كل هذه الأخطاء: «ما وراء طبيعة» عمرو سلامة
الحلم تحقق، وأخيرًا شاهدنا رفعت إسماعيل بطلاً على الشاشات بعد أعوامٍ من الانتظار. وسيظلُّ يوم الخامس من نوفمبر عام 2020م يحتلُّ ذكرى خاصة جدًا في حياتي إلى الأبد.. ولكن أي رفعت؟
فذلك الشخص الخائف من كل شيء، المرتعد من كل قرار، الذي تسقط النجفة كلما دخل منزله، وظهر كشخصٍ يُعاني من هلاوس بصرية ونفسية، لا علاقة له برفعت إسماعيل الذي أعرفه.
قدّم الدكتور أحمد خالد توفيق رفعت على أنه «عقل» ذو ثقافة أسطورية لا تُضاهَى في علوم الما ورائيات وكافة حقول الأدب والمعرفة العامة، لكنّ المخرج عمرو سلامة أظهره لا يعرف إذا كان في إسكتلندا أشباح أم، لا يكف عن إنكار ما يجابهه حتى لا يتضح أنه مُخطئ، و«بياخد عقله على قد عقله»!
وأنا على يقين من أنه لو كان هذا المشهد مقلوبًا وبقلم الدكتور أحمد لالتفت رفعت إلى ماجي، ولقّنها محاضرة طويلة وعميقة عن تاريخ أشباح بلدنا.
قدّم الدكتور أحمد خالد توفيق رفعت على أنه شخص ظلَّ مُخلصًا لحُب ماجي مهما حدث، واعترف لنفسه في أحد أعداد السلسلة أنه لم يُحب هويدا أبدًا ولم يجمعهما شيءٌ أكثر من المودة والأُلفة، أما في مسلسل عمرو سلامة يتحوّل رفعت إلى عاشقٍ مُتيّم يخوض المغامرات من أجل إنقاذ حبيبته هويدا وبمساعدة حبيبته الخالدة ماجي!
لن أستفيض في هذه الجزئية أكثر فلقد حُبِّرت الأوراق على مدار اليومين الفائتين في تبيان حجم الخلافات الشاسع بين «رفعت العرّاب» و«رفعت عمرو سلامة»، وإن كان للمخرج الحق في تقديم شخصية الرواية وفقًا لرؤيته الإبداعية، فإن الجمهور له كامل الحق في أن يُخبره أن هذه الرؤية أطاحت بكل ما عرفناه وتخيّلناه عن شخصية رفعت إسماعيل الذي تربّينا على يديه صغارًا وشبابًا.
للأسف لم يكن هذا هو الجانب المُظلم الوحيد في المسلسل، وإنما شهدت أحداثه العديد من «الثغرات التنفيذية» التي وقع فيها صنّاع العمل خلال تنفيذهم باعتباره وقع عام 1969م كما أُعلن في الحلقة الأولى.
أستعرض عددًا منها في هذا التقرير، علمًا بأنّي اكتفيت بتدقيق معلومات 3 حلقات فقط، وإلا لاحتجتُ إلى كتابة سلسلة حلقات!
حلمي سلام
على مدار حلقات المسلسل، استخدم البطل جريدة الجمهورية مرتين، الأولى للإعلان عن اكتشاف مقبرة فرعونية، والثانية خلال الإعلان عن سحابة سوداء تحجب القاهرة.
إذا ما تخلّينا عن «الفونت» عجيب الشكل الذي استعان به صنّاع العمل في الصفحة الأولى للجريدة، تضمّنت كلا الصحفتين خطأ مهنيًّا غريبًا يستحيل أن يظهر في أي جريدة، مهما كانت ضعيفة الإمكانيات، وهي أن كلا العنوانين (الرئيسي والفرعي) متطابقان، وهو ما يتناقض مع القواعد الصحفية التقليدية بأن العنوان الثاني يشرح ويكشف تفاصيل العنوان الأول.
كما حملت ترويسة الجريدة في الأعلى خطأ أغرب، وهو أن اسم رئيس التحرير هو الأستاذ حلمي سلام، والحقيقة أنه لم يكن رئيسًا لتحرير الجمهورية عام 1969م، وإنما ترك منصبه قبلها بعِدة سنوات!
