تصنيع الآيفون: هل يحارب ترامب الصين من أجل 8.46 دولار؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
لقد استهدفت غالبية التعريفات التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الصين -حتى الآن- السلع الصناعية، مثل محركات الطائرات وضواغط الغاز. لكنها هددت أيضًا بفرض تعريفات بقيمة 200 مليار دولار على بضائع أخرى في حال استمرار النزاع.
لم يتم الكشف عن أية قائمة بجميع السلع التي قد تخضع للتعريفات الجديدة، ولكن تلك القوائم ستتضمن الإلكترونيات الاستهلاكية، مثل الهواتف الذكية التي تعد أكبر فئة من المنتجات الفردية التي تُصدر من الصين إلى الولايات المتحدة.
المنتج الأشهر، والذي سيتأثر جراء تطبيق تلك التعريفات، هو هاتف «آيفون» الذي يتم تجميعه في الصين. عندما يصل هاتف «آيفون» إلى الولايات المتحدة يتم تسجيله على أنه منتج مستورد بتكلفة المصنع (240 دولارًا)، والتي تضاف إلى قيمة العجز التجاري الضخم بين الولايات المتحدة والصين.
ويبدو أن ورادات «آيفون» تمثل خسارة كبيرة للولايات المتحدة، على الأقل بالنسبة للرئيس ترامب، الذي يزعم أن الصين لا تزال تحصل على 500 مليار دولار سنويًّا من بلاده وتستغلها لإعادة البناء. يشير أحد التقديرات إلى أن واردات «آيفون 7» و«آيفون 7 بلس» أسهمت بما يُقدر بـ 15.7 مليار دولار في العجز التجاري مع الصين خلال العام الماضي.
لكن، كما يظهر البحث الذي أجريناه حول تحليل تكاليف «آيفون»، فإن هذا الرقم لا يعكس واقع القيمة التي تحصل عليها الصين فعليًّا من صادرات «آيفون»، أو من العديد من السلع الإلكترونية ذات العلامات التجارية التي تنقلها إلى الولايات المتحدة وأماكن أخرى. وبفضل سلاسل التوريد الموجودة في شتى أنحاء العالم، والتي تمر أيضًا عبر الصين، لم يعد العجز التجاري في الاقتصاد المعاصر كما كان يبدو دائمًا.
أكبر الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة
لم تتعرض أكبر الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، مثل الهواتف النقالة والحواسيب، حتى الآن للتعريفات التي فرضها الرئيس ترامب. لكن نظرًا لحجمها، فإنها قد تتعرض للاستهداف إذا تصاعدت الحرب التجارية بين البلدين.
وشكّلت الفئات العشرة الأولى من المنتجات ما يقرب من ثلاثة أرباع الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة في عام 2017، والتي تبلغ قيمتها 505 مليارات دولار. جاء ترتيب الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة كالتالي:
1. الهواتف المحمولة وغيرها من السلع المنزلية: 70.36 مليار دولار.
2. الحواسيب: 45.52 مليار دولار.
3. معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية: 33.49 مليار دولار.
4. ملحقات الحاسوب: 31.56 مليار دولار.
5. لعب الأطفال والألعاب والسلع الرياضية: 26.75 مليار دولار.
6. ملابس ومنسوجات قطنية وغير قطنية: 24.14 مليار دولار.
7. الأثاث المنزلي: 20.67 مليار دولار.
8. قطع غيار وأكسسوارات أخرى للمركبات: 14.14 مليار دولار.
9. الأجهزة المنزلية: 14.14 مليار دولار.
10. الأجهزة الكهربائية: 14.08 مليار دولار.
من يقوم فعليًّا بتصنيع هواتف «آيفون»؟
لنلقِ نظرة على هاتف «آيفون 7» عن كثب لنكون ملمين بالقيمة التي تحصل عليها الصين فعليًّا. ولنبدأ بالمكونات الأكثر قيمة بهاتف «آيفون» النقال: الشاشة التي تعمل باللمس وشرائح الذاكرة والمعالجات الدقيقة وأشياء أخرى؛ تأتي تلك الأشياء من مجموعة من الشركات الأمريكية واليابانية والكورية والتايوانية، مثل: إنتل وسوني وسامسونج وفوكسكون.
