ناسا تؤكد: InSight ستتوجه إلى المريخ
الكل يريد الذهاب إلى الكوكب الأحمر، الكوكب الذي غزا مخيلات الكثير من الكتّاب والمخرجين، ورغم أن «مات ديمون» كاد أن يموت هناك، إلا أننا ما زلنا نحب هذا الكوكب.
وفي 2018، يعدنا «إيلون ماسك» بإرسال التنين الأحمر من Space X إلى هناك، وذلك لأنه وحسب حركة المريخ والأرض، يصبح المريخ في أقرب نقطةً لنا، لكن ناسا أيضًا تريد أن تستغل هذه الفرصة، يبدو أن 2018 ستكون سنةً متميزةً بالنسبة للكوكب الأحمر ومحبيه، فـ InSight ذاهبة إلى هناك أيضًا! في مايو مع التنين الأحمر.
مهمة أوروبية أمريكيّة إلى الصديق الأحمر
الاسم InSight هو اختصار لجملة «Interior Exploration using Seismic Investigations, Geodesy and Heat Transport»، أي الاستكشاف الداخلي للمريخ ودراسة النشاط الزلزالي عليه، بالإضافة لدراسة جغرافيته باستخدام الرياضيات التطبيقية، واستكشاف أنماط النقل الحراري، اسم طويل فعلًا! ولكن كل ذلك سيتم باستخدام مسبارٍ واحدٍ على المريخ، لدراسة الطبقات العميقة فيه.
لن تكون هذه المهمة محصورةً بالمريخ، فكل المعلومات التي سيتم الحصول عليها يمكن تطبيقها على باقي الكواكب لاستخلاص معلومات جديدةٍ عن علوم النظام الشمسي وكواكبه، ومعرفة طريقة تشكل الكواكب الصخرية من النظام الشمسي الداخلي، قبل أربعة مليارات من السنين.
وباستخدام أدوات جيولوجية معقدة ومتطورة، سيقوم المسبار بفحص المريخ وينفذ إلى أعماقه، فاحصًا علاماته الحيوية، كنبضه (دراسة النشاط الزلزالي المريخي) وحرارته (مسبار لدراسة الحرارة والنقل الحراري على الكوكب) وكل ذلك للإجابة على سؤال مهم: كيف تشكلت الكواكب؟
لماذا المريخ؟
قامت البعثات الماضية إلى القمر باستكشاف تاريخه السطحي، عن طريق معاينة الوديان والبراكين والحجارة والتربة على سطحه، لكن لم تقم أيّ بعثةٍ بدراسة تاريخ الكوكب التطوري من قبل، كيف تشكّل وكيف تكوّنت كل تلك الطبقات العميقة تحت السطح.
وبما أنّ المريخ ليس نشيطًا جيولوجيًا كما الأرض- فهو لا يحوي صفائح تكتونية (نظرية الانجراف القاري وتباعد القارات بسبب انقسام غلاف الأرض الصخري لصفائح مختلفة) – فهو يحتفظ بتاريخ «مُسجل» جيولوجيًا عن القطع الأساسية التي أدت لتطور لشكله الحالي.
وبدارسة كل من حجم وثخانة وكثافة تراكيب الكوكب الأحمر المختلفة، من القشرة والدثار (الطبقة الجيولوجية تحت القشرة) والمركز، والمعدل الذي تنتقل الحرارة من داخل الكوكب لخارجه، فإنّ المهمة InSight ستزودنا بنظرةٍ ثاقبةٍ للمسار التطوري للكواكب الصخرية في نظامنا الشمسي الداخلي، وستدرس المهمة أيضًا دينامكية النشاط التكتوني على المريخ، واختلافه عن الأرض، وتأثير النيازك عليه، لمقارنة ذلك بمثيله على الأرض أيضًا.
ستحمل المهمة مسبارًا مثل ذلك الذي حملته المهمة Phoenix، والذي استخدم لدراسة القطب الشمالي للمريخ، وبإعادة استخدام تلك التقنية الناجحة وبالتعاون مع «لوكهيد مارتين»، فإنّ خطورة المهمة تقل، وكذلك التكلفة، فنحن لا نحتاج لتصميم وإعداد مسبارٍ جديد والتحقق من مستويات الأمان من الصفر مرةً أخرى.
على متن المسبار توجد ثلاث أدوات علمية، ستقوم وللمرة الأولى منذ 4.5 مليار سنة، بقياس «العلامات الحيوية» لكوكب المريخ – فحص طبي متأخر قليلًا نوعًا ما – وتدرس رد فعل المريخ على الجاذبية والقوى المطبقة عليه من الشمس وأقماره، وبدارسة هذه المعطيات سيتمكن العلماء من معرفة تاريخ الكوكب وتركيبه الداخلي والقوى التي ساهمت في وصوله للشكل الذي هو عليه اليوم. وسيقطن المسبار على سطح المريخ لمدة عامين كاملين، يقضيها دارسًا هذا الكوكب ونشأته وتطوّره.
