البرلمان الإيراني: المؤسسة تحسم الانتخابات قبل بدايتها؟
تأتي الانتخابات البرلمانية الحادية عشرة، المقرر إجراؤها غدًا 21 فبراير/ شباط المقبل، وسط الكثير من الأحداث الدرامية التي شهدتها الجمهورية الإيرانية الإسلامية، وتعتبر أول تصويت بعد احتجاجات واسعة النطاق شهدتها البلاد منذ نهاية العام الماضى.
في الأسابيع القليلة الماضية احتدم الجدال حول ماهية البرلمان المستقبلي، بعد أن منع مجلس صيانة الدستور المئات من السياسيين من التأهيل للترشيح للانتخابات البرلمانية، أغلبهم وإن لم يكن جميعهم من الإصلاحيين والمعتدلين.
مجلس صيانة الدستور هذا عبارة عن هيئة مكونة من 12 عضواً، ستة منهم من رجال الدين يعينهم المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي مباشرة، والستة الآخرون من الفقهاء الدستوريين يقترحهم القضاء، ويصوت البرلمان على اختيارهم.
يتمتع مجلس صيانة الدستور الموالي للتيار المحافظ، بصلاحيات كبيرة وغامضة فى نفس الوقت، فهو الجهة التي لها الكلمة الأخيرة في تأهيل المرشحين لأي منصب منتخب مثل الانتخابات البرلمانية، الرئاسية، ومجلس قيادة الخبراء (الجهة المكلفة باختيار القائد الأعلى، والإشراف على عمله، ويحق لها عزله أيضًا). بشكل مبسط أكثر، مجلس صيانة الدستور، هو المؤسسة التي تتحكم في مستقبل الديمقراطية في إيران.
من يحق له الترشح للبرلمان؟
دستوريًا، الترشح للبرلمان متاح أمام جميع الإيرانيين، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 30 و75 عاماً، والحاصلين على شهادة جامعية عليا.
هناك بعض الشروط الأخرى التي يتم التدقيق فيها من قبل وزارة الداخلية، والتي ترفع تقاريرها إلى مجلس صيانة الدستور لإعلان تأهيل المرشحين من عدمه، حيث تتحرى وزارة الداخلية عن كل صغيرة وكبيرة تخص المرشح المحتمل، فيجب أن يكون مؤمناً بالدين الإسلامي، ومبدأ الولي الفقيه، وملتزماً بالمبادئ الثورية للجمهورية الإيرانية.
مؤخراً، استبعد مجلس صيانة الدستور نحو 9 آلاف مرشح من أصل 14 ألفاً ممن سجلوا أسماءهم للترشح لخوض الانتخابات، بما في ذلك 90 نائباً حالياً، أرادوا خوض الانتخابات لفترة ولاية ثانية.
قال ناشط سياسي إصلاحي، رفض الكشف عن هويته لاعتبارات أمنية، قال لـ«إضاءات»: «أستبعد مجلس صيانة الدستور نحو 90 في المائة من المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين».
وصل الأمر إلى استبعاد مجلس صيانة الدستور لسياسيين إصلاحيين ومعتدلين بارزين، فتم استبعاد النائب البرلماني الحالي علي مطهري، وهو سياسي معتدل له تاريخ طويل في المجال السياسي، وكان عضواً في البرلمان منذ عام 2008، بجانب أنه ينتمي إلى عائلة سياسية بارزة، فوالده آية الله مطهري، الذي كان من كبار رجال السياسية منذ تأسيس الجمهورية بعد الثورة الإسلامية عام 1979.
روحاني: هذه ليست انتخابات
عملية الإقصاء على نطاق واسع التي نفذها مجلس صيانة الدستور، أدت إلى انتقاد الرئيس الإيراني حسن روحاني للمجلس، قائلا: «هذه ليست انتخابات، وهذا ليس تنوعاً، الناس تريد التنوع». زاد روحاني من حدة انتقاده لمجلس صيانة الدستور، ففي اجتماع لرئاسة الوزراء، تم بثه على التلفزيون الحكومي قال: «إن البلاد لا يمكن أن يحكمها فصيل سياسي واحد بمفرده».
لم يقف مجلس صيانة الدستور صامتاً أمام انتقادات الرئيس روحاني، فسارع المتحدث باسم المجلس، عباس علي كدخدايي، قائلاً: «الإصرار على دعم الأشخاص غير الأكفاء، ينم عن جهل الرئيس بالعملية القانونية لتأهيل المرشحين والعملية الانتخابية برمتها».
مذبحة سياسية للتيار الإصلاحي
استنكر المعسكر الإصلاحي، محاولات اﻹقصاء التي وصفها بـالمتعمدة، لحساب التيار المحافظ، بينما رأى البعض منهم أن المؤسسة السياسية الإيرانية عازمة على أن يحكم البلاد في الفترة المقبلة تيار واحد فقط يتماشى مع آراء وأفكار القيادة العليا.