لا يتم تصنيع أي من تلك المكونات تقريبًا داخل الصين، لكن تشتري آبل المكونات وتقوم بشحنها إلى الصين، ثم تغادر تلك المكونات الصين وهي هاتف «آيفون» كامل. وجدير بالذكر أن مقرات هذه المصانع الشهيرة، بما فيها فوكسكون، تقع داخل تايوان.
وبحساب تكلفة هاتف «آيفون 7» من المصنع، نجدها تبلغ 237.45 دولار، وذلك بحسب أرقام «آي إتش إس ماركيت» خلال فترة طرح الهاتف أواخر عام 2016. ونجد أن إجمالي ما تحصله الصين من تكلفة كل هاتف يبلغ 8.46 دولار أو 3.6% من المبلغ الإجمالي، ويشمل ذلك البطارية التي تقدمها شركة صينية، فضلًا عن العمالة المستخدمة في تجميع الهاتف.
أما بقية المكسب (228.99 دولار) فيذهب لدول أخرى؛ حيث إن كلًّا من الولايات المتحدة واليابان تحصلان على ما يقرب من 68 دولارًا، كل على حدة، أما تايوان فتحصل على 48 دولارًا، فيما تحصل كوريا الجنوبية على مبلغ أقل من 17 دولارًا.
ويُقدر أن ما يقرب من 283 دولارًا من إجمالي الأرباح من سعر البيع بالتجزئة -قرابة 649 دولارًا للهاتف ذي السعة التخزينية «32 جيجا بايت» عند ظهوره للمرة الأولى- تذهب مباشرة إلى خزائن شركة آبل.
أي باختصار تحصل الصين على الكثير من الوظائف «منخفضة الأجور»، بينما تتدفق الأرباح إلى دول أخرى.
حصة الصين الصغيرة من جهاز «آيفون»
كما أسلفنا الذكر، تبلغ تكلفة المصنع لهاتف «آيفون» 273.45 دولار، وكلها تعتبر واردات من الصين على ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة. على الرغم من ذلك، إذا نظرنا عن كثب فسنكتشف أن 8.46 دولار فقط من تلك التكلفة تذهب فعليًّا إلى الصين. في حقيقة الأمر، تشكل الأجزاء الأمريكية النصيب الأكبر من إجمالي التكلفة:
1. الولايات المتحدة: 68.69 دولار.
2. اليابان: 67.7 دولار.
3. تايوان: 47.84 دولار.
4. جهات غير محددة: 21.81 دولار.
5. كوريا: 16.4 دولار.
6. الصين: 8.46 دولار.
7. أوروبا: 6.56 دولار.
العجز التجاري الوهمي
إن السبيل الأمثل للتفكير في مسألة العجز التجاري بين الولايات المتحدة والصين والمرتبط بهاتف «آيفون»، يكون فقط من خلال احتساب القيمة المضافة داخل الصين (8.46 دولار)، بدلًا من الـ 240 دولارًا التي تظهر كواردات صينية للولايات المتحدة.
وقد خلص باحثون إلى نتائج مماثلة بالنسبة للميزان التجاري الأكبر بين الولايات المتحدة والصين، على الرغم من أن التباين يُعد أقل حدة في نموذج هواتف «آيفون». ومن ضمن العجز التجاري البالغ 375 مليار دولار في العام 2017، يحتمل أن يشمل ثلث ذلك العجز مدخلات من أماكن أخرى، وفي ذلك الولايات المتحدة.
لقد كان استغلال الصين كمنصة عملاقة لتجميع الأجهزة مفيدًا للاقتصاد الأمريكي، ولكنه ليس كذلك لعمال المصانع بالولايات المتحدة. وعن طريق الاستفادة من سلسلة التوريدات العالمية الكبيرة عالية الكفاءة، استطاعت آبل جلب منتجات جديدة إلى السوق بأسعار تقارن بمنافسيها، وأبرزها العملاق الكوري «سامسونج».
