الانتخابات الهندية: لماذا لا يفشل ناريندرا مودي؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
أمس أُسدل الستار على الانتخابات البرلمانية الهندية، التي حُسمت نتائجها باكتساح لصالح حزب رئيس الوزراء المنتهية ولايته ناريندرا مودي. يمثل مودي معضلة مزدوجة للمتابعين للشأن الهندي، فهو يرفع شعار النيوليبرالية الاقتصادية بيد، وبيده الأخرى يؤجج مشاعر القوميين الهندوس المتعصبين، ويعتبرهم حاضنته الشعبية.
ورغم هذه الازدواجية الفجة لا يزال مودي متمتعًا بشعبية محلية ودولية واسعة، ولا تزال المعارضة بعيدة عن منافسته أو إقصائه. في هذا التقرير يشرح الباحث توماس كراولي باستفاضة تقسيمات السياسة الهندية، مناقشًا أسباب فشل المعارضة في هزيمة مودي.
نص التقرير
تنقسم وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة حول رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، وحزبه السياسي «بهاراتيا جاناتا (BJP)»، إذ شارفت ولايته التي استمرت خمس سنوات على الانتهاء، وخلال الأسابيع القليلة الماضية، اتجه المصوتون في جميع أنحاء البلاد إلى صناديق الاقتراع لانتخاب برلمان جديد، وظهرت نتائجه أمس 23 مايو/آيار بفوز حزب بهاراتيا جاناتا*. ورغم عدم انتخاب رئيس الوزراء مباشرةً في الهند، فإن العديد من المعلقين من داخل البلاد وخارجها يرون الانتخابات كاستفتاء شعبي لبقاء مودي، الذي قاد تغييرًا جذريًّا في السياسة الهندية. ببدء السباق، ذي السبع المراحل وخمسة أسابيع، عكفت الصحف الأمريكية كالنيويورك تايمز والتايم فورًا على إظهار دعمهم أو تجريم التنديد بـمودي. فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية، يعتبر مودي نيوليبراليًّا مثاليًّا، سعيدًا بمتابعة أولويات إصلاح البنك الدولي، ومستعدًا لجعل الهند أكثر انفتاحًا على الاستثمار الدولي. أما في القضايا الاجتماعية، فهو غير ليبرالي بلا شك. بصفته من أتباع القومية الهندوسية أو الهندوتفا، يشجع مودي الجماعات القومية العنيفة التي كانت مهمشة في السابق، كحراس القتلى المسلمين و الداليت (الذين اعتبروا سابقًا «منبوذين» من هندوس الطبقة العليا)، يشجعهم على اغتيال المفكرين والنشطاء المناهضين للخرافات، في الشوارع، و القبض على قادة الطلاب بتهم ملفقة، وتتعرض كل من المؤسسات الإعلامية و الحكومية للضغط بشكل متزايد حول الاتجاه السياسي. يمثل مودي لغزًا في الأسواق الأمريكية الرئيسية، فهو نيوليبرالي في زي شديد القومية. قررت صحيفة التايمز تقسيم الاختلاف، إذ أشادت مقالة مطولة بكل ما فعله مودي لتحرير الاقتصاد الهندي، و مقالة أخرى موازية تستهجن نتائج الحكم القومي الهندوسي لخمسة أعوام. اتبعت صحيفة التايم هي الأخرى النهج المخادع المتناقض نفسه، إذ نشرت قصة مؤخرًا تستنكر شقاق مودي، مصحوبة بمقال يمتدح أجندته لـ «إصلاح اقتصادي».