حوار مع سعد الدين العثماني بعد تشكيل الحكومة
في هذا الحوار الأول من نوعه، سنحاول أن نقوم بجولة داخل رأس العثماني الرئيس الجديد للحكومة المغربية التي لم تعجب الأصدقاء ولا الأعداء. ونظرا لانشغالاته الكثيرة الآن حاولنا انتهاز الفرصة لإنجاز هذا الحوار الذي يعتبر أول حوار له بعد الذي أجراه مع منبر إسباني. وقد تعهد بالإجابة بكل صراحة ويمكنكم موافاتنا بأي سؤال آخر غير مطروح، أو حتى تغيير الجواب إذا وجدتم أن الفقيه كان جوابه خطئا.
إليكم الحوار:
سي العثماني بالله عليك هل هذه حكومة؟
طبعا ليست حكومة.. ولا أطلب من أحد اعتبارها كذلك.. هي حكومة لا ترضي أحدا. والسبب هي أنها حاولت إرضاء الجميع. وهكذا فهي لا تهم المغرب ولا المغاربة ولا الإنس ولا الجن ولا البر ولا البحر.. ووحده الشيطان يمكنه أن يفيدنا في طريقة استعمالها..
هل معنى هذا أن ما عجزوا عن أكله بفم بنكيران أكلوه بفمك؟
عندما يكون هناك دواء مر فلا بد أن يشربه أحد ما، ولا يمكن أن يستعمل إلا بشربه وبأي طريقة. بنكيران لم يكن هو المشكل وأنا لم أكن الحل. المشكلة كانت في جهة أخرى واقتنعنا أننا طرف فيها شئنا أم أبينا وكان علينا تقديم تنازلات لحل وسط، وهذه هي السياسة.
أما بنكيران أو العثماني فوجهان لعملة واحدة. ورغم أن كل واحد له طريقته الخاصة، إلا أنهما معا يصدران عن نفس الحزب ونفس توجهات الأمانة العامة، والفرق شكلي فقط. لقد حاولوا مع الحزب من جهة بنكيران وعندما جربوا معه كل الطرق كان لابد من قلب الحزب على جهته الثانية والمحاولة من جديد. وكان علينا أن نتقبل الأمر لأنه ليس هناك حل ثالث إلا الاستمرار في فراغ البلوكاج أو ولادة حكومة مشوهة بتقديم بعض التنازلات.
كان هناك أيضا خيار المعارضة. وهو حل مناسب وعبره تخرجون مرفوعي الرأس؟
نحن حزب جئنا للفعل وليس لرد الفعل. وظيفة الأحزاب الأساسية هي المشاركة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. وبالفعل خيار المعارضة كان مطروحا، لكنه لا ينفع أحدا لأن المصلحة العليا للبلد تقتضي من حزب أقدم على إصلاحات جريئة أن يستمر فيها ولو جزئيا ولا يرجع لنقطة الصفر. منذ سنوات طويلة ونحن في المعارضة وعندما دخلنا أرادوا إخراجنا إليها من جديد. لأن المعارضة لن يتغير معها أي شيء ولا جديد يأتي منها.
لكن هذه المشاركة مذلة وخانعة ومكبلة الأيدي؟
صحيح وهذا ما قصدته بالدواء المر. وأكبر إذلال هو أن تعيش في بلد كهذا يدفعك دفعا لممارسات كهذه. ومادام أنه لا يمكنك أن تغادره للأبد فلتحاول أن تصلحه. ولن تسلم دائما بل ستتسخ مرارا وأنت تقوم بهذه المهمة.
لكن ألن تتآكل شعبية الحزب بهذا الانبطاح؟
سنخسر كثيرا بطبيعة الحال، لكن ليس مثل خسارة القبول بأدوار محدودة في المعارضة أو فيما لو رفضنا المشاركة في اللعبة نهائيا.
