إيران في البوسنة والهرسك: نفوذ يتمدد بمرور الأعوام
مزيج من المدائح النبوية والقصائدالصوفية ذات الأبعاد الفلسفية، وكثير من الحديث عن القضية الفلسطينية وعن النضال. خلطة تستسيغها جماهير غفيرة في العالم الإسلامي، وتقبل عليها بحس إيماني فطري، لكن هذا المزيج سلاح فعال للهيمنة الفكرية، ومن ثم التوجيه السياسي. عن النشاط الإيراني في البوسنة والهرسك نتحدث.
في مارس/آذار 2016، ألقى حسن نصر الله خطابًا جماهيريًا في حفل تأبين أحد قادته الكبار الذين قتلوا في شمال سوريا، واسمه «علاء البوسنة». جولة سريعة على المواقع اللبنانية تكشف لنا سر الاسم. كان «علي الفياض» مشاركًا إلى جانب وحدات أُرسلت أثناء حرب البوسنة من حزب الله تحت جناح الحرس الثوري الإيراني للقتال بجوار مسلميها؛ تلك المشاركة التي تفاخر بها حسن نصر الله بقوله:
ما بدأ مناصرة «للمستضعفين السنة» كان تدشينًا لنفوذ إيراني يترسخ ببطء وثبات حتى الآن، في منطقة تنظر إليها إيران على أنها منصة لوجستية مناسبة خارج بؤرة اهتمام أجهزة الاستخبارات والأمن العالمية إلى حد ما، بأمن متساهل نسبيًّا، ومؤسسات ضعيفة، وفساد واسع النطاق، وجسر إلى وسط وغرب أوروبا.
الحرس الثوري وإمدادات الأسلحة
كان هجوم الميليشيات الصربية على مدن وقرى المسلمين في البوسنة والهرسك مفاجئًا وعنيفًا بشكل لم يتمكن معه المسلمون من الدفاع عن أنفسهم أول الأمر. ثم بدأت جهود تكوين جيش البوسنة والهرسك وتسليحه لكنها اصطدمت بقرار الأمم المتحدة حظر توريد السلاح على جميع جمهوريات يوغسلافيا السابقة؛ ذلك القرار الذي لم يؤثر فعليًّا على صربيا وكرواتيا المسلحتين مسبقًا، بينما تضرر منه المسلمون. وهنا، ظهرت إيران كداعم رئيسي بالأسلحة والمدربين، فصدر بيان حربي للقوات المسلحة الإيرانية في نوفمبر/تشرين الثاني 1992 معلنًا الاستعداد الكامل لمساعدة البوسنيين والانخراط معهم في القتال ضد الصرب.
في مقابلة له مع صحيفة «داني» البوسنية، تحدث آية الله جنتي، رئيس مجلس خبراء القيادة بإيران، والذي كان مبعوث الثورة الإيرانية لمساعدة مسلمي البوسنة، عن حجم المساعدة التي قدمتها إيران:
ويثير الاهتمام التغاضي الأمريكي عن تدفق الأسلحة والمقاتلين، رغم أن إيران مصنفة كدولة مارقة داعمة للإرهاب بالنسبة للولايات المتحدة، ولم تكن حقبة كلينتون استثناءً. وفقًا لعدة مصادر، هناك قرار صدر من إدارة كلينتون في نهاية أبريل/نيسان 1994 بالسماح بإنشاء قناة لإيصال الأسلحة الإيرانية عبر كرواتيا إلى جيش البوسنة والهرسك، لإحداث نوع من توازن القوى على الأرض يمكن من إيجاد سلام بين الأطراف المتصارعة. وقال رون نيتسكي، مساعد السفير الأمريكي في زغرب في ذلك الوقت:
في غضون بضعة أسابيع فقط من ذلك القرار، بدأت شحنات الأسلحة الإيرانية عبر كرواتيا تصل إلى جيش البوسنة والهرسك. وتقدر وكالة الاستخبارات المركزية أنه بين مايو/ آيار 1994 ويناير/ كانون الثاني 1996، شحنت تلك القناة حوالي ١٤ ألف طن من الأسلحة بقيمة تتراوح بين 100 و 200 مليون دولار إلى البوسنة والهرسك. كما وصل 400 فرد من الحرس الثوري الإيراني، ومعهم أفراد من حزب الله ورجال المخابرات الإيرانية، إلى البوسنة. لم تكن أمريكا ترجو استمرار الدعم الإيراني بعد إحلال التوازن بين أطراف الصراع ولذا «كان أحد الأسباب المهمة التي أردنا إيقاف الحرب البوسنية من أجلها» وفقًا لوثائق رئاسية أمريكية، «تضييق نطاقها لاختراق وتعزيز النفوذ الإيراني في ذلك الجزء من أوروبا».
