالة الطوارئ وإيقاف استقبال الأفراد الغير مسجلين بالاتحاد الأوروبي وإعلان الرئيس الفرنسي هولاند مسئولية داعش عن سلسلة التفجيرات الأخيرة على إثر فيديو تهديدي من قبل داعش عن عاقبة التدخلات الفرنسية في سوريا قبل تلك الأحداث. تقوم برامج تلك الأحزاب على ضرورة الحد من الهجرة والعداء الصريح للمهاجرين، وأكبر الخاسرين جراء ذلك بالتالي هم المهاجرون واللاجئون، وبخاصة العرب.
لكن هذا الحدث لم يكن وحده السبب في شعبية اليمين المتطرف بل سبقه ظهور لتلك الأحزاب على الساحة الأوروبية؛ لذا يستحق التساؤل عن ما هو اليمين المتطرف وبداية ظهوره وأسباب تصاعد ظهوره في الفترة الأخيرة في أوروبا، أن يطرح. كما ينبغي أن نقارن، وأن نكشف مدى تشابه أو اختلاف، بين ذلك الصعود وبين صعود الفاشية والنازية في أوروبا في حقبة ما بين الحربين، وأن نتعرف على أهم الأحزاب التي تنتمي لليمين المتطرف في أوروبا. وفى ضوء تلك التغطية، نحدد احتمالات تأثير تلك الأحداث على تمثيل تلك الأحزاب في الحكومات الأوروبية القادمة.
ما هو اليمين المتطرف؟
اليمين المتطرف هو الوصف الذي يطلق على العديد من الأحزاب في القارة الأوروبية التي، وإن اختلفت في بعض الآراء تجاه القضايا الأوروبية الداخلية، تجتمع على اتجاه موحد أساسي هو العداء للمهاجرين والسعي للحد من الهجرة، حيث يجمعون على أن هؤلاء المهاجرين يهددون القومية الأوروبية (عبر السعي لأوروبا مسلمة مما يهدد القومية الأوروبية القائمة على العلمانية وفصل الدين عن الدولة) ويسيئون استغلال مزايا دولة الرفاهة (كبرامج الإعانة وغيره). كما ترى تلك الأحزاب أن المهاجرين هم السبب الرئيسي لانتشار الجريمة وارتفاع معدلات البطالة في أوروبا.
علاوة على ذلك، تتسم تلك الأحزاب التي تشكل ما يسمى باليمين المتطرف بمجموعة من الخصائص التي تشكل نسقا متميزيا، فأغلبها ينطوي على عداء للاندماج الأوروبي، ولسياسات الديمقراطية الاجتماعية الميالة لليسار، كما تدعو تلك الأحزاب إلى تقليص الضرائب، وتشديد عقوبات الجرائم، وعدم الاكتراث بالقضايا البيئية.
أحزاب اليمين المتطرف
(1) حزب الجبهة الوطنية الفرنسي:
بقيادة مارين لوبان ابنة مؤسس الحزب جان ماري لو بان. تأسس الحزب في عام 1972، وقد تصدر مؤخرا التمثيل الفرنسي فى البرلمان الأوروبى بنسبة 25% من المقاعد متفوقا على الحزب الاشتراكي الحاكم. كما تصدر الحزب للانتخابات المحلية الفرنسية بنسبة 25%. حصلت كذلك لو بان في استطلاع رأى حول نسب فوزها بالانتخابات الفرنسية عام 2017 على نسبة تأييد تصل 30%.
وتعتبر مارين زعيمة التكتل اليميني المتطرف في البرلمان الأوروبي والتي صرحت صراحة بعدائها للمهاجرين ودعوتها أن يعودوا على نفس السفن التي جاءوا بها.
(2) حزب من أجل الحرية الهولندي:
حزب أسسه اليميني المتطرف جيرت فيلدرز عام 2006، وهو واحد من أبرز قيادات اليمين في أوروبا، وهو منتج فيلم «فتنة» المسيء للإسلام. حصل الحزب في الانتخابات الهولندية 2010 على المركز الثالث بـ 24 مقعد من أصل 150. كما حصل الحزب على 5 مقاعد في البرلمان الأوروبي، حيث يشكل فيلدرز مع لو بان حلفا يمينيا قويا.