ماذا ستخسرون لو رجعتم للمعارضة أو رفضتم اللعبة؟
في المعارضة سنخسر إمكانية إنجاز بعض التغييرات الطفيفة التي نقوم بها في الحكومة، رغم العراقيل ولا يمكننا القيام بها في المعارضة. وهي تغييرات ليس في التشريعات فحسب؛ بل حتى في بنيتنا التنظيمية، وفي موقف القصر من الحزب، وفي صورة الإسلاميين عموما، وعند القوى الدولية وأمور ثانوية أخرى.
ولو رجعنا إلى المعارضة فسنحتاج وقتا آخر للعمل من أجل ولوج الحكومة من جديد وعندما نلجها سنجد نفس العراقيل والسيناريوهات مرة أخرى التي نجدها الآن. ما يعني أننا سنبقى ندور في حلقة مفرغة. ونقوم بإهدار الزمن السياسي.
وفي حالة رفض اللعبة نهائيا فسنكون عدنا لنقطة الصفر، وعلينا حينها أن نفكر في منهج آخر للتغيير. هو منهج التغيير الجذري وتغيير البنية ككل. وهذا منهج قطعنا معه منذ عقود واعتبرنا أنه لا تغيير بدون المحافظة على الثوابت ومنها الملكية. وهذا اختيار يجمع عليه غالبية المغاربة. لذلك يبقى الحل هو ما تراه وصدق الشاعر حين يقول: «إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى= ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه؟».
لكنكم خيبتم آمال شريحة كبيرة ممن صوت عليكم؟
نعم. وخيبنا حتى ظننا بأنفسنا نحن أيضا. لكن على من خاب أمله فينا أن يفتح عينيه ويرى أننا نتحرك وسط ذئاب لا يهمها أي شيء. ومستعدة للإجهاز عليك بالحق أو بالباطل. مع هؤلاء يجب أن تأكل وتقيس.
لكن قوتنا هي أننا حتى عند التنازل نكون واعين أننا تنازلنا وعندما ارى اعضاء حزبنا هم اول من يسبنا، وينتقدنا فهذا يعني أننا رغم كل شيء ما نزال بخير.
لكن ما نأسف عليه هو أنكم لا تعبرون عن هذا.. على الأقل. لو عبرتم عن قلقكم مما يحدث. لو ختمتم ندوة إعلان التشكيلة بـ «لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم». لو بدأتم بالإشارة إلى أنه «مكره أخوك لا بطل» أو أي شيء آخر يدل على غضبكم. لا شيء من هذا حدث. وكأنكم تعلنون عن حكومة السويد وليس حكومة أخنوش؟
أنا الآن رجل دولة، ولا أتحدث باسمي ولا يمكنني مع أناس قبلت مشاركتهم أن أقول عنهم لا حول ولا قوة الا بالله. عندما يأتيك مسؤول حزبي عاقبه الشعب ويطلب منك إدخاله إلى الحكومة بدون حياء أو خجل، ويحدث أمام نظر أعلى المستويات ، ثم يلبس يوم التعيين كوستيما جديدا ويمد كرشه أمام المنصة فهذا لا ينفع معه أي شيء. عليك أن تخفض رأسك وتقرأ تلك السطور وتنصرف. نحن في المغرب فقط وليس سويسرا.
ما هي انتظاراتكم بعد هذا الذي حصل؟
أن لا نبقى وحدنا في الواجهة، وأن تظهر في المشهد السياسي أحزاب قوية ولها استقلالية في القرار وإرادة للإصلاح، حتى لا نبقى لوحدنا ونضطر التعامل مع اللي يسوا واللي ما يسواش. لكن أنت تعلم أنه لهذا السبب تلقت بعض الأحزاب مؤخرا ضربات عنيفة حتى لا تكون هي هذه الطليعة المحتملة.
أنت فقيه؛ بماذا تختم لنا هذا الحوار؟
أختمه بقول لعبد الله بن مسعود: «أحق الناس بالرحمة عالم يجري عليه حكم جاهل».