المترجم الفوري: حين تصبح جزءًا من نجاح فريق كرة قدم
بأحد المؤتمرات الصحفية في ربيع عام 2005، كان «سيد لوي»، مراسل صحيفة «جارديان» البريطانية بمدريد، مسؤولًا عن ترجمة حديث النجم الإنجليزي «مايكل أوين»، لاعب ريال مدريد وقتئذ، من الإنجليزية للإسبانية.
أثناء ترجمة إجابة أوين على سؤال يتعلَّق برأيه حول فرانك لامبارد، اختار «لوي» تصريفًا خاطئًا للفعل «يكون». لتتحول إجابة أوين من «لامبارد لاعب عظيم» إلى «لامبارد مُثير».
يعتقد سيد لوي الذي أمضى سنوات عديدة في مدريد، أن الترجمة الخاصة بكرة القدم عمل شاق؛ لأن المترجم بدوره يؤدي دور النجم أمام الإعلام، بالتالي عليه أن يتحرّى الدقة، يتوخّى الحذر، ويراعي السياق. حيث قد يتسبب عمله في إشكاليات تتخطى كوميديا المؤتمرات الصحفية.
الفكرة أم توضيح الفكرة؟
يعتقد «كوستانتي»، الذي يعمل في مجال الترجمة الفورية بكرة القدم بشكل مستقل منذ عام 2003، أنّ هذه المهنة وعلى الرغم من أنّها تبدو ظاهريًا مرهقة، تظل سهلة إذا ما قرر المُترجم اتباع بعض الحيل التي تساعده على عبور مأزق المؤتمرات الصحفية الخاصة بالمدربين واللاعبين.
إحدى هذه الحيل، التي تبدو بديهية بالمناسبة، هي ضرورة مشاهدة المباريات بتركيز كامل، حتى يتثنى له توقُّع الأسئلة التي قد يطرحها الصحفيون بالمؤتمر الصحفي بعد انتهاء المباراة مثل السؤال عن إصابة لاعب ما، أو السر خلف تبديل لاعب ما، إلى آخره من الأسئلة المتعلقة بأحداث المباراة.
في الواقع، يبدأ عمل المترجم الفوري قبل انطلاق المباراة من الأساس، حيث يبدأ في دراسة كل الأحداث حول النادي، المدرّب، أو اللاعب الذي يمثله داخل المؤتمر الصحفي، كي يسهل عليه أن يشعر بالألفة تجاه الأسئلة الموجهة، بالتالي يتجنب التفكير في الأسئلة أو الإجابات قبل ترجمتها من أي لغة للأخرى.
في شتاء عام 2013، كان نادي «ساوثهامبتون» الإنجليزي قد تعاقد مع الأرجنتيني «ماوريتسيو بوتشيتينو» كمدير فني جديد للفريق الذي عانى من سوء مستوى واضح. وقتئذٍ، تعاقدت الإدارة مع مترجم فوري ظهر ملازمًا للأرجنتيني لعام كامل. الأمر الذي جعل الصحافة الإنجليزية تتساءل حول مدى قدرة المدير الفني على التواصل مع لاعبيه بشكل طبيعي.
من هنا يمكننا تفهُّم أهمية المترجم بالنسبة للمدير الفني؛ لأنه الفرد الذي يقع على عاتقه كسر حاجز اللغة بين المتكلّم والمتلقي، بخاصة وأن هذا الأخير يسعى دومًا لسحب تصريحات مثيرة على لسان المدرّب، كجزء من مهام وظيفته كصحفي.
بمعنى أوضح، يعمل المترجم الفوري على توضيح أفكار المدرب للإعلام، بخاصة عندما تتضمن التصريحات بعض الاختصارات اللغوية التي قد تختلف من حيث المعنى من لغة لأخرى.
مُترجم بدرجة متخصص
في 18 يوليو/ تموز 2018، وأثناء تقديمه كمدير فني لنادي «تشيلسي» الإنجليزي، سُئل الإيطالي «ماوريتسيو ساري» عن رأيه في الفريق الذي ورثه عن مواطنه «أنطونيو كونتي».
آنذاك، أوضح المترجم الفوري الذي يقوم بترجمة حديث «ساري» من الإيطالية للإنجليزية أن الفريق يحتاج لإضافة بعض الجودة لمركز قلب الدفاع، الذي كان يشغله آنذاك كل من «جاري كاهيل»، «ديفيد لويز» و«أندرياس كريستيانسن».
بالفعل ما توقعته صحيحًا، لم يمتلك مدرب «نابولي» الأسبق أي شكوك حول جودة قلوب دفاعه، لكن كُل ما حدث، هو أن المترجم الفوري أخطأ عن جهل في ترجمة نص ما قاله المدير الفني، الذي أراد أن يقول إن الفريق يحتاج تدعيمًا في مركز الوسط المدافع.
هذه هي المشكلة الأكبر حين يتعلق الأمر بالترجمة في كرة القدم، حيث يتوجب على المترجم أن يمتلك الحد الأدنى من المعرفة والدراية بكرة القدم وما يحيط بها من مصطلحات يصعُب على المتابع العادي استيعابها.
