8 أسئلة توضح لك الفائدة الحقيقية للمحلول في أقسام الطوارئ
إذا بحثت عن الجملة الأكثر تداولًا على النطاق الشعبي فيما يتعلق بالطب، فستكون:
أستطيع أن أجزم أن 100% من الأطباء، خاصة من تتطلب تخصصاتهم الاحتكاك بمريض الطوارئ، يسمعون مثل هذه الجملة بشكل يومي أو شبه يومي، وأن نسبة ليست بالقليلة – للأسف – منهم قد يبادر بإعطاء المحلول الوريدي للمريض استباقًا لمثل هذا الطلب، وحتى لا يتهم بالتقصير مع الحالة! والأدهى من ذلك، أن نسبة ليست بالقليلة من المرضى تتحسن رغم عدم وجود أي حاجة طبية لذلك.
هناك سحر خاص، وجاذبية استثنائية، ورهبة فريدة، تأسر قلوب غالبية – إن لم يكن كل – المرضى وذويهم، لمشهد نقاط المحلول – أي محلول – وهي تختال من الزجاجة، إلى أنبوب المحلول، الذي يلقي بها في أحضان الكانيولا – المدخل الوريدي الذي يشبه الفراشة – لتمتزج بالدم، فتعتدل موازينه، ويعود الجسم إلى صراط الصحة المستقيم!
هل تستحق المحاليل الوريدية تلك المكانة؟ من خلال الأسئلة والأجوبة التالية، سنعرف الإجابة الكاملة.
1. لماذا المحاليل الوريدية؟
نعلم جميعًا أن أكثر من 60% من حجم أجسامنا، وأكثر من نصف حجم الدم، عبارة عن ماء. في الأوضاع العادية، هناك توازن بين السوائل الداخلة للجسم عبر الشراب والطعام، وبين السوائل الخارجة كالبول والعرق .. الخ. عندما يختل هذا التوازن، فيزيد الخارج عن الداخل، نتيجة (الإسهال، القيء المستمر، النزيف، … إلخ)، يكون من الضروري التدخل طبيًا لإعادة هذا التوازن، وذلك بزيادة الداخل من السوائل، وبالطبع علاج السبب الذي أدى إلى زيادة الخارج، وبالتالي يعتدل الميزان مرة أخرى.
بالطبع يمكن زيادة الداخل عن طريق الشرب بالفم، وهذا هو المسار الطبيعي، لكنه بطيء، وبالتالي ففي الحالات الخطيرة، لا مفر من اللجوء إلى المحاليل الوريدية، والتي تصب في الدم مباشرة، لتعوض ما فيه من نقص أولًا، وهذا الأخطر، لأن نقص حجم الدم، سيسبب هبوط الدورة الدموية، وعجزها عن تغذية الأجهزة الحيوية. كذلك يعيد الدم توزيع السوائل إلى الأنسجة الأخرى بعد أخذ كفايته.
كذلك يحتوي الجسم مقادير متوازنة ومعروفة من الأملاح الذائبة في سوائل الجسم، وأشهرها الصوديوم والبوتاسيوم، والتي تختل تركيزاتها أيضًا مع اختلال توازن السوائل، ولذا تحتوي المحاليل الوريدية مقادير وتركيزات مختلفة من هذه الأملاح، لتعويض ما تُظهر التحاليل حاجته للتعويض.
2. ما هي المحاليل الوريدية؟
هي سوائل معقمة، ومصنعة بشكل يسمح بدخولها مباشرة إلى الدم. توجد أنواع عديدة، أشهرها، وأكثرها استخدامًا محلول الملح تركيز 0.9%، وهو عبارة عن كلوريد الصوديوم – ملح الطعام – مذاب في الماء. ومحلول سكر الجلوكوز تركيز 5%، و محلول الرينجر، الذي يحتوي على العديد من الأملاح الهامة بنسبة محسوبة مثل الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم. هذه المحاليل الدارجة السابقة تستخدم بالأساس لتعويض الفقد الحاد في السوائل.
هناك أيضًا محاليل ذات استخدامات خاصة كمحلول الملح المركز 2.7% لتعويض نقص الصوديوم، ومحلول الجلوكوز المركز 25% و 50% لتعويض نقص السكر، وهناك محاليل التغذية الدموية الكاملة، والتي تحتوي العناصر الغذائية الرئيسة كالسكريات، والدهون، والأحماض الأمينية البروتينية، والفيتامينات الهامة، وتستخدم للمرضى العاجزين عن تناول الطعام، كمرضى الغيبوبة مثلاً.
3. هل هناك استخدامات أخرى للمحاليل؟
بالطبع، حيث تستخدم المحاليل البسيطة كالمحلول الملحي 0.9%، والجلوكوز 5%، كوسيط لإعطاء الأدوية الوريدية التي لا يمكن إعطاؤها مباشرة في الوريد، فيتم إذابتها في المحلول لتخفيفها، حتى لا تسبب ضررًا في الأوردة، وآلامًا للمريض.
وهناك أدوية هامة جدًا لا تُعطى إلا بجرعاتٍ محددة للغاية لكل وحدة زمن، وحسب وزن المريض، فيتم إذابتها أيضًا في المحاليل، وإعطاؤها بالتنقيط الوريدي المستمر بمعدلات محسوبة بدقة لأنها تستخدم في علاج الحالات الحرجة. مثال: أدوية دعم الدورة الدموية مثل النورأدرينالين، وجرعته من 0.01 – 3 ميكروجرام/ كجم/ دقيقة، حسب الحالة.
