هل تبتز السعودية السلطة الفلسطينية بسلاح قطع التمويل؟
منذ 31 مارس/آذار 2016 قطعت المملكة العربية السعودية مساعداتها المالية عن السلطة الفلسطينية والبالغة قيمتها 140 مليون دولار بمعدل 20 مليون دولار شهريًا.
على وقع هذا الخبر، وبعد صمت ما يزيد عن سبعة أشهر، كشف «فريد غنَّام» مدير دائرة الميزانية في وزارة المالية الفلسطينية أن المملكة العربية السعودية لم تف بالتزاماتها المالية لدعم السلطة الفلسطينية.
فيما الأخيرة لم تنبس ببنت شفة، متجاهلة الرد والإيضاح عبر بيان رسمي من شأنه أن يُهدئ روع الفلسطينيين الذين سيضطرون وحكومتهم إلى الاستمرار في التقشف خاصة في ظل التراجع المستمر للدعم المالي الخارجي لموازنة السلطة الفلسطينية والذي بلغ بحسب آخر تقرير نُشر لصندوق النقد الدولي حوالي 71% على مدار ثمانِ سنواتٍ ماضية.
فيقول «راغنر غودمندسون» ممثل الصندوق الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة: «إن الدعم الخارجي لفلسطين تراجع من نحو 2.7 مليار دولار عام 2008 إلى 800 مليون دولار خلال العام الحالي».
السعودية تقطع يد المساعدة
صُدم الشارع الفلسطيني بتخلي المملكة العربية السعودية عن دورها في مساندة السلطة الفلسطينية، ذلك الدور الذي التزمته منذ نشأت القضية الفلسطينية حتى إبريل/نيسان 2016، حيث تراجع هذا الدور دون إبداء أسباب واضحة أو إصدار بيان رسمي بشأن وقف التمويل.
لا يُنكر أحد أن الدعم السعودي كان رديفا للعمل الإنساني والإغاثي والتنموي في فلسطين، وبحسب ما نُشر على موقع وزارة الخارجية السعودية فإن الدعم المالي للسلطة الفلسطينية لم يكن «منَّة» بل مسئولية وطنية وواجب تجاه القضية الفلسطينية، التي تُعد أهم قضايا الأمة العربية والإسلامية.
وتُشير الأرقام إلى أن حجم الدعم الذي تلقاه الفلسطينيون خلال عشر سنوات منذ بدء القضية الفلسطينية عام 1979 وحتى 1989 بلغ (1,097,300,000) مليار وسبعة وتسعين مليونًا وثلاثمائة ألف دولار سنويًا، بالإضافة إلى 300 مليون دولار في الفترة بين 1994 و1999 خصصتها لقطاعات التعليم والصحة والإسكان، ناهيك عن الإعفاءات الجمركية للسلع والمنتجات الفلسطينية.
ومنذ العام 2002 بدأت المملكة السعودية تُساهم في دعم ميزانية السلطة الفلسطينية واستطاعت خلال الفترة 2002-2004 أن تفي بتعهداتها المالية والبالغة 184.8 مليون دولار؛ منها 46.2 مليون دولار تم دفعها على مدار ستة أشهر ابتداءً من 1 إبريل/نيسان 2004 وحتى نهاية سبتمبر/أيلول من ذات العام.
كما اهتمت المملكة بتقديم خدمات مختلفة للاجئين الفلسطينيين سواء بطريقة مباشرة أو عبر الوكالات والمنظمات الدولية التي ترعى شئون اللاجئين كـ الأونروا، أو منظمة اليونسكو، أو الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي أو البنك الدولي والبنك الإسلامي.
وتُشير المعلومات المذكورة على الموقع أن المملكة سعت أيضًا في إطار دعمها المادي للقضية الفلسطينية إلى إنشاء صندوق باسم «الأقصى» برأس مال قدره 800 مليون دولار أودعت منهم فيه 200 مليون دولار، وصندوق آخر باسم «انتفاضة الأقصى» برأس مال 200 مليون دولار ساهمت هي فيه بـ 50 مليون دولار.