في الواقع، تطرق «مارك جوس»، الذي شارك في ترجمة كتاب السيرة الذاتية لـ«ميسي» عام 2013، إلى أن أحد التحديات التي تواجه المترجم الفوري هي قدرته على تفهُّم التناقضات المتعلقة بإعلان العالمين الناطقين بالإسبانية أو الإنجليزية عن الإصابات.
على عكس الأندية الإنجليزية، تميل الأندية الإسبانية وبالتبعية مدربيها، إلى ذكر تفاصيل الإصابات بشكل محدد يشمل الإشارة إلى العضلة المصابة، أو نوع العملية الجراحية التي يخضع لها اللاعب. الأمر الذي لا يحتاج لمجرد مترجم مهووس بكرة القدم، بل لرجُل شغوف بكل ما يحيط باللعبة.
بينما يرى جوس، أن أصعب تحدٍ واجهه كان كيفية التأقلم مع أصالة لهجة المتحدث وكيفية البحث عن مصطلحات من اللغة الإنجليزية تكافئ عبارات المتحدث بأي من اللغات الرومانسية.
إلى أرض الملعب
على عكس الأسطورة، لا يُمكن للمواهب أن تتأقلم في المستوى العالي من كرة القدم دون تواصل، فعلى الرغم من أنّ كلمات بدائية مثل: مرّر أو سدّد قد تكون مفهومة باللغة الإنجليزية لأي إنسان مهتم بكرة القدم على وجه الأرض، تظل المشكلة قائمة في كرة القدم الاحترافية؛ حيث تكون تعليمات المدير الفنّي أكثر تعقيدًا، أكثر تعقيدًا حتى من تصريحاته بالمؤتمرات الصحفية.
في إنجلترا كمثال، تصل نسبة الأجانب بالبريمييرليغ نحو 63%، الأمر الذي ينتُج عنه مشكلة لوجيستية، حيث يصعُب التعامُل مع هؤلاء اللاعبين لحظة انضمامهم بسبب عائق اللغة.
بجانب دروس اللغة التي توفّرها الأندية للاعبيها ومدربيها، واللجوء للاعبين والمدربين أصحاب اللغات المتعددة، في بعض الأحيان قد يتصادف التعاقد مع لاعب أو مدرّب يتحدث بلسان لا يتحدثه سواه.
عند تعاقد «ويجان أتلتيك» مع الجناح الإكوادوري «أنطونيو فالنسيا» عام 2006 على سبيل الإعارة كان الوحيد داخل الفريق الذي يتحدّث الإسبانية. وقتئذٍ، طُلب من أحد المترجمين الفوريين ملازمة اللاعب أينما كان: داخل مقر التدريبات، قبل المباريات وبعدها، وأحيانًا الجلوس بجانبه على مقاعد البدلاء.
لغة الضاد
في مصر تبدو الأزمة أكثر تعقيدًا، فإذا ما غضضنا الطرف عن عدد المحترفين الأجانب الذين لا يمكنهم التحدّث باللغة العربية، نظرًا لقلة عددهم مقارنة بدوريات أخرى، تكمُن المشكلة في مدى استطاعة المترجمين الذين توفرهم الأندية المصرية لنقل أفكار المدربين للّاعبين.
على سبيل المثال وليس الحصر، يتضمّن المقطع أدناه الترجمة الفورية التي قدّمها «أسامة الحمداني»، مدرّب حرّاس مرمى النادي الإسماعيلي، لحديث المدير الفني «خوان جاريدو»، حول مباراة الأهلي والإسماعيلي بافتتاحية الدوري المصري الممتاز موسم 2022/2023.
من السهل جدًا ملاحظة عدم نقل الحمداني لبعض مما قاله المدير الفني الإسباني في أحيان، وإضافته لأشياء لم تأتِ على لسانه في أخرى. حدث كُل ذلك في ظرف 7 دقائق فقط.
هذا غيض من فيض، فإذا ما قمنا بالتدقيق بكل المؤتمرات الصحفية للمدربين الأجانب في مصر، سنجد كثيرًا من تلك الأخطاء بلا شك، لكن السؤال: ماذا لو امتدت مثل تلك الأخطاء لتشمَل أخطاء في ترجمة تعليمات المدرب للاعبيه؟
ربما تتخطى المسألة قدرة المترجم العربي أو المصري على فَهم مقصد حديث المدرب الأجنبي ومن ثم ترجمته من الأساس؛ نظرًا لافتقار العالم العربي لمؤلفات عربية الأصل تكافئ المؤلفات الأجنبية المتخصصة في الرياضة.
لذا، في المرة المقبلة، وحين تسمع خبر إقالة مدرب أجنبي نظرًا لفشله في إدارة غرف الملابس أو غيرها من الأسباب المطاطة، ضع في اعتبارك أنّه ربما فشل فقط في إيجاد جسر للتواصل مع لاعبيه، الذين لم تصلهم أفكاره الفنية كما أراد.