إيران والأزمة الخليجية: تردد أم حكمة؟
ظاهريًا يبدو وكأن إيران لا تزال متأرجحة إزاء الأزمة الخليجية على الرغم من وجود دعم ضمني منها للدوحة، ويرى كثيرون أن هذه هي الفرصة الذهبية لدولة المرشد لتتوغل وتفرض المزيد من سيطرتها ونفوذها بالمنطقة العربية.
كشفت التصريحات الرسمية للمسؤولين الإيرانيين عن الموقف (الحيادي) الذي اتخذته وزارة الخارجية الإيرانية إزاء أزمة قطر مع الدول الثلاث الخليجية ومصر. على سبيل المثال، صرح بهرام قاسمي، المتحدث باسم وزير الخارجية الإيراني، بأنه لا يمكن حل الخلاف الحالي إلا عبر الوسائل السياسية والسلمية والمحادثات الواضحة والصريحة، ولابد من اللجوء إلى التعقل والتعامل بأقصى درجات ضبط النفس للحد من التوتر في المنطقة.
وعلى الرغم من هذه الحيادية التي التزمت بها وزارة الخارجية، إلا أن موقف الرئيس حسن روحاني من الأزمة كان أكثر وضوحًا وتحديدًا، حيث أبلغ روحاني الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني، أن إيران على أتم الاستعداد لمساندة قطر بشتى الوسائل للعبور من هذه الأزمة.
وبالفعل فتحت إيران مجالها الجوي لشركات الطيران القطرية للعبور من خلالها إلى تركيا، في الوقت الذي أغلقت فيه السعودية والإمارات والبحرين مجالهم الجوي أمام شركات الطيران القطرية، فضلًا عن تزويدها يوميًا بجميع السلع الغذائية مذ بدء الحصار.
مغازلات إيرانية
كشفت وكالة الأنباء الرسمية لرئاسة الجمهورية الإيرانية عن الاتصال الهاتفي الذى أجراه الرئيس الإيراني روحاني مع الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني، حيث أكد الثاني على العلاقات القوية والتاريخية بين بلاده والجمهورية الإسلامية، وأنه يرغب في تعزيز هذه العلاقات بصورة أكبر، كما كشفت أيضًا عن الاتصال الذي أجراه روحاني مع الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وأكد فيه على استعداد إيران للتدخل لحل هذه الأزمة، حيث تحتاج العديد من البلدان في المنطقة إلى التشاور والتعاون بصورة أكبر لحل هذه الأزمة.
أما على الصعيد الاقتصادي، صرح أمير شهرياري، أحد المتخصصين في الشأن الاقتصادي الإيراني، بأنه خلال الأيام القليلة الماضية تم تصدير آلاف الأطنان من السلع الغذائية لقطر عبر ميناء بوشهر، وأن الصادرات الإيرانية قد زادت بشكل متضاعف وغير مسبوق عن الأشهر القليلة السابقة.
ويرجح الكثيرون أن نسبة الصادرات الإيرانية إلى قطر سوف تزداد عن 165.44 مليون دولار أمريكي قيمة الصادرات غير النفطية الإيرانية إلى قطر خلال العام الفارسي 1394 (2015-2016)، مما سيجعل إيران مركزًا مهمًا للتبادل التجاري في المنطقة، خاصةً بعدما صرح مساعد الشؤون الاقتصادية لمحافظ بوشهر، سعيد زرين فر، بأنه سيتم تخصيص ميناء بوشهر كمركز للتبادل الاقتصادي بين إيران وقطر بهدف تنمية الصادرات بين الجانبين، وهذا بالتأكيد سيتيح الفرصة لطهران لإعادة بسط نفوذها في المنطقة بعد محاولات ترامب عزلها عن الساحة الإقليمية والدولية.
كيف ربحت إيران من حيث أُريدَ عزلها؟
يرى الكثير من المراقبين أن إيران هي المستفيد الأكبر من الأزمة في الوقت الراهن؛ من الناحية السياسية، ستؤدي هذه الأزمة إلى فشل الهيمنة السعودية على الدول العربية الأخرى، ولن تستطيع الرياض بسط نفوذها في المنطقة بشكل أكبر ولعب دور الشقيق الأكبر الذي تقوم به داخل مجلس التعاون الخليجي، فضلًا عن زيادة الاستقطاب السياسي والانقسامات داخل المجلس.
وعلى الرغم من نجاح السعودية في إحداث تقارب سياسي واقتصادي وثقافي مع بقية دول مجلس التعاون على مدار سنوات، لكنها لم تستطع أن تنجح في بسط هيمنتها على هذه الدول والسيطرة عليها بشكل كامل وهو ما تزيده الأزمة الحالية وتجعله آخر المستحيلات، سيما مع الإصرار القطري لعدم الخضوع.