في الانتخابات البرلمانية السابقة عام 2016، فازت كتلة الإصلاحيين والمعتدلين بنسبة 41 في المائة، من مقاعد البرلمان البالغ عددها 290 مقعداً، بينما فاز التيار المحافظ بـ29 في المائة، وحصل المستقلون على نسبة 28 في المائة. لكن تلك المرة، من المتوقع أن يصبح الإصلاحيون أقلية في البرلمان المقبل.
يرى المحلل السياسي حسن جوادي المؤيد للإصلاح، أن ما يحدث من إقصاء المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين من البرلمان المقبل أشبه بمذبحة سياسية، لم تحدث في تاريخ إيران من قبل. يقول جوادي لـ«إضاءات»: «على مر الأزمنة كان مجلس صيانة الدستور المحافظ، يميل إلى السياسيين المحافظين بل والمتشددين أيضاً، لكن كان دائماً هناك هامش من التنافس مع الإصلاحيين، لكن ما يحدث منذ الشهر الماضي، نهاية لأي تنافس سياسي داخل إيران».
وفسر المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، تلك الأعداد الهائلة من المستبعدين من السباق الانتخابي، بأنهم غير جديرين بالثقة، ولا يدينون بالولاء لمبادئ الجمهورية الإسلامية. أما بخصوص استبعاد النواب الحاليين من الترشح مرة ثانية، فقط اكتفى عباس كدخدايي بوصف الأمر بأنه يتعلق بقضايا فساد مالي، دون توضيح المزيد.
وبالرغم من أن أمر التضييق على المعسكر الإصلاحي ليس بجديد، خاصة في الانتخابات البرلمانية، فإن تلك المرة تشهد البلاد فيها إغلاق المجال السياسي بشكل شبه كامل أمام فصيل سياسي كبير.
سيتنافس المحافظون فيما بينهم
ظل الإصلاحيون في إيران طوال الأسابيع القليلة الماضية ينتقدون ما فعله مجلس صيانة الدستور، قائلين: إن المجلس لم يترك مجالًا للمنافسة الحقيقية. يقول السياسي الإصلاحي البارز موسوي لاري: «هناك بعض الدوائر الانتخابية في العديد من المحافظات الإيرانية، لا يوجد فيها منافس إصلاحي أو معتدل واحد، جميع المؤهلين للترشح عن تلك الدوائر من المحافظين».
يرى لاري أن الانتخابات المقبلة ستكون منافسة بين المحافظين والمحافظين الآخرين، لا مجال لأي فصيل سياسي آخر للمنافسة.
عندما سئل الرئيس الإيراني السابق، والسياسي الإصلاحي البارز محمد خاتمي العام الماضي عما إذا كان الإيرانيون سيشاركون في الانتخابات البرلمانية المقبلة في فبراير 2020، أجاب خاتمي قائلًا: «لا أعتقد أن الناس سيقومون بالتصويت للإصلاحيين مرة أخرى، فالحركة الإصلاحية لم تشهد أي تطوير منذ سنوات».
في الأساس وبعيدًا عن عملية إقصاء الإصلاحيين من الترشح للبرلمان المقبل، شهد المعسكر الإصلاحي انخفاض كبير في شعبيته بين أوساط الإيرانيين، والسبب يرجع إلى المواقف الهشة التي تبناها التيار الإصلاحي في الكثير من الأمور في الفترة السابقة.
في المظاهرات التي شهدتها إيران بنهاية عام 2017 وبداية 2018، احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية السيئة، لم يتخذ الإصلاحيون موقفًا إيجابيًا من تلك المظاهرات، وبدلًا من ذلك تبنوا نظرية المؤسسة السياسية المحافظة، فسارعوا إلى تفسير سبب المظاهرات على أنها ذريعة من منافسي الرئيس المعتدل حسن روحاني، للنيل منه، بينما وصف آخرون المظاهرات بأنها تتبنى منهجًا عنيفًا وتخريبيًا، واعتبروا الاحتجاجات مؤامرة من جانب أعداء الجمهورية الإسلامية.
هذا الأمر أدى إلى هبوط أسهم الإصلاحيين لدى الإيرانيين المؤيدين للإصلاح، وأصبحوا بالرغم من سيطرتهم على البرلمان الحالي، في نظر الإيرانيين لم ينفذوا أياً من وعودهم الانتخابية المسبقة. فظلت الأوضاع السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية تسير من سيئ إلى أسوأ.
