هل زال الاستعمار عن أفريقيا أم تغيرت الوجوه؟
أفريقيا بوابة الغرب لاستعادة الهيمنة
لطالما نُظر إلى أفريقيا على أنها مملوكة حصرًا لأوروبا، وتحديدًا فرنسا، حيث اقتسمت إنجلترا وفرنسا في مؤتمر برلين 1884- 1885 المستعمرات الأفريقية في إطار موجة التكالب الثانية على أفريقيا، بعدما وجدا في استغلال الثروات بديلًا مناسبًا لاستخدام العبيد وتهجيرهم لتنمية القارة العجوز منذ بدايات القرن السابع عشر.فرنسا التي رفعت شعار«إذا أردت ألا تصاب بضربة شمس فعليك أن تبقى في الظل» هي القوة التقليدية التي تفننت في إخضاع أفريقيا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، فتآمرت وانقلبت واغتالت وتدخلت عسكريًا لتثبت وجودها.تاريخيًا أمدت شركة إلف المتمردين في بيافرا بالأسلحة لإذكاء الحرب الأهلية فيها (1967-1970)، ويبرز دورها في استمرار تدهور الأوضاع في مالي جراء انخراطها النشط في أزمة الأزواد.
اقرأ أيضًا: الأفارقة: شردتهم فرنسا وجلبوا لها كأس العالم
وعلى الرغم من أهمية الدور الذي لعبته فرنسا في أفريقيا فإنه أخذ في الخفوت، فلم تعد معطيات الحرب الباردة بين الشيوعية والرأسمالية قائمة، ولم يعُد للغرب حاجة لأن تكون فرنسا شرطية في أفريقيا.حاولت القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تثبيت أقدامها في أفريقيا من خلال كسب التحالفات وإنشاء القواعد العسكرية، لتنشئ مؤخرًا أفريكوم كآلية لمحاربة الإرهاب في أفريقيا 2007، ومعها اشتدت المنافسة الغربية على أفريقيا بين القوى التقليدية (فرنسا – إنجلترا – بلجيكا – البرتغال – إيطاليا) والولايات المتحدة الأمريكية التي لا ترغب فقط في تأمين تدفق النفط إليها والبحث عنه، بل استقرار أسعاره وتأمين طرق وصوله وحمايته من الأخطار ومنع وصول القوى المنافسة إليه، لتتفرد بذلك التصور عن القوى الأخرى المتنافسة حول النفط الأفريقي.اجتهدت الدول الغربية في الرجوع إلى أفريقيا بعدما نما الدور الآسيوي فيها، وإعادة الترويج لبضاعتها مرة أخرى باعتبارهم خبراء القارة، وأن من سواهم مستعمر جديد، في محاولة لتجديد الهيمنة على العالم والقارة الأفريقية معه، وصد التمدد الصيني في أفريقيا، غير أن الصورة السلبية لأوروبا المستعمرة صاحبة المشروطيات السياسية ظلت في الذاكرة الأفريقية الشعبية والرسمية، ووقفت عائقًا أمام هذه المهمة.
الفيلة الجدد
مثل أفريقي ربما لا يعلم قائله أن القارة ستعيشه ليل نهار، ها هم الفيلة الجدد بقيمهم الآسيوية وطموحاتهم الواسعة يغزون القارة، لكن هذه المرة بأدوات القوة الناعمة من خلال المعاهد، والمساعدات الإنسانية غير المشروطة سياسيًا، والتدريب ونقل الخبرات، مبشرِّين بقوة نموذجهم – الصيني أو الهندي أو الياباني – في التنمية، فاتحين بذلك ساحة جديدة للصراع الآسيوي في أفريقيا.
اقرأ أيضًا: غزو المآذن: العثانية الجديدة تتمدد بالمساجد
وعلى الرغم من اختلاف المدخل التي توددت به كل دولة منهم للقارة، فإن تدخلهم لم يزد الصراع على أفريقيا إلا اشتعالًا. فالصين اتخذت من الاقتصاد سلاحها الناعم لاختراق أفريقيا، ورأت الهند في تراثها الثقافي والحضاري والتاريخي فرصة ممتازة للولوج إلى القارة من بوابتها الرئيسية، في حين انطلقت اليابان من نموذجها المثالي في التحديث على النمط الغربي مع الحفاظ على القيم الوطنية وسيلة لإظهار نفسها كقوة فاعلة.أوجد نقل الصراع الآسيوي من سياقه الجغرافي إلى سياقه الاقتصادي السياسي في أفريقيا مزيدًا من الصراعات في القارة المكتظة أصلًا بمشاكلها، وفتح آفاقًا للصراع بين الفيلة الجدد (القوى الآسيوية) بعضهم البعض وفيلة العهد القديم.
القوى الطامحة في الزعامة وأفريقيا
الرئيس السوداني «عمر البشير» (يمين)، والرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»
لم تفوِّت القوى المتوسطة في النظام الدولي الفرصة للتنافس على ثروات أفريقيا، واتخذت لأجل هذا المسعى مدخل الفيلة الآسيوية معتمدةً على القوى الناعمة، غير أنها هذه المرة أكثر تقنعًا بدوافع أيديولوجية أو دينية نبيلة. فهذه تركيا جاءت «لا من أجل الذهب لكن لتضمد الجراح» على حد قول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، محاربةً في الوقت نفسه جماعة فتح الله كولن التي نجحت في إقامة المدارس والجمعيات الخيرية على نطاق واسع في أفريقيا، ومقحمة صراعها التاريخي مع اليونان بشأن أزمة قبرص في علاقتها مع أفريقيا، حيث كانت ليبيا محطة رئيسية لدعم تركيا في ذلك. و تحت شعار «البرازيل دولة أفريقية»، بحثت البرازيل عن موضع قدم لنفسها من خيرات أفريقيا مستفيدة من ميراث مواطنيها المنحدرين أصلًا من أفريقيا، أما السعودية فوجدت في مناصرة السنة وتقديم المساعدات لهم مدخلًا مثاليًا للحد من التمدد الشيعي فيأفريقيا والبحث عن أنصار جدد لقضاياها الإقليمية والدولية فضلًا عن ترميم صورتها كقائد للعالم الإسلامي.