وفي أثناء ذلك تستطيع إيران التدخل بكل قوتها لتسهم في حل الأزمة عن طريق دعمها لإجراء العديد من المفاوضات والمباحثات لحل الأزمة، وتستعيد دورها الإقليمي الذي تحاول السعودية والرئيس الأمريكي الحد منه بل وعزلها عن المنطقة بشكل كامل، وإن فشلت في دور المفاوضات لرفض أحد الأطراف تواجدها في قلب الأزمة، فبيدها أن تكون حليفًا موثوقًا لقطر، وعُمان، التي تحتفظ أصلًا بعلاقات تاريخية معها.
أما فيما هو قادم، فيرى العديد من المحللين الإيرانيين أن إيران أمامها خياران لا ثالث لهما في التعامل مع هذه الأزمة؛
1- الدعم التام والمباشر؛ يرى البعض أنه يجب على إيران تقديم الدعم الكامل والمباشر لقطر في مواجهة المملكة العربية السعودية. وفي هذا السياق يرى المحلل السياسي الكبير، حسن أحمديان، أن مساعي السعودية لتغيير أهداف وسياسات الدول المحيطة بها المختلفة عنها في إدارة الأمور وإجبارها على الخضوع لسياسات المملكة نموذج خطير للغاية وسيكون له العديد من الآثار السلبية على المنطقة، لذا يجب على طهران استخدام جميع أدواتها للحيلولة دون تنفيذها لذلك الأمر.
كما يرى أحمديان أن إعلان الرياض الخاص بقطع علاقاتها مع إيران يهدف إلى تغيير ميزان القوى الإقليمية، والظرف الراهن يقتضي ضرورة وجود دعم إيراني كامل لدولة قطر سيما في الخدمات اللوجيستية حتى تتراجع الرياض عن أسلوبها.
2- التزام الحياد الفعال: وفي المقابل يرى جزء كبير من السياسيين الإيرانيين أنه يجب على إيران التزام الحياد، حيث يعتقد مدير مكتب وزارة الخارجية الإيرانية السابق، قاسم محب علي، أن التدخل الإيراني في أزمة قطر والسعودية أمر غير عقلاني، إذ يعتقد أن هذا التدخل من شأنه حل القضايا بين الطرفين.
ويرى السفير الإيراني الأسبق في الأردن، نصرت الله تاجيك، أن إيران إذا تدخلت في الأزمة الخليجية سوف يزداد الأمر تعقيدًا، لذا لا يجب علينا دعم قطر. ومن هذا المنطلق يرى مؤيدو هذا الخيار أنه من الضروري تجنب التدخل المباشر في هذه الأزمة وأنه من الأفضل التدخل بشكل دبلوماسي متوازن وفعال.
وعلى صعيد آخر صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني في تلميح منه عن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، «بعض القادة الجدد في دول المنطقة من أصحاب الفكر التصادمي، وهم خاطئون في ذلك تمامًا، حيث يجب علينا أن نتعاون ونضع أيدينا في بعضها البعض بدلًا من أن نقطع أيادي بعضنا البعض، كما أنه يجب احترام حقوق الآخرين، فنحن جميعًا بحاجة إلى مساعدة بعضنا البعض لحل المشكلات التي أصبحت تملأ المنطقة».
كما صرح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، خلال الاجتماع السنوي لمجلس العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي في العاصمة الألمانية برلين في السادس والعشرين من يونيو/حزيران الماضي، بأن الكراهية التي تبثها السعودية تشبه الكراهية التي تبثها داعش، وأنهم يقولون يومًا إيران ويوما آخر قطر، وهذه ما هي إلا محاولات للهروب من المسئولية، فضلًا عن أن الشروط التي وضعتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر شروط تعجيزية وصعبة للغاية، وأنه يجب على هذه الدول أن تتعاون مع بعضها البعض من أجل إيجاد حل لهذه الأزمة.
تبدو الأزمة اليوم في طريقها للتعقيد أكثر وأكثر، مما يعني أن المنطقة العربية تواجه أزمة حقيقية إذا لم يتم حلها بشكل عقلاني وحقيقي، وليس كما حدث في اتفاق الرياض عام 2014 والأزمة الدبلوماسية التي لحقته، سوف تواجه جميع البلدان العربية تهديدًا لوجودها بشكل كامل، فضلًا عن حدوث تغييرات جذرية إقليمية ودولية، ويبدو التدخل الإيراني في الأزمة إلى اليوم متزنًا وعاقلًا، غير مندفع بكراهية السعودية أو الرغبة في إيذائها، وهي التي تبدو في موقع جيو سياسي صعب مقارنةً بإيران، فجُل حدودها مهددة إيرانيًا، جنوبًا وشمالًا وشرقًا، وليست مصر غربًا بالجار المأمون.