يستفيد المستهلكون من المنتجات المبتكرة، كما أن الآلاف من الشركات والأفراد أنشأوا مشروعات استنادًا لتطبيقات من أجل بيعها على متجر التطبيقات. تستغل آبل أرباحها لتسديد رواتب جحافل مهندسي البرمجيات والأجهزة والمُسوِّقين والمديرين التنفيذيين والمحامين والعاملين في متجر آبل، وغالبية تلك الوظائف موجودة في الولايات المتحدة.
وإذا تسببت الجولة التالية من التعريفات الجمركية في رفع سعر هاتف «آيفون»، فسينخفض الطلب عليه. وفي غضون ذلك، لن تتأثر شركة سامسونج بتلك التعريفات الضريبية الجديدة، حيث إنها تُصّنع أكثر من نصف هواتفها في كوريا وفيتنام، بل ستكون قادرة على زيادة حصتها السوقية على حساب شركة آبل. ونتيجة لذلك، ستتحول الأرباح والوظائف مرتفعة الأجور من الولايات المتحدة إلى كوريا الجنوبية.
لماذا لا يتم تصنيع هاتف «آيفون» داخل أمريكا؟
عندما نناقش تلك المواضيع مع صناع السياسات ووسائل الإعلام، يتم عادة توجيه سؤال إلينا وهو: لماذا لا يمكن لشركة آبل صناعة هواتف «آيفون» داخل الولايات المتحدة؟
المشكلة الأساسية هي أن تصنيع الإلكترونيات العالمية قد انتقل إلى القارة الآسيوية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وعلى شركات مثل آبل أن تتعامل مع هذا الواقع. وكما توضح الأرقام التي ذكرناها، فإن تجميع أجهزة «آيفون»، من قطع غيار مصنوعة في القارة الآسيوية، لن يمنح الكثير من القيمة للاقتصاد الأمريكي أو العُمال هناك.
وعلى الرغم من إمكانية القيام بذلك، فإن الأمر سيستغرق على الأقل بضع سنوات لرؤية ذلك يتحقق، كما أن تكلفة كل وحدة ستكون أعلى من إنتاجها في آسيا، وسيستلزم الأمر الكثير من سياسات الثواب والعقاب من قبل صناع السياسات لإقناع العديد من الشركات بالانخراط في ذلك. على سبيل المثال، وحتى تُشجع ولاية ويسكونسن الأمريكية شركة فوكسكون على إنشاء مصنع شاشات «إل سي دي» داخل الولاية، قدمت لها دعمًا ماليًّا قدره 3 مليارات دولار.
استجابة ضعيفة من الصين
بطبيعة الحال، هناك الكثير من الأمور التي تشكو منها الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بسياسات وصناعة التكنولوجيا الفائقة في الصين، سواء تمثل ذلك في انعدام حماية الملكية الفكرية، أو الحواجز غير الجمركية التي تمنع شركات التكنولوجيا الكبرى مثل جوجل وفيسبوك من الخروج من السوق الصينية الضخمة. ولكن هناك مجالًا لتفاوض أكثر صرامة وتعقيدًا لمعالجة هذه القضايا.
وعندما يتعلق الأمر بالتجارة، ينبغي أن تعكس السياسات فكرة أن التصنيع يُعد الآن بمثابة شبكة عالمية. لقد وضعت منظمة التجارة العالمية بالفعل مجموعة بديلة من الأرقام التجارية التي تُظهِر تجارة كل بلد من حيث القيمة المضافة، ولكن يبدو أن الإدارة الأمريكية قد فقدت تلك الوثيقة.
ترتكز حرب ترامب التجارية على فهم بسيط للميزان التجاري، حيث إن التوسع في فرض التعريفات على المزيد من السلع سيؤثر على المستهلكين والعمال والشركات في الولايات المتحدة. ولا يوجد هناك ما يضمن أن يكون الناتج النهائي جيدًا عندما ينتهي ذلك النزاع.
هذه هي الحرب التي لم يكن ينبغي أن تبدأ.