وتُثير هذه المبالغ المالية التي رصدتها طوعًا المملكة العربية السعودية لخدمة القضية الفلسطينية، تساؤلا كبيرا حاليًا هو: لماذا بعد كل هذا العطاء يتوقف المد المالي؟، لماذا الآن وفي وقت تُعاني فيه السلطة الفلسطينية من أزمات متفاقمة؟!
أول أسبابها الاحتلال، وثانيها تراجع الدول المانحة عن الوفاء بالتزاماتهم المالية تحت ذريعة العاصفة الاقتصادية والحروب الطاحنة التي يمر بها العالم. ولعل ما يزيد الشكوك فيما وراء هذا التوقف المفاجئ حالة التكتم والصمت الطويل التي احترفها الطرفان الفلسطيني والسعودي في آن واحد، حتى طفح كيل المتضرر وأدلى بإعلانه المشئوم علّه يحظى بتفسير على المستوى الرسمي، لكن دون جدوى.
الرؤية الفلسطينية لوقف المال السعودي
بين الضغوط السياسية المترتبة على حالة التوتر الأخيرة بين الرياض والسلطة الفلسطينية، إضافة إلى رغبة الرباعية العربية (السعودية، الإمارات، مصر والأردن) في إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وإجراء مصالحات على عدة مستويات بدايةً بتوحيد حركة فتح وإعادة المفصولين إليها وعلى رأسهم محمد دحلان، مرورًا بمحاولة إنجاز المصالحة الفلسطينية الكبرى بين فتح وحماس، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، وليس انتهاءً برغبتها في تحريك ملف المفاوضات مع الإسرائيليين على قاعدة المبادرة العربية دون أي تعديل.
ومن جهة أخرى، تلوح في الأفق العاصفة الاقتصادية التي تضرب المملكة بسبب تذبذب أسعار النفط، وخطتها لتحسين اقتصادها وفق الرؤية الشمولية لعام 2030.
هكذا حاول الفلسطينيون طرح سيناريوهات متعددة حول سلوك المملكة المُفاجئ بقطع الإمدادات المالية للسلطة في وقتٍ تعاني فيه الأخيرة من أزمات متلاحقة قادتها إلى إعلان حالة التقشف منذ زمن.
أما عن الأسباب ذات الخلفية السياسية فيؤكدها الموقف الرسمي للسلطة الفلسطينية، التي رفضت التدخلات العربية في الشأن الفلسطيني، إذ قال الرئيس محمود عباس عبر فيديو بثه التلفزيون الرسمي: «كفى الامتدادات من هنا أو هناك، من له خيوط من هنا أو هناك فليقطعها وإن لم يفعل نحن سنقطعها»، لافتًا أن العلاقات الفلسطينية مع دول العالم مبنية على الاحترام فلا تُملي على أحد موقفًا ولا تسمح لأحد أن يُملي عليها موقفًا. وتابع بالقول: «نحن أصحاب القرار، نحن الذين نقرر، نحن الذين ننفذ ولا سلطة لأحد علينا، اتركونا من العواصم وفلوسها وتأثيرها نريد أن نعمل كفلسطينيين، فهل نستطيع ذلك؟».
وتأكد هذا الرفض تاليًا على لسان «عزام الأحمد» عضو اللجنة المركزية لحركة فتح بالقول: «نرفض محاولات الفرض والاستكبار»، ردًا على التدخلات العربية من الرباعية بالضغط على الرئيس عباس بإعادة محمد دحلان، وهو الذي صدر قرار الفصل بحقه في مايو 2011 على خلفيات مالية وسياسية، واستكمل: «نقبل النصيحة النزيهة من كل الأشقاء وخاصة دول الطوق، أما محاولات الفرض والاستقواء مرفوضة».