من المثير للدهشة أن صحيفة الإيكونومست اتخذت موقفًا أكثر ثباتًا تجاه مودي، معارضةً ترشحه في عامي 2014 و 2019. أدرك المنشور الرأسمالي بامتياز حقيقة بسيطة مختلفة عن الآخرين: من المستحيل تفكيك الجوانب الاقتصادية والاجتماعية لسياسة مودي. منذ توليه رئاسة الوزراء لولاية كجرات، أوضح مودي اتجاهه: مزيجًا من النيوليبرالية المصاحبة لتجارات كبرى، وكبرياء هندوسي عدواني، أثار رعبًا شديدًا إثر مذابح ضد المسلمين في كجرات عام 2002، ولا تزال إدانة مودي في هذه المذابح موضع نقاش. لم تجد تحقيقات الدولة غير المتحيزة على الإطلاق أي دليل على تورطه، لكن سمعته الملطخة كانت كافية لدفع العديد من الحكومات بما فيها الولايات المتحدة لحرمانه من تأشيرة الدخول. وفي الانتخابات الوطنية لعام 2014، سعى مودي لطرح صورته كـ «جزار كجرات»، وإعادة تسمية نفسه بـ «رجل التنمية»، بطل التنمية الاقتصادية. على الرغم من تحول نبرته، فإنه لم يتخلَّ أبدًا عن التزامه بالقومية الهندوسية اليمينية. وكيف يمكنه ذلك؟ فهو مدين بنجاحه لفترة نشاطه في «المنظمة الوطنية للمتطوعين»، وهي مجموعة ذات تأثير أعلنت تأييدها الشديد للحشود القومية الهندوسية. إذا كانت بداية «التنمية» لعام 2014، في وجود القومية الهندوسية الدائم في الخلفية، يبدو أن ظهورها في 2019 غيَّر الوضع. في الاجتماعات الأخيرة لمساعد مودي الأول أميت شاه -سيد الحيل القذرة الذي تمكن من الإفلات من تهم قتل متعددة– حث الجماهير على التصويت لصالح الأمن القومي بدلًا من التنمية. اختيار حزب بهاراتيا جاناتا للراهب الهندوسي المثير للجدل «براجيا سينغ تاكور» كمرشح برلماني يشير إلى اعتناق الحزب صراحة للهندوسية القوية. يصرح تاكور -الذي ينتظر حاليًا محاكمة بسبب دوره المزعوم في التخطيط لتفجير مدمر عام 2008- بسلسلة من تصريحات تحريضية، واصفًا قاتل غاندي بالوطني. بينما يقف كل من مودي وحزبه بثبات على اتجاهين مزدوجين هما النيوليبرالية والهندوتفا، تشير هذه التصريحات إلى احتمالية تحولهم إلى الأخير. لا يفاجئ هذا التحول النقاد اليساريين لحزب بهاراتيا جاناتا، الذين توقعوا تأكيد مودي على أوراق اعتماده للهندوتفا بمجرد أن يتضح خواء مزاعمه الاقتصادية. لا يشكك اليساريون وحدهم في مزاعم مودي بتحقيق «التنمية» من خلال النمو الاقتصادي، كما بدأت الشكوك تراود الشركات الهندية. في 2014، كان قادة الأعمال الهنود أكثر من راغبين في التغاضي عن الجوانب البغيضة لقومية مودي الهندوسية، تقديرًا لأجندته الموالية للشركات. جورشاران داس -المدير التنفيذي السابق لشركة «بروكتر آند جامبل انديا Procter & Gamble India» وشاعر الرأسمالية الهندية- اعترف بالكثير في مقال صريح مفاجئ. في 2019، ربما لا يزال حزب بهاراتيا جاناتا الطرف المفضل لرأس المال، لكنه فقد بعضًا من بريقه. موكيش أمباني، أغنى رجل في الهند، ورئيس مجلس إدارة التكتل الهندي «ريليانس إنداستريز Reliance Industries»، أيد مرشح حزب المؤتمر المنافس في الانتخابات الحالية. في الوقت نفسه، على مدى الخمس السنوات الماضية، شكك العديد من الاقتصاديين الرئيسيين البارزين -ليسوا أعداء للرأسمالية- في سياسات حزب بهاراتيا جاناتا، وعبروا عن شكوكهم بشأن صحة البيانات الاقتصادية