على الرغم من أن النفوذ الإيراني في البوسنة والهرسك كان موازيًا لتأثير «المجاهدين» الأجانب من مختلف الدول العربية والإسلامية، إلا أنه يختلف من نواحٍ عدة، أبرزها أن مشاركة الأفراد تمت بتنسيق بين قادة الدفاع عن جمهورية البوسنة ومسؤولين إيرانيين، ولم تكن عفوية أو بصورة فردية. قدم الإيرانيون، ومعظمهم من المدربين العسكريين والاستخباراتيين، ما يسمى بـ«الخبرة الفنية»، وتم دمجهم في الهياكل الدفاعية والأمنية لحكومة سراييفو. كان أعضاء الحرس الثوري يتصرفون بصفة أساسية كمستشارين عسكريين، بينما ساعد رجال المخابرات الإيرانية في تدريب أعضاء جهاز المخابرات البوسني. ولا يمكننا في هذا السياق تجاهل وجود مؤيدين لإيران في وزارة الدفاع البوسنية آنذاك، وضمن الدائرة المقربة للرئيس علي عزت بيجوفتش ورفاقه في النضال والحزب، مثل عمر بهمن وحسن تشنغيتش؛ الأمر الذي من شأنه فتح الأبواب للنفوذ الإيراني للتغلغل في مفاصل مهمة، وتُوِّج هذا النفوذ بتوقيع معاهدة للتعاون في المجال الأمني في نوفمبر/تشرين الثاني 1994.
يبقى موقف علي عزت بيجوفيتش فيما يتعلَّق بنفوذ إيران في البوسنة والهرسك مثيرًا للجدل؛ ففي حين أنه ذكر في مذكراته:
لكنه في مؤتمر صحفي عقد في سراييفو بعد وقت قصير من انتهاء الحرب، أكد أهمية المساعدة الإيرانية، قائلًا إنه بدون مساعدة إيران كان دفاع البوسنة والهرسك ليكون سؤالًا بلا إجابة.
موقف إيران الداعم والمساند لمسلمي البوسنة، والذي تفاخر به قادتها مثل هاشمي رفسنجاني وحسن نصر الله، لم يمتد لجيرانهم ألبان كوسوفو المسلمين الذين عانوا من بطش الصرب واضطهادهم، في تناقض مثير للاهتمام وبراغماتية عُرفت بها السياسة الإيرانية؛ فحتى الآن لم تعترف إيران بجمهورية كوسوفو التي استقلت في 2008 رغم اعتراف حوالي مائة دولة بذلك، ولم تُذكر لها مساهمة عسكرية في دعم ألبان كوسوفو.
صراع النفوذ
ترسو سفينة شحن أمريكية ضخمة في البحر الأدرياتيكي، محملة بمعدات عسكرية مثل الدبابات والمروحيات و45 ألف بندقية من طراز M-16 منتظرة الإذن لتفريغ محتوياتها من السلطات الأمريكية، والسلطات الأمريكيّة بدورها تنتظر قرار الحكومة البوسنية بإقالة نائب وزير دفاعها ورجل إيران الأول في البوسنة، حسن تشنغيتش. الأمر الذي حدث فعلًا.
علق جيمس باردو، وهو دبلوماسي أمريكي بارز يشرف على برنامج التدريب العسكري، «كان هذا صعبًا للغاية بالنسبة للرئيس عزت بيجوفيتش، لكنه واقعي وقد اختار أن يكون جزءًا من أوروبا، أخبرناهم أنه يمكن أن تكون لهم علاقة عسكرية بإيران أو يمكن أن تكون لهم علاقة عسكرية بأمريكا، كانت إيران على وشك أن يكون لها موطئ قدم كبير في أوروبا».