أمّا الموقف السعودي، فقد عبّر عنه «أنور عشقي» المستشار السابق للمملكة مؤكدًا أن السعودية ملكًا وشعبًا تدعم بقوة القضية الفلسطينية في مختلف القطاعات الإنسانية والسياسية، ولا سيما الاقتصادية بتخصيصها مبلغ 20 مليون دولار شهريًا لدعم موازنتها رغم الضائقة الاقتصادية التي تُعانيها بلده، ونفى أن يكون وقف المال السعودي من أجل الضغط على الرئيس محمود عباس للمصالحة مع محمد دحلان المفصول من حركة فتح ليكون خلفًا له.
حيث قال: «السعودية لا تقبل أن تفرض على الفلسطينيين ما لا يريدونه، كما أنها لا تحبذ التفكك وتسعى لجمع الفرقاء الفلسطينيين»، وتابع أن أمر خلافة الرئيس عباس يبقى خاصا بالفلسطينيين وحدهم لا يُمكن التدخل فيه على المستوى العربي، وأنه في حال خلو منصب الرئيس فإن المجلس التشريعي هو من يُنصّب رئيسًا جديدًا يتوافق عليه الفلسطينيون، بعيدًا عن عمليات التسويق التي تُجريها بعض الدول العربية للقيادي دحلان الذي برأيه قطع جسور التواصل بالتعرض والتهجم بشكل سافر على الرئيس الفلسطيني محمود عباس عبر شاشات التلفزة والوسائل الإعلامية المختلفة، مشددًا على وجود العديد من القيادات الفلسطينية القادرة على ملء الفراغ السياسي إذا ما تخلى عباس عن قيادة السلطة الفلسطينية.
عصا المال لن تؤثر كثيرًا على الموازنة
حدثنا نصر عبد الكريم، الخبير في الشأن الاقتصادي، أن الأموال التي تُقدمها الدول العربية والأوروبية على سبيل المساعدات لدعم موازنة الحكومة، غالبًا ما ترتبط بموقف سياسي، وبيّن أن التوتر الأخير بين الرياض والقيادة الفلسطينية قد يكون سببًا في قطع السعودية مساعداتها عن الفلسطينيين، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية التي لاحت في أفق المملكة في السنوات الأخيرة والتي قادتها – وفق تقديره – إلى إعلان خطة تقشفية واقتراض قرابة 17.5 مليار دولار من الأسواق العالمية.
ونفى عبد الكريم لـ «إضاءات» أن يؤثر القطع المالي من قبل السعودية على إرباك موازنة السلطة في الوقت الحالي، مؤكدًا أن الأخيرة باتت تعتمد على تمويلها الذاتي للموازنة، وأن حجم المساعدات الدولية يُمثل فقط الثلث، بينما البقية توفره من الإيرادات الداخلية وتحويل إسرائيل للعوائد الضريبية لخزينتها، والتي تتجاوز 2 مليار دولار سنويًا، وتابع: «أن التأثير قد يكون كبيرًا ومُعجزًا في حال تزامن القطع المالي من الدول المانحة مع وقف إسرائيل تحويل العائدات الضريبية».
فيما اعتبر «بسّام الأغا» السفير الفلسطيني لدى السعودية، الإجراء مجرد تغير أو تأجيل مؤقت، مُتوقِعًا أن يتم صرف المال دفعة واحدة فيما بعد، وشدد خلال حديثه لإذاعة صوت فلسطين اليوم الرسمية على متانة وعمق العلاقات السعودية الفلسطينية، واستمرار الأخيرة في تحويل الأموال بشكل منتظم على مر سنوات طويلة منذ العام 2013، والتي رفعت فيه مساهمتها في دعم موازنة السلطة من 14 مليون دولار إلى 20 مليون دولار شهريًا.