(3) أحزاب اليمين الألمانية:
برزت في ألمانيا مؤخرا أحزاب يمينية كـالحزب الوطني الديمقراطي الذي يتمتع بنفوذ واسع في الولايات الشرقية الألمانية، وهى الولايات الأقرب لتدفق المهاجرين السوريين. وكذلك حزب البديل من أجل ألمانيا، وهو حزب يميني عنصري تأسس عام 2013، وحصل بعده بعام واحد على 7 مقاعد في البرلمان الأوروبي. كذلك برزت حركة بيجيدا وهو اختصار لـ «أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب» التي تقوم بالعديد من المظاهرات المعادية للمهاجرين واللاجئين. بالإضافة لتصاعد أعمال العنف مؤخرا ضد المهاجرين وبخاصة اللاجئين بنسبة 3 أضعاف عن السابق بعد موجة تدفق المهاجرين الأخيرة.
(4) حزب الاستقلال البريطاني:
تأسس حزب الاستقلال المعروف بـ «يوكيب» في بريطانيا عام 1993 كحزب مناهض للاتحاد الأوروبي. وفي عام 2014 حظي الحزب بأول مقعد له في البرلمان الإنجليزي منذ تأسيسه. كما تصدر الحزب بزعامة نايجل فاراج انتخابات البرلمان الأوروبي في بريطانيا بنسبة 27,5% من الأصوات متفوقا على الحزب الحاكم وحزب العمال المعارض.
هناك أيضا أحزاب: الفجر الذهبي في اليونان، وحزب الحرية النمساوي، وحزب أتاكا في بلغاريا، وحركة يوبيك في المجر، وحزب اليمين الجديد في بولندا.
أسباب صعود اليمين المتطرف
من الناحية السياسية
كان صعود الأحاب اليميني متوقعا نتيجة الفراغ الأيدولوجي بعد انتهاء الحرب الباردة وتأكيد تلك الأحزاب على الخصوصية القومية الأوروبية. كذلك لأن تلك الأحزاب تمثل الاتجاه الراديكالي الذي يستجيب لسخط المواطنين الأوروبين من فساد وعجز الحكومات عن مواجهة مشاكل البطالة وتراخيها في مواجهة الهجرة غير الشرعية، وهو ما أدى إلى كسبها الأصوانت نتيجة التصويت العقابي.
من الناحية الاقتصادية
ساهم فشل الحكومات في حل أزمة اليورو عام 2008 التي أدت إلى اتباع سياسات التقشف الاقتصادي وتراجع الدولة عن تمويل برامج الخدمات الحكومية وبخاصة في مجالي الصحة والتعليم، وتسريح العديد من العاملين فى الجهات الحكومية، وهذا مع استمرار انخفاض النمو لنسبة تصل لـ 1.1 إلى 1.5% على الأكثر، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة التي وصلت لـ 11% في الاتحاد الاوروبى، تزايدت تلك النسبة حتى وصلت إلى 26% في اليونان و24% فى أسبانيا أكثر المناطق المتضررة اقتصاديا منذ أزمة اليورو في أوروبا، بالإضافة إلى التساهل في حقوق العمالة فيما يخص التسريح والرواتب لمحاولة جذب الاستثمارات، ومع تزايد موجة المهاجرون من الشمال الأفريقي بسبب موجات ثورات الربيع العربي وزيادة تدفق اللاجئين الذين عمقوا مشاكل البطالة، وكذلك ما يكلفه اللاجئ الدولة كإقامته وما تكلفه تلك الإقامة من مصاريف يومية، و المصاريف على التعليم والصحة وغير،ه بالإضافة لتكاليفهم الأقل كعمال بدلاء عن العمال الأوروبين.