الحكومية. في فبراير/ شباط، عبَّر كبير الاقتصاديين السابقين في البنك الدولي كوشيك باسو عن قلقه إزاء الأنباء التي تفيد بإخفاء الحكومة المتعمد للمعلومات المتعلقة بالبطالة، وفي هذا الشهر، أشارت سلسلة من التقارير إلى أن الاقتصاديين حول العالم لا يثقون في أرقام إجمالي الناتج المحلي للحكومة الهندية. تضفي هذه التطورات مصداقية على تحليل الباحث والناشط «شنكر جوبال كريشنان»، الذي جادل طويلًا حول فشل الإصلاحيين النيوليبراليين الهنود، ليس فقط في توفير إصلاحات واسعة على المعيشة، لكن أيضًا في تحقيق هدفهم الضيق المتمثل في إنعاش إجمالي الناتج المحلي. كان جوبال كريشنان واضحًا حول ما يعنيه هذا، متنبئًا: «مع انخفاض شعبيتها، يبقى الطريق الواضح لهذه الحكومة هو اللجوء إلى مزيج من إشاعة الخوف والقمع، ما يثير هستيريا، إلى جانب القمع الشديد للمقاومة والمعارضة». هذا ما حدث، إذ عزز حزب بهاراتيا جاناتا كلًّا من قوميته وخطاب الهندوتفا. إذا تصرف حزب بهاراتيا جاناتا كما هو متوقع، فقد أثارت مقاومته مزيدًا من المفاجآت. ليست المقاومة نفسها المفاجئة، فالمشروع النيوليبرالي ومشروع القومية الهندوسية كانا محل خلاف عميق في دولة تتميز بالتنوع الهائل والتعقيدات الإقليمية. مع ذلك، وبعد انتخابات 2014، كانت معارضة حزب بهاراتيا جاناتا ضعيفة بشكل ملحوظ، فجرى القضاء على اليسار البرلماني، بما فيه الحزب الشيوعي الهندي، والحزب الشيوعي الهندي الماركسي، وحزب المؤتمر -الذي كان ذات يوم الحزب الوطني الغالب، لكنه الآن قوة موالية وبدون أيديولوجية- دعم ما بدا ضربة حاسمة. بات حزب بهاراتيا جاناتا اليوم لا يقهر، حتى لو توقع معظم المعلقين فوزه في الانتخابات، فمن هي إذن المعارضة؟ لا يزال اليسار البرلماني ضعيفًا على المستوى الوطني، فخُلعوا من ولاية البنغال الغربية، التي كانت معقلًا لهيئة تدابير الصحة النباتية. دفعت كراهية كوادر الهيئة للحزب الحاكم الحالي للولاية، دفعتهم بشكل مقلق إلى أحضان حزب بهاراتيا جاناتا، ومع ذلك، حتى مع تضاؤل فرصهم الانتخابية، قدمت الهيئة بعض المفاجآت، أبرزها مسيرة المزارعين الضخمة التي أبرزت استياء الفلاحين عبر عقود من السياسات النيوليبرالية. إذا وجدت هيئة تدابير الصحة النباتية بعض النجاحات غير المتوقعة في الحراك الجماهيري، فسيحاول حزب الشعب الكمبودي -كان ذات يوم الحزب الشيوعي الوحيد في الهند، والآن مجرد بناء قديم، طمسته الهيئة انتخابيًّا منذ زمن- يحاول تغيير مخزونه الانتخابي. احتل حزب الشعب الكمبودي عناوين الصحف باختياره «كانهايا كومار» -الطالب الناشط الموهوب الذي اشتهر بالقبض عليه بتهم فتنة زائفة- كمرشح للمنطقة الريفية في شمال الهند التي ينحدر منها كومار. هذا الاختيار مثير للجدل، ليس فقط لـ «القوميين» الذين يرون كومار غير وطني، لكن أيضًا بعض النشطاء التقدميين ومناهضي الطائفية، الذين يجادلون بأن كومار الذي ينتمي إلى الطبقة المهيمنة في منطقته، يتغلب على المرشحين من ذوي الأصول المضطهدة.