للقيام بالمهام العلمية سيقوم المسبار بالاختبارات العلمية الستة التالية:
- معرفة كلٍّ من حجم وتركيب والحالة الفيزيائية (صلب أم سائل) لمركز كوكب المريخ.
- معرفة ثخانة وتركيب القشرة المريخية.
- معرفة تركيب ومكونات الدثار المريخي.
- معرفة الحرارة الداخلية للمريخ.
- قياس كل من معدل وحجم النشاط الزلزالي لكوكب المريخ.
- قياس معدل وتأثير النيازك على المريخ.
وللحصول على كل تلك المعلومات، سيحمل المسبار الأدوات العلمية الثلاث: HP3، SEIS، و RISE.
الأدوات العلمية
مسبار المهمة InSight
SEIS (Seismic Experiment for Interior Structure)
والتي ستقوم بدراسة النشاط الزلزالي لكوكب المريخ وتقارنها بنشاط كوكبنا، وقد حلقت نسخة قديمة من هذه الأداة على متن مهمة المريخ في 1996.
HP3 (Heat Flow and Physical Properties Probe)
تقوم هذه الأداة بعمل «الخلد» والحفر للوصول إلى عمق خمسة أمتار تحت الأرض، وتقوم حساساتها بقياس الحرارة بعد كل 10 سم وذلك للحصول على لمحة كاملة عن الحرارة تحت السطح. وبعد قياس النقل الحراري ستستطيع هذه الأداة تحديد درجة حرارة المركز بدقة.
RISE (Rotation and Interior Structure Experiment)
تستخدم هذه الأداة لتتبع رد فعل المريخ على جذب الشمس له، وستقيس بواسطة ذلك بواسطة تأثير دوبلر وبالاعتماد على الاتصالات الراديوية بين الأرض ومهمة InSight. وبقياس هذه التمايل الذي يظهره المريخ عند تأثير الشمس عليه، يستطيع العلماء دراسة مكونات الكوكب الداخلية وبالتالي الحصول على فهم أفضل لكيفية تطوره.
تغيّر في الخطط
كان من المفروض أن تجدول المهمة للانطلاق في مارس من هذا العام، لكن ناسا أوقفت العمل على هذه المهمة في ديسمبر بسبب خطأ في الأداة العلمية الرئيسية لهذا المشروع، وهي الأداة التي تستخدم لقياس النشاط الزلزالي على المريخ ودراسة باطنه،ولذلك تغيّر موعد الرحلة إلى الثامن من مايو في 2018، مع تحديد موعد الهبوط على المريخ في 26 نوفمبر 2018.
وتنبع أهمية هذه الرحلة من كونها تمهد الطريق للرحلات القادمة التي تحمل البشر إلى المريخ، وتمنحنا فهمًا أكبر وأوضح لطبيعة الكوكب وكيفية تشكله.
ستقوم أداة قياس النشاط الزلزالي بدراسة الحركة الأرضيّة للمريخ، وهي من الدقة بمكان حيث تستطيع أن تدرس وتراقب الحركات التي يبلغ مداها نصف قطر ذرة الهيدروجين، وهي تتطلب فراغًا تام الإقفال حول الحساسات الرئيسية الثلاث، لتستطيع تحمل الظروف الصعبة على المريخ، وسيكون مخبر الدفع النفاث التابع لناسا مسؤولًا عن تصميم وتطوير حاوية الأداة المفرّغة والمقفلة، ليمنع التسرب الذي حصل سابقًا.
وستقوم وكالة الفضاء الفرنسية بتطوير الحساسات الأساسية لهذه الأداة ودمجها بحاوية الأداة، كما ستكون مسؤولة عن تموضع الأداة في المركبة الفضائية في النهاية، أما مركز الطيران الفضائي الألماني، فسيتولى تطوير الأداة HP3 لقياس التدفق الحراري والخصائص الفيزيائية للمريخ.
وقد كانت ميزانية ناسا للمهمة تقدر بـ 675 مليون دولار أمريكي، لكن العطل الذي حصل والتأخير أدى لتراكم 153.8 مليون دولار أمريكي إضافي على المهمة، ولن تغير الكلفة الإضافية من توقيت إطلاق المهمة ولكنها ستؤخر للأسف بعض المهام المستقبلية بين 2017-2020.
تشترك الكثير من المعاهد ووكالات الفضاء في إعداد المهمة والأدوات العلمية لهذه المهمة، ومن البلدان المختلفة مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وسويسرا، وذلك في سعي لخلق اتفاقات دوليّة توحد جهود هذه الدول في استكشاف الفضاء.
مشروع InSight مُدار من قبل مختبر الدفع النفاث التابع لوحدة العلوم في ناسا، وقد قامت شركة لوكهيد مارتين ببناء المركبة الفضائية، والمشروع هو جزء من برنامج Discovery المدار من قبل ناسا.
ربما تكون الرحلات السياحية إلى المريخ بعيدةً بعض الشيء، لكن أعتقد بصورةٍ شبه جازمة، أنّنا سنكون الجيل الذي يشهد خطوةً صغيرةً تكون بدايةً لنقلنا من جنسٍ قاطنٍ لكوكب، إلى حضارةٍ عابرةٍ للكواكب.