فتاة إيران الزرقاء: الاحتراق حبًا في كرة القدم
التقطت الكاميرات خلال مباريات المنتخب الإيراني في بطولة كأس العالم الماضية لقطات لمشجعات إيرانيات يهتفن لمنتخب بلادهن، تبدو لقطات معتادة خلال فعاليات كأس العالم لنساء أحببن كرة القدم وأحببن بلادهن في الأول، وجوه فارسية الجمال ملونة بألوان العلم الإيراني.
لكنها لقطات غير معتادة داخل إيران، حيث يفرض الحجاب الإلزامي على النساء ولا يتواجدن داخل ملاعب كرة القدم، تلك السعادة والنشوة التي كانت على وجوه المشجعات الإيرانيات في روسيا لا تتحقق أبدًا لنساء إيران المقيمات داخل الوطن.
لكن ماذا تفعل سيدة مقيمة في إيران أحبت كرة القدم؟ تلك اللعبة الساحرة التي يراها كل شخص وفق هواه، ربما رأت فيها تلك السيدة نوعًا من الحرية التي لا تستطيع أن تنالها في بلدها.
هذا الصخب الكروي المعتاد في الملاعب والذي لا يمكن شرحه لأحد، أن تهمس بدعواتك من أجل انتصار فريقك أو تصرخ فتشق حنجرتك غضبًا من فرصة ضائعة، هذا السحر الذي لا يقاوم كيف تقاومه فتاة من إيران؟ إلا أن هناك فتاة قررت أن تقاوم بالحيلة مرة وبرسالة للعالم في الأخرى.
دعنا نتناول ما فعلته الإيرانية سحر خضيري والتي تعرف باسم «الفتاة الزرقاء» ثم دعنا نتعمق في الأمر قليلًا.
الفتاة الزرقاء: القصة كاملة
قررت الفتاة الإيرانية سحر خضيري أن تلجأ للحيلة لحضور إحدى مباريات فريقها المفضل استقلال طهران من داخل الملعب، ارتدت سحر زي الرجال وغطت شعرها بشعر مستعار أزرق وتوجهت لملعب آزادي بطهران ممنية نفسها بأجواء خيالية تذوق حلاوتها للمرة الأولى في حياتها.
لم تنطلِ تلك الخدعة على رجال الأمن داخل الملعب، اعترفت سحر بكونها امرأة حيث تم حبسها لمدة ثلاثة أيام انتهت بإطلاق سراحها في انتظار جلسة المحاكمة.
وجهت إلى سحر تهمة «الظهور أمام الجمهور بدون حجاب» وهو الأمر الذي اكتسب شعبية داخل إيران وخارجها، إذ سميت الفتاة باسم الفتاة الزرقاء، إلا أن هذا الصدى لم يؤثر في المسئولين داخل إيران، تم تأجيل القضية، لكن الفتاة تبين لها أنها قد تواجه عقوبة السجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين.
خوفًا من هذا الاحتمال، ألقت سحر فوق رأسها بالبنزين خارج مبنى المحكمة وأشعلت في جسدها النار، توفيت سحر البالغة 29 عامًا منذ أيام في المستشفى.
يتم تغليف هذا التشدد في فرض الحجاب على النساء بغلاف ديني بالطبع، وهو الأمر الذي يحتاج للمراجعة.
ملعب آزادي واسم لا يحمل من معناه شيئًا
المثير للأمر هنا أن آزادي بالفارسية تعني الحرية، إلا أن الحرية تحديدًا هي ما لا تحصل عليه النساء في إيران. وإن كان الأمر يصبغ بصبغة دينية، فالأمر الأكثر إثارة هنا أن النساء كن يضربن من أجل خلع حجابهن قبل الثورة الإسلامية عام 1979.
طبقًا لتقرير الكاتبة «شيماء محمد» والمهتمة بالشأن الإيراني من خلال موقع منشور، ففي عهد الشاه رضا بهلوي المعجب بالحضارة الغربية والذي كان من مشجعي استبدال الملابس الإيرانية التقليدية بالملابس الغربية، صدر قانون بحظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة. كانت النساء حينئذ تضرب من قبل الشرطة بشدة على رؤوسهن وخلع حجابهن عنوة كما يتلقين تهديدات بالفصل من العمل في حالة ارتداء الحجاب.