اللعب ببطاقة الوطنية
ينتاب المؤسسة السياسية في إيران قلقًلا عارمًا من انخفاض نسبة الإقبال على التصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة، مما دفع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي لحث الإيرانيين على التصويت. قال خامنئي في خطاب له 5 فبراير: «إذا كان هناك شخص لا يحبني على المستوى الشخصى، ولكنه يحب إيران، فيجب عليه الذهاب إلى صناديق الاقتراع لإثبات حبه للبلاد». وأضاف: «يأتي الناس إلى ساحة المعركة يوم الانتخابات، لأن الأمر يتعلق بكرامة المؤسسة وأمن البلاد».
في أحدث استطلاعات الرأي الحكومية أجرت وكالة الطلبة الإيرانية استطلاعًا أظهر انخفاض مستوى الاستعداد لدى الإيرانيين للتصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة. وجد الاستطلاع أنه في محافظة طهران فقط، 21% ممن شاركوا في الاستطلاع قالوا إنهم مستعدون للتصويت في الانتخابات البرلمانية.
يقول المحلل السياسي حسن جوادي لـ«إضاءات»: «تتعرض البلاد للعديد من الأزمات الداخلية والخارجية، ومن شأن الإقبال الضعيف على التصويت أن يعرض العملية الديمقراطية التي يستمد منها النظام شرعيته للانهيار».
أعطني سببًا واحدًا للتصويت
مهرداد يونسي بور (30 عاماً)، طالب دراسات عليا، وهو واحد من ضمن المقاطعين للانتخابات، يرى أن الأوضاع في إيران لا تشجع الإيرانيين على التصويت في أي انتخابات مستقبلية. يقول لـ«إضاءات»: «أعطني سببًا واحدًا أذهب من أجله للتصويت، لا يفعل لنا الإصلاحيون شيئاً، وفي النهاية الأمور جميعها تكون في يد المتشددين، لا فائدة من أي انتخابات».
تعرضت الجمهورية الإسلامية في الآونة الأخيرة للكثير من الضربات التي هزت الثقة بينها وبين الشعب الإيراني، فماذا بعد أن تسببت الدفاعات الجوية الإيرانية في إسقاط طائرة الركاب التابعة للخطوط الجوية الأوكرانية مما تسبب في قتل جميع من كان على متنها والبالغ عددهم 176 شخصًا، معظمهم من الإيرانيين؟
قبل اعتراف الحرس الثوري بتورطه في إسقاط الطائرة، ظل الإيرانيون طوال ثلاثة أيام يطرحون العديد من الأسئلة، بينما أنكرت الحكومة الإيرانية أي علاقة لها بإسقاط الطائرة، لكن بعد الاعتراف الحكومي، خرج المئات من الطلاب الإيرانيين إلى الشوارع احتجاجاً على ما وصفوه بكذب وخداع الحكومة على الشعب، ورددوا شعارات تطالب باستقالة أعلى سلطة في البلاد؛ الزعيم الأعلى علي خامنئي.
قبلها بأشهر قليلة، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، قُتل المئات من المتظاهرين المحتجين على قرار الحكومة المفاجئ بتقنين البنزين ورفع اﻷسعار في حملة أمنية عنيفة لم تشهدها البلاد منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979.
انتخاب برلمان محافظ، هل يعني قدوم رئيس محافظ؟
شهدت الانتخابات البرلمانية في 2004 أحداثًا مشابهة لما يجري حاليًا، حيث أقدم مجلس صيانة الدستور على إقصاء الآلاف من المرشحين الإصلاحيين، بعد أن كانوا يتمتعون بمركز قوة في السلطة فث عهد الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي (1997 – 2005). حينها سيطر المحافظون على البرلمان الإيراني، ما كان سببًا في النهاية، لوصول الرئيس السابق المحافظ محمود أحمدي نجاد إلى رأس السلطة.
يقارن البعض داخل إيران بين ظروف 2004، والظرف الحالي، يقودهم حدسهم إلى أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2021، من المرجح أن تأتي برئيس محافظ آخر.
إلى حد ما تبدو تلك التكهنات واقعية، فبعد أن فشل الرئيس المعتدل حسن روحاني في الوفاء بأغلب وعوده، حتى أن حلمه وحلم الكثير من الإيرانيين المتمثل في الاتفاق النووي لعام 2015، قد دمره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب بلاده من الصفقة النووية في مايو/ آيار 2018.
يعتبر المحافظون أنه آن الأوان ليثبتوا أنهم كانوا على حق وأن المفاوضات والانفتاح على الغرب لم يجلب شيئًا لإيران سوى المزيد من التوترات بين طهران وواشنطن، والتي وصلت ذروتها باغتيال الولايات المتحدة لقائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني.
لذلك ترى القيادة العليا الإيرانية المتمثلة في الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي أن ما تحتاجه البلاد في المستقبل القريب هو برلمان ورئيس ثوري، وفقًا لمبادئ الثورة الإسلامية، وهذا لا يتوفر في الإصلاحيين أو حتى المعتدلين.