عكست هذه الأزمة عمق التخوف الأمريكي من تأثير إيران على الهياكل العسكرية لدولة البوسنة والهرسك. ففي فبراير/شباط 1996، اكتشفت قوات الناتو معسكر تدريب في فوينتسا يديره إيرانيون. وقالت مصادر البنتاغون إن ثلاثة إيرانيين وثمانية مسلمين بوسنيين احتُجزوا، وقيل إن اثنين من الإيرانيين يحملون جوازات سفر أو أوراقًا دبلوماسية. وبناءً عليه تم توجيه الاتهام عام 2002 لكل من رئيس المخابرات البوسنية الأسبق بكر علي سباهيتش واثنين من كبار معاونيه، لقيامهم بأعمال إرهابية وإقامة معسكرات لتدريب الإرهابيين، والتجسس بالتعاون مع المخابرات الإيرانية.
وفي أواخر 1996، أوقفت الولايات المتحدة برنامج المعدات والتدريب الذي تعاقدت عليه حكومتها مع شركة الموارد المهنية العسكرية (MPRI) في البوسنة إلى حين إخراج المدربين العسكريين والمخابرات الإيرانية من أراضيها، وكانت هذه بعض وسائل الضغط الأمريكية لتحجيم نفوذ إيران منذ توقيع اتفاقية دايتون في ديسمبر/ كانون الأول 1995، التي أنهت الصراع الدامي في البوسنة والهرسك، وكان إخراج المقاتلين الذين حاربوا إلى جوار مسلمي البوسنة أحد بنودها.
كل ما سبق ذكره من المحاولات الغربية (الأمريكية بشكل خاص) لتحجيم نفوذ إيران في البوسنة لم تؤدِّ لإنهائه، بل غيَّرت أساليب تحقيقه، وتبقى البوسنة إلى يومنا هذا من دول البلقان التي تتمتع إيران بأقوى الأنشطة فيها. وبحسب دراسة بعنوان «منطقة البلقان كهدف جديد للمنافسة السياسية بين إيران وإسرائيل»، نشرها المركز الدنماركي «Dergipark»، فإن التوسع الدبلوماسي الإيراني بالمنطقة هو جزء من الاستراتيجية المستخدمة لتحقيق التوازن أمام ضغوط المجتمع الدولي ضد البرنامج النووي الذي يسعى له النظام الإيراني، كما تمثل تطورات التأثير الاقتصادي والسياسي الإيراني الشيعي في المناطق ذات الأغلبيات الإسلامية جزءًا آخر مهمًّا من هذه الاستراتيجية.
التأثير الفكري والثقافي
بدأت تأثيرات إيران الفكرية منذ الثورة الإسلامية عام 1979، إذ ألهمت الثورة الشباب والشيوخ الحاملين للتوجه الإسلامي في البوسنة آنذاك. ففي يناير/كانون الثاني 1983 زار خمسة من النشطاء الإسلاميين البشناق إيران للمشاركة في مؤتمر شعبي للتقارب بين السنة والشيعة (كان من المفترض أن ينضم إليهم الرئيس الراحل علي عزت بيجوفتش، ولكن ظروفًا منعته). واعتُبرت هذه الزيارة محاولة للتواصل مع الخارج لغرضٍ معادٍ لجمهورية يوغسلافيا «التي كانت البوسنة والهرسك جزءًا منها قبل استقلالها»، ولذا تضمنت لائحة الاتهام في قضية محاكمة المثقفين المسلمين الشهيرة تلك الزيارة إلى إيران.
هذا الإعجاب الكبير بالثورة الإسلامية في إيران تُرجم لعلاقات خاصة ربطت بين مقربين لبيجوفتش وشخصيات إيرانية رفيعة المستوى. تتالت الزيارات وفتُحت أبواب النخبة المتدينة المثقفة أمام تأثيرات المد الشيعي، وصار بعض أكاديميي الجامعات والسياسيين والصحفيين من رموز البشناق الدعاة للفكر الشيعي والموالين لإيران. ووجدت دراسة استقصائية لما بعد الحرب أن 86% من البوسنيين لديهم نظرة إيجابية عن جمهورية إيران الإسلامية.