عقب الثورة الإسلامية، تبدل الموقف فحسب والضحية واحدة. استهل الخميني عودته لإيران بعدة قرارات في مقدمتها فرض الحجاب الإلزامي على النساء، ونفس الأساليب التي كانت تستخدم من قبل لمنع ارتداء الحجاب أصبحت تستخدم لارتدائه، تجوب شرطة الأخلاق شوارع إيران للتأكد من الالتزام بالحجاب الإلزامي المفروض.
تتحايل النساء في إيران بالطبع على شكل الحجاب، وقد تطور الأمر خلال السنين الأخيرة خاصة بعد تولي روحاني مقاليد الأمور داخل إيران، والذي تمحورت تصريحاته قبل ولايته الأولى بخصوص الحجاب حول ترك الأمر للاختيار الشخصي وهو ما لم يرق لرجال الدين هناك.
المؤكد هنا أن الأمر ليس دينيًا البتة، الأمر هنا هو إجبار المسؤولين نساء إيران على تنفيذ ما يتوافق مع رؤيتهم.
لم تصدق وعود روحاني كما يبدو تمامًا، مثلما لا تصدق وعود رجال الفيفا فيما يخص حضور السيدات لمباريات كرة القدم في إيران.
الفيفا: وعود كاذبة وفريق سيدات نصفه من الرجال
تكونت حملة باسم افتحوا الملاعب للتنويه عن حق المرأة في حضور مباريات كرة القدم في إيران، كتب المسئولون عن تلك الحملة خطابات للفيفا والاتحاد الآسيوي لشرح الوضع، لكن تلك الخطابات قوبلت بصمت طويل.
بدأت ردة الفعل متأخرة كثيرًا، إذ حضر رئيس الفيفا السابق سيب بلاتر إلى إيران برفقة عضو اللجنة التنفيذية مويا دود للقاء المسؤولين عن كرة القدم في البلاد، انتهى الأمر بوعود كثيرة لتحسن الأوضاع داخل المنظومة الرياضية في إيران، خاصة فيما يتعلق بحضور السيدات، لكنها كانت وعودًا كاذبة.
لم يتغير الأمر كثيرًا بعد تولي إينفانتينو رئاسة الفيفا، حيث تعمل الحكومة الإيرانية بشكل دوري على تغيير وقتي لتلك السياسة عندما تعلم أن العالم الخارجي يراقب.
حضر إنفانتينو إحدى مباريات دوري أبطال آسيا في طهران، وخلال تلك المباراة سُمح للمئات من النساء بالجلوس في قسم «عائلي» معين، ولكن بعد أن يتحول الانتباه إلى مكان آخر يعود الحظر.
المثير هنا أن اتحاد كرة القدم الإيراني تدور حوله الكثير من الأسئلة عندما يتعلق الأمر بالنساء، حيث اتُهم اتحاد كرة القدم الإيراني بأنه «غير أخلاقي»؛ لأنه أرسل -عن علم- ثمانية رجال في المنتخب النسائي للبلاد.
أجرى اتحاد كرة القدم الإيراني فحوصات عشوائية بعد الكشف عن أربعة من لاعبي المنتخب الوطني للسيدات كونهم إما رجالاً لم يكملوا عمليات تغيير الجنس -والتي تبقى قانونية في إيران وفقًا للفتوى الدينية- أو رجالاً يعانون من اضطرابات النمو الجنسي.
بعد حادثة سحر خضيري، تلقت الفيفا اتهامات مباشرة كونها جزءًا مما حدث، حيث لم تمارس دورها المسؤول تجاه كرة القدم في إيران. في يونيو/حزيران، بعث الاتحاد الدولي لكرة القدم برسالة إلى الاتحاد الإيراني يطلب فيها جدولاً زمنيًا يتيح للنساء إمكانية شراء تذاكر التصفيات المؤهلة لكأس العالم.
وبعد وفاة سحر، تأزم الوضع أكثر، وهو ما دفع إنفانتينو للحديث خلال مؤتمر FIFA حول كرة القدم للسيدات في ميلان بأنه سيتم السماح للنساء بحضور مباراة إيران المقبلة ضد كمبوديا.