4. هل دائمًا ما تكون الأدوية الوريدية والمحاليل أقوى تأثيرًا من الأقراص والشراب؟
الميزة الرئيسة للمحاليل والأدوية الوريدية، أنها تدخل مباشرة إلى الدم، ومنه إلى المكان المستهدف، دون فقد في المادة الفعالة، وبسرعة أكبر. أما الأدوية الفموية، فيتأخر ظهور تأثيرها مقارنة بالوريدية، وكذلك يفقد بعض المادة الفعالة، لأنها تمر بالجهاز الهضمي، من الفم إلى الأمعاء حيث تحدث عملية الامتصاص، مرورًا بالمعدة وأحماضها القوية. وعملية الامتصاص لا تكون كفاءتها 100%، ومقدار المادة الفعالة الذي يصل إلى الدم، هو الذي يحدد الكفاءة الحيوية للعقار.
5. إذًا لماذا لا نعطي كافة المرضى أدوية ومحاليل وريدية؟
لأن القاعدة الطبية الأولى تقول، إن جسد الإنسان له قدسيته واحترامه، وبالتالي يجب ألا تنتقل من الطبيعي إلى غير الطبيعي، ومن الأقل اختراقًا للجسم إلى الأكثر اختراقًا، ومن الأهون ألمًا، للأشد ألمًا، إلا لحاجة طبية ماسة.
الدخول إلى الدم مباشرة ليس آمنًا 100% كما يظن الكثيرون خطأً نتيجة الاعتياد الواسع عليه، وحالة (الاستسهال) في اللجوء للحقن الوريدية والمحاليل. فالدخول إلى الدم يحمل خطر التلوث البكتيري إذا لم يتم التعقيم الجيد، ويتم إزالة الفراشات الوريدية (الكانيولا) بعد 48 ساعة على الأكثر.
هذا التلوث البكتيري يدخل مباشرة إلى الدم، وقد يصل منه إلى الأعضاء الحيوية في أعماق الجسم كصمامات القلب أو المخ .. الخ، مما قد يسبب مضاعفات خطيرة، وقد يسبب الوفاة. كذلك في حالة وجود فرط حساسية لدى المريض من دواء وريدي – وغالبًا لا يكون المريض على علم مسبق بهذا – يكون تفاعل الحساسية شديدًا للغاية، وسريعًا جدًا، لأن الدواء يصل بكميته الكاملة إلى الدم مباشرة.
6. هل هناك حالات مرضية تمثل المحاليل الوريدية خطورة على صحتها؟
هناك بعض المرضى من الخطورة إعطاؤهم المحاليل الوريدية إلا بمقدار محسوب للغاية، وعند وجود حاجة ماسة طبيًا، وإلا فالأفضل عدم إعطائها لهم. أهمها حالات ضعف عضلة القلب، والفشل الكلوي، والتليف الكبدي.
فمثل هؤلاء المرضى لابد من حساب كمية السوائل الداخلة لهم بدقة، لعدم قدرة أجسامهم على التعامل مع أي كمية من زيادة السوائل، وارتفاع حجم الدم، إذ قد يسبب هذا احتقان الدم، وتراكم السوائل في أعضاء الجسم الهامة، وأخطرها الرئة، حيث ترشح السوائل الزائدة في حويصلاتها، فيحدث الارتشاح الرئوي الحاد، والذي قد يسبب الوفاة إذا لم يتم إسعاف المريض بشكل عاجل.
7. لماذا تتحسن بعض الأعراض المرضية بمجرد إعطاء المريض محلولًا وريديًا دون داعٍ طبي؟
للأسف يلجأ بعض الأطباء لإعطاء بعض المرضى اللحوحين، أو العجولين، أو من يعانون من شكاوى غير واضحة، محاليل وريدية، دون داعٍ طبي، وذلك لمجرد التخلص من إلحاحهم، وإرضاءً للفكرة الشعبية الشائعة عن أن المحاليل تفعل المستحيل! الغريب، أن بعض أعراض المرضى تتحسن، وبشكل سريع، لكن لهذا تفسير طبي.
هناك ظاهرة تسمى الإيحاء الطبي أو placebo effect، وهو أن تتحسن أعراض المريض ولو جزئيًا بإعطائه ما يعتقد أنه دواء، بينما هو في الحقيقة لا يحتوي مادة فعالة. أكثر الأعراض تأثرًا بهذه الظاهرة، هو الألم، ومن هنا جاء التفسير العلمي لهذه الظاهرة، بأن إيمان المريض بجدوى ما يتعاطاه، يعدّل في بعض النواقل الكيميائية في المخ والمسئولة عن الإحساس بالألم، فيشعر المريض بتحسن.
8. إذًا ما أهم استخدامات المحاليل الوريدية طبيًا؟
التعويض السريع لفقد الجسم لسوائله الحيوية، ونقص حجم الدم، والذي قد يسبب هبوطًا حادًا في الدورة الدموية ككل، ومن أهم الحالات المسببة لذلك (حالات النزيف، الإسهال والقيء الشديديْن، حالات الجفاف، حالات الحروق الشديدة ..إلخ). وفي الحالات التي تمنع طبيًا من تناول أي شيء بالفم (حالات الانسداد المعوي، التهاب البنكرياس … إلخ).
الخلاصة
1. المحاليل لا تفعل المستحيل، إلا عندما تستخدم على أسس طبية سليمة.
2. لا ينتهك الجسم الإنساني المكرم ولو بشكة إبرة دقيقة إلا لضرورة تستدعي هذا.3. الأدوية الوريدية تترك للحالات الأكثر دقة التي لا تغني فيها الأدوية بالفم.4. على الطبيب أن يبذل قدرًا أكبر من التواصل مع المرضى اللحوحين والمزعجين، بدلًا من التماهي مع أفكارهم الخاطئة، والذي يزيدها رسوخًا.