كانت العلاقة بين اليسار والحركة المناهضة للطائفية متوترة تاريخيًّا، وللأحزاب الشيوعية تحديدًا تاريخ طويل (مع بعض الاستثناءات) من إهمال مركزية الطائفة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية الهندية. لا تزال الفجوة بين الحركتين واسعة، وستواجه الحركات الساعية لتقاربهما العديد من التحديات. لكن النبأ السار هو أن المزيد من المجموعات تواجه التحدي. على سبيل المثال، في ولاية تيلانجانا الجنوبية، انضمت هيئة تدابير الصحة النباتية إلى العديد من الأحزاب السياسية اليسارية والمناهضة للطائفة، لتشكيل جبهة بوهجان اليسارية، وهو تشكيل حظي بتأييد قوي من كانشا إليه شيفر، وهو باحث في معاداة الطائفية. رغم ضعف أداء الجبهة في الانتخابات التي أجريت على مستوى ولاية تيلانجانا في ديسمبر/ كانون الأول 2018، فقد عملت على بناء الدعم الشعبي في الفترة التي سبقت انتخابات هذا العام. تلقت جبهة بهوجان اليسارية دعمًا قويًّا من السياسي براكاش أمبيدكار، حفيد زعيم الداليت الكبير باباساهب أمبيدكار. في ولايته ماهاراشترا، يخوض براشكا تجربته الخاصة، بتشكيل «فانشيت بهوجان أغادي Vanchit Bahujan Aghadi» بدعم من سياسي مسلم بارز «أسد الدين أويسي». يهدف التحالف السياسي الجديد إلى الجمع بين الطبقات والطوائف وأصحاب الأديان المهمشين في دولة كانت مهدًا لكل من القومية الهندوسية والقومية المناهضة للطائفية. ككل التجارب، لدى هذه التجربة مؤيدون ومنتقدون، فلا زال حجم الدعم الذي يمكن حشده للانتخابات غير واضح. يبدو أن كلمات أنطونيو غرامشي الذي كثيرًا ما أشرت إليها مناسبة هنا: «تتمثل الأزمة تحديدًا في حقيقة أن القديم يموت ولا يمكن أن يولد الجديد، في هذه الفترة الفاصلة، تظهر مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأعراض المرضية». من الصعب التفكير في أعراض أكثر سقمًا من عودة ظهور المشروع القومي الهندوسي الاستثنائي العنيف، في أكبر ديمقراطية في العالم. على المستوى الانتخابي، هناك عجز محبط في وجود بديل مقنع، لكن هناك بريق مولود جديد. هل ستتمكن هذه الحركات الناشئة من البقاء لخمس سنوات أخرى من حكم مودي؟ هل سيكون هناك خمس سنوات أخرى من حكمه؟ هناك إجابة عملية لهذه الأسئلة، والتي من المفيد تذكرها. بمصطلحات انتخابية بحتة، لا يضمن غياب المعارضة فوز حزب بهاراتيا جاناتا. وتعليقًا على سلسلة فشل الحزب في الانتخابات على مستوى الولاية العام الماضي، أشار العالم السياسي سهاس بالشيكار «لا ينتظر الناخبون بديلًا مثاليًا، فعلى عكس المُنظِّرين، الناخبون على دراية بعملهم: الاختيار بين الخيارات المتاحة بدلًا من الانتظار حتى ظهور خيار أفضل، ما قد يظهر نتائج غير دقيقة، وبالطبع لن يحدث تحولات كبيرة، لكن ربما يطيح برواية حزب بهاراتيا جاناتا ».كما أشار بالشيكار وآخرون إلى أن هزيمة حزب بهاراتيا جاناتا في صناديق الاقتراع ليس كافيًا، بالنظر إلى نجاح الحزب في إعادة تعريف الهندوسية والديمقراطية والممارسات الاقتصادية، لكنها خطوة أولى حاسمة، تخلق مساحة حرة لظهور جديد، وتحول حقيقي.