من الناحية الثقافية الحضارية
يرجح أن ذلك هو العامل الأهم في تصاعد شعبية أحزاب اليمين المتطرف حيث تستخدم تلك الأحزاب مفاهيم مثل أسلمة أوروبا كفزاعة وخطر محدق بأوروبا وخصوصيتها الثقافية والعرقية التي يهددها الإسلام بوصفه دينا «بربريا» يتسم بالعداء للمرأة وكونه منبعا للفكر المتطرف المعادي للثقافة الأوروبية العلمانية. يأتي ذلك مواكبا لتزايد الإسلاموفوبيا في أوروبا عن نظيرتها الولايات المتحدة على الرغم من أحداث 11/ 9، إلا أن تلك الأحداث أيضا كانت نقطة البداية لتلك الأحزاب اليمينية للتأكيد على الخطر الاسلامى على أوروبا. كما يرجع تزايد تلك الظاهرة في أوروبا عن الولايات المتحدة إلى العداء التاريخي بين الدول الاستعمارية قديما كبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا مع الدول العربية والأفريقية، وكذلك العداء للدين الاسلامي المتجذر منذ الحروب الصليبية.
تلعب العلمانية كأساس للقومية أوروبية المنشأ دورا في توطيد العداء التاريخي بوصفها نموذجا معاديا في نظر الكثيرين للدين الاسلامى.
ينتمي المهاجرون المسلمون في أغلبهم للطبقات الدنيا الفقيرة وقليلة التعليم مما أضعف تمثيلهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي في النظم الأوروبية عكس الولايات المتحدة التي يعتبر أغلب المهاجرين لها من المسلمين على درجة عالية من التعليم. يعتبر الدين الاسلامى كذلك هو الأسرع انتشارا في أوروبا على الرغم من أن عدد المهاجرين لا يتجاوز 5% من السكان؛ لذا فجذور العداء مابين اليمينين والمهاجرين تعتبر نتيجة العديد من التراكمات رسختها العديد من الأعمال المتطرفة لبعض المهاجرين كما رأينا في أحداث فرنسا الأخيرة. كل ذلك رسخ القاعدة التي ينطلق منها اليمين المتطرف لكسب قاعدة جماهيرية له بتصور أن الإسلام ومتبعيه هم التهديد الأساسى لقيم أوروبا الثقافية والقومية.
اليمين المتطرف وتراث الفاشية في أوروبا
عند وصول تلك الأحزاب للحكم فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، اتسم حكمها بالسيطرة المطلقة للدولة وتزايد النعرة القومية وتزايد العداء بين القوميات والإثنيات في أوروبا. وان اختلفت بعض أسباب وصول الفاشية في إيطاليا في عام 1922 عن النازية في ألمانيا التي وصلت للحكم عام 1933، إلا أن السبب المشترك بينهما هو الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعرضت لها إيطاليا بسبب الدخول في الحرب العالمية الأولى، وألمانيا بسبب التعويضات الكبيرة التي أصبحت مطالبة بها بعد الحرب العالمية الأولى، واستيلاء فرنسا على إقليم الرور الالمانى الغني بالموارد؛ بالإضافة للأزمة الاقتصادية العالمية (1929-1933) التي رسخت الحاجة لوجود أحزاب قوية قادرة على القيام بنهوض اقتصادي.
أما من الناحية السياسية، فقد أدى غياب الاستقرار السياسي في إيطاليا بسبب نظام التمثيل النسبي وعدم وجود أحزاب قوية إلى حكومات ائتلافية ضعيفة. أما على الجانب الألماني، فإن الدافع لانتخاب الحزب النازي هو الحاجة لحزب قوي أيا كان توجهه يقضي على معاهدتي العار بالنسبة للألمان «فرساي» و«سان جرمان» وقامت سياسة الحزب النازي على فكرة سيادة العنصر الآري، كما أكد الحزب الفاشي على عظمة إيطاليا.
التدهور الاقتصادي إذن كان سياقا مناسبا لصعود تلك الأحزاب، وهو الحاصل اليوم في العديد من البلدان الأوروبية مع انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وضعف الأحزاب الحاكمة، إلى جانب مشكلات التعدد الثقافي وأعباء اللجوء، مما يعني أننا قد نكون على موعد مع عصر جديد من عصور اليمين المتطرف.