تمتّع حلمي سلام بعلاقة طيّبة بجميع الضباط الأحرار، وتحديدًا المشير عامر، الذي عيّنه رئيسًا لتحرير الجمهورية الناطقة بِاسم الثورة، ودخل سلاّم صراعًا مكتومًا على المجد الصحفي مع محمد حسنين هيكل، واحتجّ للرئيس عبد الناصر على استئثار هيكل بكل الأخبار والقرارات الهامة بما فيها الأخبار التي منعت الرقابة نشرها، وكلّفه هذا التنافس منصبه.
في جلسة مغلقة داخل مجلس الأمة، كشف عبد الناصر عددًا من أسرار علاقات مصر بعددٍ من الدول، وأكّد على الصحفيين الحاضرين ضرورة عدم نشر أي شيءٍ مما قال، وهو ما لم يلتزم به سلاّم فتصوّر أن هيكل سينشر المحظور كعادته ففعل مثله، وعندما استيقظ عبد الناصر في الصباح اكتشف أن الأسرار الدبلوماسية مانشيتات صفحة أولى في جريدة الأخبار!
أمر فورًا بإقالته من منصبه وحلَّ الأستاذ مصطفى بدوي بدلاً منه عام 1964م، وبعده الأستاذ فتحي غانم، والذي كان هو رئيس تحرير الجمهورية عام 1969م، واستحق اسمه أن يُوضع على الترويسة بدلاً من فتحي سلاّم، كما يظهر في الأعداد المتداولة لجريدة الجمهورية في هذا الوقت.
محافظ بورسعيد
خلال جلوسه المكتئب في محاضرته لطلبته البؤساء، دلق الساعي قهوة الدكتور رفعت على جريدة كان يقرؤها.
حمل أحد أخبار الجريدة عنوانًا بشأن «محمد عصام الدين حسونة محافظ بورسعيد»، والمفارقة أن «حسونة» غادر منصبه عام 1965م!
وفقًا للموقع الرسمي لمحافظة بورسعيد، فإن المستشار عصام الدين حسونة تولى منصبه عام 1964م، وأشرف على ترتيبات الاحتفال بعيد النصر في ذات العام، وظلَّ في منصبه حتى أكتوبر من العام 1965م، بعدما تقرّر تعيينه وزيرًا للعدل.
بعده خلفه اللواء محمد فريد طولان، الذي قاد المحافظة في واحدة من أحلك فتراتها بدايةً من العام 1965م وحتى مايو 1968م.
أما المحافظ الذي كان يقود بورسعيد، عام 1969م، فهو اللواء حسن رشدي، الذي كان مديرًا للمباحث العامة في بورسعيد، ثم جرى تعيينه محافظًا للمدينة الباسلة خلال الفترة من مايو 1968م وحتى يونيو 1971م، وكان اسمه هو الأولى بالظهور في جريدة رفعت وليس سابقه الذي غادر منصبه قبل هذه الأحداث بأربع سنوات.
دعوة الفرح
لا نستطيع معرفة اسم الجريدة التي تخفيها مجلة المعرفة من يسار الصور، ولكن يكفي تدقيق النظر في جزء الصفحة الذي يظهر بالأعلى لنُدرك أن سطوره تحمل الآتي:
أي أن رفعت كان يقرأ في المحاضرة مجلة من المفترض أن تصدر بعد 3 أعوام!
هيئة الأرصاد الجوية
في هذا المشهد قد تبدو الجملة التي نسمعها من التلفاز عادية، فهيئة الأرصاد تُحذِّر من سوء الأحوال الجوية، عبارة نسمعها بشكلٍ دوري ما إن يهلُّ علينا الشتاء، لولا خطأ واحد، أنه في العام 1969م لم يكن في مصر هيئة أرصاد.
وفقًا للموقع الرسمي للهيئة، أن إنشاء هيئة حكومية معنية بالأرصاد الجوية في مصر بدأ منذ العام 1900م، وكانت إدارة صغيرة تابعة لمصلحة المساحة.
في العام 1947م، أنشئت «مصلحة الأرصاد الجوية»، وكان لها 3 مراكز رئيسية في حيِّ الوايلي بمدينة القاهرة، وفي مطاري القاهرة الدولي وألماظة.
ولم يأخذ هذا الكيان الحكومي لقب «الهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية» إلا عام 1971م، بناء على القرار الذي أصدره الرئيس السادات يوم 25/ 11/ 1971، وفقًا لقانون رقــم 2934 لسنة 1971.