قبل نهاية الحرب، افتتح المركز الثقافي الإيراني في سراييفو عام 1994 من قبل وزير الخارجية الإيراني آنذاك، علي أكبر ولايتي. وأسست صديقة أفديتش، أحد أشهر داعيات الفكر الشيعي، جمعية الكوثر النسائية في نفس العام بمدينة زينتسا. ثم افتتحت حوالي عشرين مؤسسة من هذا القبيل في البوسنة والهرسك تحت رعاية سفارة جمهورية إيران الإسلامية، منها معهد ابن سينا للأبحاث، ومؤسسة ملا صدر، والمجمع الفارسي البوسني التعليمي، وتليفزيون آيريب، وتليفزيون سحر.
تم تشكيل معهد ابن سينا للبحث العلمي رسميًّا لدراسة اللغة الفارسية والمساعدة في إعداد البحوث للمؤتمرات والندوات العلمية في مجالات العلوم والثقافة. بشكل غير رسمي، يعتبر معهد ابن سينا الرابط المباشر للحرس الثوري الإيراني مع المجتمع الأكاديمي في البوسنة والهرسك. من المعروف أن العديد من المثقفين البوسنيين سافروا إلى إيران احتفالًا بذكرى الثورة الإسلامية بتنظيم من معهد ابن سينا، ومن خلاله ذهب عدد كبير من طلاب البوسنة بمنح تعليمية للدراسة الجامعية في إيران، كل ذلك لغرض تعليمهم الديني والأيديولوجي الدائم، وهناك حديث من أكثر من جهة عن علاقة وثيقة تربط المعهد بالحرس الثوري حتى الآن.
أما مؤسسة ملا صدر، فتصنِّف نفسها على أنها مؤسسة غير حكومية، إلا أن عناية السفارة الإيرانية بها متميزة، وهي الجهة المسؤولة عن نشر الفكر الشيعي في البوسنة، تأسست رسميًّا في 2003، وشارك في افتتاح مقرها الجديد السفير الإيراني، ورئيس العلماء مصطفى تسيريتش، وعضو رئاسة البوسنة حارث سيلايجيتش. تهتم هذه المؤسسة بإصدار وترجمة الكتب من الفارسية إلى اللغة البوسنية في مواضيع فلسفية ودينية شتى.
أما الجانب الثاني من أنشطتها فيتعلق بـ«المساعدة في رفع مستوى الوازع الديني والثقافي عند الأطفال والشباب»، ولذلك أسست «ملا صدر» مركزين، أحدهما هو في الحقيقة – وإن كان ذلك بشكل غير معلن – حسينية شيعية. تتولى المؤسسة مهمة إرسال أساتذة جامعيين ووفود، وحتى أطفال، لزيارة إيران والمشاركة في برامج معدة سلفًا في الإعلام والمنتديات، واستضافة أساتذة إيرانيين لخلق أجواء من الحوار والتقارب وتبادل خبرات مفكري البلدين.
ثمة أمران ركزت عليهما الدعاية الشيعية: الجمعيات والنشاطات النسائية، ووسائل الإعلام بأنواعها المختلفة من قنوات فضائية ومواقع إلكترونية وراديو ومجلات، فنجد مجلة «زهرا» النسائية، وهي ربما الوحيدة في البوسنة في مجالها، وكذلك فرقة كوثر للنشيد الديني ذات الشعبية الكبيرة، ونجد قنوات فضائية مثل «آيريب» و«البلقان»، وهما إيرانيتان ناطقتان بالبوسنية.
يلفت النظر أن العديد من البشناق المتحمسين لإيران ولفكرها المؤسس على المذهب الشيعي فعلوا ذلك من منطلق ديني/ثقافي في الأغلب، حيث التأثر بفكرة المظلومية التاريخية التي تلامس مشاعر المسلمين في البوسنة لتاريخهم الصعب، وكذلك تأثير الثقافة الفارسية ولغتها التي كانت لغة الأدب في العصر العثماني، وهي بالتالي جزء من تراث البشناق.
