الصراع الخفي في أذربيجان
بحكم موقعها الجغرافي وحدودها مع داغستان وروسيا وجورجيا وأرمينيا وإيران، وبحكم تاريخها قبل أن تكون واحدة من الست دول التركية المستقلة بمنطقة القوقاز، ولما تمثله من أهمية تاريخية لتركيا واقتصادية لميناء جيهان التركي بحكم خط أنابيب نابوكو، ومدى أهمية موقعها الجغرافي خاصة لدى كل من روسيا الاتحادية والاستخبارات الإيرانية التي تمثل لها أذربيجان ثاني أكبر دولة انتشار لعناصرها بعد العراق.
فكلما أرادت أذربيجان أن تغضب الجارة الجنوبية إيران كانت تفتح ملف قضية أذربيجان الجنوبية أو الجنوب المحتل كما تسميها العاصمة باكو، وغالبًا كان يأتي الرد من طهران بسحب السفير الإيرانى من أذربيجان يلاحقه تحليق طائرات إيرانية فوق الأجواء الأذرية، ومن هنا كانت توجهات السياسة الخارجية للدولة الأذرية تتشكل وكذلك العسكرية والاستخباراتية أيضًا، كما أنها وجدت من يتقدم لها ويقرع باب بيتها، وهنا يجب أن نسلط الضوء على الدور القوي الذي لعبه وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغودور ليبرمان كي يضع حدود الدولة الأذرية ذات الأغلبية المسلمة على خطوط تماس نفوذ إسرائيل.
فبعد أن تم رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين إسرائيل وأذربيجان، وزيادة عدد الزيارات المتبادلة بين وفود الدولتين على كل المستويات والتخصصات، وبفضل التعاون بين مسئولي الإعلام بأذربيجان وخبراء متخصصين بصناعة الإعلام الإسرائيلي، بات اسم وعلم دولة الاحتلال أمرًا مقبولاً ومهضومًا للرأي العام بأذربيجان، وأصبحت دولة الاحتلال بالصورة الذهنية للرأي العام الأذري كجنة عدن، وباتت إسرائيل أهم الأماكن السياحية التي يقصدها السياح الأذريون والعكس صحيح، بل ذهب أفيغودور ليبرمان لما هو أبعد من ذلك حتى بات لإسرائيل مقر استخبارات وموئلاً لفرق الاغتيال والتصفية ونقاطًا عديدة لعناصر الموساد لكي تشكل أذربيجان بذلك نقطة انطلاق تجاه حدود إيران الشمالية ونقطة حيوية للتوغل في دائرة الدول المحيطة بأذربيجان.
كما أن مؤشر التعاون العسكري بين البلدين ارتفع بشكل ملحوظ خاصة بعد موافقة الحكومة الأذرية على السماح لمختلف الطائرات العسكرية الإسرائيلية باستخدام المطارات الأذرية، مع العلم بوجود العديد من الطائرات العسكرية الإسرائيلية لأغراض التجسس والتصوير وجمع المعلومات وتحديد الأماكن بدقة ومنها طائرات بدون طيار ذات تقنية عالية جدًا مزودة بمعدات تعطيها القدرة لاختراق الكثير من المناطق السرية والخفية بإيران وروسيا، كما أن إسرائيل أعلنت رغبتها الواضحة في بناء قواعد ومنصات صواريخ متقدمة بأذربيجان.
كما تمد شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية أذربيجان بمجموعة كبيرة من المنتجات العسكرية، منها طائرات بدون طيار وطائرات تجسس وأنظمة دفاع مضادة للصواريخ وصواريخ مضادة للطائرات، وما لا يعلمه الكثيرون أن باكو تمد تل أبيب بثلث حاجتها من مصادر الطاقة المختلفة.
وعلى المستوى الثقافي تم إنشاء مركز للثقافة الإسرائيلية ودور للعبادة اليهودية، وبات هناك تواجد مكثف للمراجع الدينية والتلمودية بأذربيجان. وعلى المستوى التجاري فيبلغ حجم التبادل التجاري بين إسرائيل وأذربيجان 4 مليارات دولار سنويًا، شمل مختلف القطاعات الاقتصادية، كما أن لإسرائيل العديد من الماركز التجارية بأذربيجان.
ومن التعاون مع أحلام دولة إسرائيل الكبرى إلى أحلام الخلافة العثمانية، أعلنت رئاسة الأركان التركية مؤخرًا تنفيذ مناورات «نسر القوقاز للقوات الخاصة» برفقة جورجيا وأذربيجان من 31 مايو وحتى 10 يونيو 2015، والتي تهدف لتبادل الخبرات والمعلومات والارتقاء بمستوى الوحدات الخاصة للدول المشاركة.
نعم أذربيجان لم تعد كأرض قاحلة بنسبة للخريطة السياسية والجيوستراتيجية، وباتت أحد أهم مراكز الطاقة ونقاط الاستخبارات سواء بين الدول والقوى المستحدثة أو الامم العائدة، كما أنها ساحة جيدة لكي تستضيف أراضيها بعض معارك تلك القوى خارج حدود أرضها، فكل التغيرات التي نشاهدها منذ عام 2001م سواء بالثورات الملونة بالبلقان والقوقاز ثم غزو العراق وثورات الربيع العربي بالشرق الأوسط ما هي إلا صراعات بين أقطاب السياسية والاقتصاد والاستخبارات العالمية خارج حدود أرضهم كما أرادوا وكما اتفقوا من البداية، وعلينا أن نلقي نظرة شاملة متأنية على ملعب أذربيجان وما حولها، فقبل أن تنتهي مرحلة غرب أفريقيا والحرب الشرسة بالشرق الأوسط ستكون وقتها أذربيجان والأراضى الأوراسية تهيأت تمامًا لاستقبال جولة جديدة من صراع الكبار خاصة أن أذربيجان لم تعد بعيدة عن حلبة الاحتدام الروسي التركي بعد أن قدمت نفسها لتركيا كبديل عن روسيا فى حالة توقف روسيا عن توريد الغاز الطبيعي لتركيا.