الهيئة المصرية للاكتشافات الأثرية
إذا دقّقت النظر في العلم الموجود في الصورة، فستكتشف أنه كُتب عليه اسم هيئة حكومية تحمل اسم «الهيئة المصرية للاكتشافات الأثرية»، ووفقًا لمصدر في وزارة الآثار لـ «إضاءات»، فإن مصر لم تعرف هيئة حكومية حملت هذا الاسم طوال تاريخها.
الأهرام في سبتمبر
حمل رفعت إسماعيل في بداية الحلقة الثالثة جريدة الأهرام، وإذا ما تغاضينا عن الخطأ الغريب المتكرر بأن يتطابق كلا العنوانين الفرعي والرسمي حملت الجريدة خطأ آخر.
بالطبع لم يكن في حقِّ رئيس التحرير الأشهر محمد حسنين هيكل، وإلا كانت مصيبة، وإنما أمرٍ آخر.
من خلال بعض العناوين الفرعية في الصفحة نعلم أننا في شهر سبتمبر، وبالعودة إلى أرشيف الأهرام ومطابقة كافة الأعداد التي صدرت في شهر سبتمبر خلال هذه الفترة، لم تتطابق محتويات الصفحة (باقي العناوين الخبرية وليس المانشيت الأول) مع أيٍّ منها، وكان الحدث الأبرز خلال هذا الشهر هو الثورة الليبية الوليدة ومؤتمر القمة العربية في الرباط.
وهو ما سيقودنا إلى مفارقة أخرى، وهي أن ليبيا خلال اندلاع ثورتها العسكرية ستكون آخر مكان يصلح لاستضافة مؤتمر طبي دولي، خاصةً في ظِل بحث المنظمين عن «مكان هادئ ومستقر» بعيدًا عن سماء مصر المكفهرة بالسُحب.
علم ليبيا
نتابع في هذا المشهد رفع علم ليبيا خلال فترة الملكية (تمت الاستعانة به مُجددًا خلال ثورة عام 2011م على القذافي)، ذي الألوان الثلاثة الأحمر والأسود والأخضر، وفقًا للدستور الليبي الصادر عام 1951م، وحمل النجمة والهلال اللذين لطالما رفعهما آل السنوسي في علم إقليمهما المستقل، وفيما بعد عُمِّم هذان الرمزان على علم استقلال ليبيا بأسرها التي أُعلن إدريس السنوسي ملكًا عليها حتى انقلب عليه معمر القذافي في 1969م.
تؤكد معظم الروايات التاريخية أن القذافي استبدل علم السنوسي بآخر شبيه بعلم مصر ذي ألوان ثلاثة، هي الأحمر والأبيض والأسود، إعلانًا فوريًا بتأثره بثورة يوليو في مصر.
لا نعلم يقينًا متى وقع هذا التغيير، وإن كان من الوارد جدًا أن يكون قد تمَّ في الأيام الأولى لانقلاب القذافي الذي أعلن في خطابه التأسيسي الأول لحركته إلغاء دستور 1951م، كما أنه من المستبعد تمامًا أن يسمح القذافي برايات ملك انقلب عليه للتوِّ بأن تُخيِّم على حدثٍ دولي تستضيفه أرض بلاده.
فيلم «قنديل أم هاشم»
عندما دخل رفعت إسماعيل بصحبة خطيبته هويدا إلى السينما، عرضت الشاشة لقطات من فيلم قنديل أم هاشم وهو ما يستحيل حدوثه في ديسمبر 1969م.
في ذورة حماس عمرو سلامة لإيجاد نوعٍ من التوافق بين رفعت إسماعيل وبين شكري سرحان بطل أحلام هويدا، والذي يخوض تجربة الإعجاب بفتاة أجنبية خارج بلاده كماجي، غفل المخرج عن عامل أساسي وهو التاريخ.
فوفقًا لموسوعة السينما، عُرض الفيلم لأول مرة في السينمات يوم 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 1968م، وبالتالي كي يكون هذا المشهد منطقيًا علينا قبول أن هذا الفيلم ظلَّ في السينمات، وكذلك مُلصقاته الجدارية سليمة وزاهية، لمدة تقارب العام، وهو إنجاز تجاري لم يفعله من قبل إلا فيلم «خلي بالك من زوزو» لسعاد حسني الذي عُرض في السينمات لمدة عام وأسبوعين.