هناك عامل ثالث ربما هو العامل الأهم الذي يقرب الفكر الشيعي إلى مسلمي البوسنة، وهو مدى عمق الجانب الصوفي في الوجدان العام لديهم. والصوفية بطرقها الأشهر، المولوية والنقشبندية والرفاعية والقادرية، دخلت المنطقة بدخول الإسلام إليها مع الفتح العثماني، ولعبت دورًا أساسيًّا في اعتناق الناس للدين الجديد بحكم قرب تعاليمها من المعتقدات الشعبية. ولذا، استغلت المؤسسات الثقافية التابعة لإيران، مثل معهد ابن سينا ومؤسسة ملا صدر، الأمر بذكاء، فنشرت الكتب الصوفية الأكثر قيمة مترجمة للبوسنية. وأقام المركز الثقافي الإيراني احتفالًا بمناسبة مرور ثمانمئة عام على ولادة جلال الدين الرومي، بالتعاون مع كلية الدراسات الإسلامية ومعهد الدراسات الشرقية بسراييفو. وكذلك تنشر المطبوعات والمواقع الإلكترونية الشيعية المواد التي تمدح الطرق الصوفية وشيوخها.
ماذا عن المستقبل؟
بعد صعود أردوغان إلى السلطة توثَّقت العلاقات أكثر بين مسؤولي حزب العمل الديمقراطي الذي ينتمي له الرئيس السابق بكر عزت بيجوفيتش والحكومة التركية، ورافق صعود بوتين مزيد من النفوذ الروسي بمنطقة البلقان، وخصوصًا بصربيا وصرب البوسنة، ما حوَّل البوسنة لمنطقة تتزاحم فيها القوى الإقليمية وتسعى لموطئ قدم فيها بضخ الاستثمارات وتكثيف النشاطات وتوثيق العلاقات على المستويين السياسي والشعبي.
في البوسنة والهرسك، إلى جانب التنافس بين إيران وإسرائيل، هناك منافسة بين إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية. ومنذ وقت مبكر في فترة ما بعد الحرب، بذلت المملكة العربية السعودية جهدًا في محاولاتها إضعاف التأثير الفكري لإيران، بمؤلفات وترجمات لكتب عديدة تدعو لمنهج أهل السنة والجماعة، وبعثات تعليمية للطلاب. في المقابل، لم يقف المركز الثقافي التابع للسفارة الإيرانية ساكنًا أمام التأثير السلفي الذي بدأ يشق طريقه في البوسنة، فحاربه إعلاميًّا، بل استخدم أذرعه في عالمي السياسة والفكر حين اللزوم، كما حدث مع أحد الكتب التي هاجمت إيران والفكر الشيعي، وهو كتاب «الشيطان الأكبر»، حيث مُنع توزيعه رغم أن المشيخة الإسلامية رفضت التنديد بما ورد في الكتاب (وفق مقابلة شخصية مع مؤلف الكتاب).
إذا سمحنا للإحصائيات أن تتحدث، فإن السكان الشيعة في البوسنة بلغوا نسبة 5% عام 2008، وفقًا لجمعية أهل البيت العالمية، ويبلغ عددهم 23400. إحصائية أخرى لمنتدى التجمع ومسح الحياة العامة في عام 2009 قالت إن هناك 15200 مسلم شيعي يعيشون في البوسنة والهرسك مقارنة بمليون ونصف المليون سني بوسني. وبغض النظر عن أي الإحصائيتين أقرب للدقة، فإن حقيقة اعتناق نسبة من مسلمي البوسنة المذهب الشيعي، الذي لا جذور له في المنطقة، تشير إلى نجاح الدعاية الإيرانية بقدر ما، وتأثير الصورة التي حاول النظام الإيراني رسمها في أذهان الشعب.
لكن يبقى للنشاط الإيراني خصوصيته مقارنة بنشاط الدول الأخرى المتنافسة في الإقليم وميزات إضافية يستفيد منها. نقل تقرير أمريكي نشره موقع جلوب بوست عن مصادر وصفها بـ«الاستخباراتية» وصف النشاط الذي تمارسه إيران في منطقة البلقان بـ«الشبحي»، مشيرة تلك المصادر إلى أن إيران تستفيد في توسيع هذا النشاط من عدم وجود عبء تاريخي في علاقتها مع المجتمعات المحلية، على عكس النفوذين الروسي والتركي المتنافسين بوضوح في المنطقة.