اتجاه السلطة نحو التقشف
تاريخيًا عرف الفلسطينيون أن أي مال يُقدم لهم لا بد أن يكون بثمن غالبًا ما يكون سياسيا يسمح لأي طرف أن يكون له الدور الأبرز في القضية الفلسطينية التي عُدت أهم قضايا الأمة، وعرفوا أيضًا أن أي خروج عن الخط السياسي الذي ترسمه الدولة الداعمة لا بد وأن يُغلق صنبور الدعم، وهو ما حدث واقعًا في العام 1990 حين قررت دول الخليج العربي، وبعد المواقف الداعمة للرئيس الراحل ياسر عرفات لنظيره العراقي إبان غزوه للكويت، وقتها لم تُفكر تلك الدول كثيرًا في وقف تمويل منظمة التحرير الفلسطينية إضافة إلى إعمالها أساليب الطرد والتسريح للفلسطينيين العاملين هناك.
وبحسب بيانات صادرة عن الحكومة التي يرأسها رامي الحمد الله، فإن العام 2015 شهد تراجعًا حادًا في المساعدات والمنح الخارجية المقدمة للسلطة الفلسطينية، ولم تحصل السلطة إلا على نصف المساعدات فقط والبالغة 685 مليون دولار من أصل 1.2 مليار دولار.
ودعت تلك التقليصات الحكومة الفلسطينية إلى اتخاذ عدة إجراءات تقشفية وعمليات ترشيد استهلاك من أجل مواجهة الأزمة، وضمنتها موازنة عام 2016 والتي قُدرت بـ 4.251 مليار دولار، توفر منها 2.869 مليار من إجمالي إيرادات السلطة سواء الإيرادات الداخلية أو إيرادات المقاصة الفلسطينية، لكن لم يمنع ذلك استمرار العجز نتيجة تراجع قيمة المساعدات والمنح للسلطة الفلسطينية تحت ذريعة دعم الإرهاب.
حيث قُدر إجمالي المنح والمساعدات الخارجية التي تلقتها الحكومة 267.6 مليون دولار أمريكي من يناير حتى مايو 2016، مقارنة بـ 417.6 مليون دولار في الفترة المناظرة من 2015 – وفق بيانات وزارة المالية الفلسطينية – وهو ما أكده «رياض المالكي» وزير الخارجية الفلسطيني أن الدعم الخارجي للسلطة تراجع خلال العام الحالي 2016 بنسبة 70% مقارنة بالعامين السابقين 2014 و2015، لافتًا أن التراجع المستمر يُحتم على السلطة بدء البحث عن بدائل عربية من شأنها أن تُنجيها من واقع الأزمة الذي تمر به.
وكان مجلس الجامعة العربية اتخذ عدة قرارات بشأن فلسطين أهمها قرار إنشاء شبكة أمان عربية بقيمة 100 مليون دولار شهريًا، تُحوّل للسلطة بالإضافة إلى قرارات بدعم صندوقي «الأقصى» و«الانتفاضة»، غير أن أي من هذه القرارات لم يصل إلى مرحلة التنفيذ تمامًا كغيرها من القرارات السياسية التي تتعلق بالاستيطان وتهويد المدينة المقدسة.
- محمد الرجوب، "مسئول فلسطيني ينفي توقف الدعم المالي السعودي"، موقع العربي الجديد، 31 أكتوبر 2016.
- أحمد جلال، "عشقي: الفلسطينيون وحدهم من يختارون رئيسهم ودول عربية تسوق لدحلان"، صحيفة دنيا الوطن، 29 أكتوبر2016.
- "عباس يحذر من تدخل عواصم لم يسمها بالشأن الفلسطيني"، صحيفة القدس العربي، 4 سبتمبر 2016.
- رضوان قطناني، "السعودية توقف معوناتها للسلطة الفلسطينية 7 أشهر.. لماذا؟"، موقع عربي 21، 31 أكتوبر 2016.
- "السياسة الخارجية للمملكة تجاه القضية الفلسطينية"، موقع وزارة الخارجية السعودية.
- "الفلسطينيون تلقوا نصف المساعدات الموعودة في 2015"، موقع الجزيرة نت، 17 فبراير 2016.
- "المالكي: تراجع الدعم الخارجي للسلطة بنسبة 70%"، وكالة فلسطين اليوم، 9 سبتمبر 2016.