«خدش الحياء»: القمع في مصر يرفع لافتة جديدة
قضت محكمة الجنح المستأنفة يوم 20 فبراير/ شباط 2016 بحبس أحمد ناجي عامين مع الشغل، وتغريم طارق الطاهر، رئيس تحرير جريدة «أخبار الأدب»، عشرة آلاف جنيه، بعدما نشر ناجي في شهر أغسطس/آب 2014 فصلًا من روايته «استخدام الحياة» في جريدة «أخبار الأدب».
مراقبة الإبداع
من المسئول عن رقابة الإبداع في مصر؟، وكيف تنظم الرقابة على الأعمال الإبداعية؟. الكثير من الأسئلة التي من الممكن أن يتم طرحها في ذلك الشأن، فمنذ متى ظهرت الرقابة على الإبداع وعلى أي أساس تتم الرقابة؟.
تنظم المادة 67 من الدستور المصري الحالي حرية الإبداع في مصر وتنص على أن:
حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك.
حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك. ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها، إلا عن طريق النيابة العامة. ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها. وللمحكمة في هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائي للمضرور من الجريمة، إضافة إلى التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها، وذلك كله وفقًا للقانون.
تتم أعمال الرقابة على الأعمال الإبداعية في مصر من خلال جهازين رئيسين؛ وهما جهاز الرقابة على المصنفات الفنية والذي يتبع وزارة الثقافة، وجهاز الرقابة على المطبوعات والذي يتبع وزارة الإعلام.
وفيما يخص جهاز الرقابة على المصنفات الفنية فهو الجهاز المسئول عن رقابة الأعمال السمعية والسمعية البصرية في مصر، وينظم العمل في هذا الجهاز اللائحة التنفيذية التي أصدرها مجلس الوزراء بقرار رقم 126 لسنة 1993، ويتكون الجهاز من ثلاث لجان، لجنة القراءة، لجنة المشاهدة، لجنة التظلمات.
وقد وضعت اللائحة عددًا من المحظورات التي لايمكن الترخيص بأي عمل فني يحتوي عليها، وهي:
- الدعوات الإلحادية والتعرض للأديان السماوية.
- تصوير أو عرض عامل الرذيلة أو تعاطي المخدرات على نحو يشجع على محاكاة فاعليها.
- المشاهد الجنسية المثيرة وما يخدش الحياء والعبارات والإشارات البذيئة.
- عرض الجريمة بطريقة تثير العطف أو تغري بالتقليد أو تضفي هالة من البطولة على المجرم.
وفيما يخص جهاز الرقابة على المطبوعات، فهناك الكثير من الأسئلة حوله والتي لا توفر الدولة أية إجابات حولها، فمتى نشأ الجهاز؟، ولماذا يتبع الجهاز وزارة الإعلام ولا يتبع وزارة الثقافة على الرغم من أنه مسئول عن الكتب وليس الصحف؟.
كما أن الرقابة لا تتوقف على هذين الجهازين وفقط على الرغم من مسئوليتهما الرئيسة عن القيام بأعمال الرقابة، فهناك تدخل من الأجهزة الأمنية والسيادية والمؤسسات الدينية، إلى جانب سلسلة طويلة ومقعدة من الإجراءات التي يجب أن يلجأ إليها أي راغب في تقديم أي عمل إبداعي في مصر سواء كان مرئيًّا أو مسموعًا أو مقروءًا. هذا بالإضافة إلى الكثير من الكلمات الفضفاضة في نصوص تلك القوانين والتي من شأنها تعطيل ومنع أي عمل إبداعي مثل الحياء العام والآداب العامة.
من البراءة إلى الحبس
القضية رقم 1954 لسنة 2014، تحول على إثرها الروائي والصحفي أحمد ناجي وطارق الطاهر، رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب، إلى محكمة الجنح، بعدما نشر ناجي في شهر أغسطس/آب 2014 فصلًا من روايته «استخدام الحياة» في الجريدة. وكانت النيابة العامة قد وجهت إليه تهمة نشر مقال بغرض «العرض والتوزيع» يحتوي على مادة كتابية خادشة للحياء العام، بعدما قدم أحد المواطنين بلاغًا ضد ناجي والطاهر بأن فصل الرواية المنشور يخدش حياء المجتمع، وكانت أولى الجلسات يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2014.
الصحفي والروائي أحمد ناجي
وفي يناير/كانون الثاني 2015 قضت محكمة جنح بولاق أبو العلا (أول درجة)ببراءة أحمد ناجي وطارق الطاهر، وقالت المحكمة في حيثيات حكمها بأن حرية التعبير وتفاعل الآراء التي تتولد عنها لا يجوز تقييدها بأية قيود مسبقة أو لاحقة، إلا أن النيابة العامة قد قدمت استئنافًا على الحكم الصادر، وقد قضت محكمة الجنح المستأنفة يوم 20 فبراير/ شباط 2016 إلغاء حكم البراءة وحبس أحمد ناجي عامين مع الشغل وتغريم طارق الطاهر عشرة آلاف جنيه.
كيف سنواجه؟
الكثير من القلق والترقب من قبل المبدعين المصريين والصحفيين واكب الحدث، وخاصة على الأعمال التي تحمل رأيًا شخصيًّا مما يسد شرايين الإبداع والتعبير عن الآراء في مصر. وقد كانت هناك العديد من ردود الأفعال السريعة عقب صدور الحكم.
أصدرت كلّ من مواقع مدى مصر، وقل، وزائد 18، وزحمة بيانًا مشتركًا عقب الحكم على الروائي أحمد ناجي، وقالوا في بيانهم أنهم تصوروا أن المثقفين في مصر بعيدون عن حالة الهستيرية التي تحكم بها الحكومة الحالية البلاد، خاصة وأن مواد الدستور تكفل حرية الإبداع وتحميها. وأنهم يرون في الحكم محاولة لنشر الخوف بين صفوف المصريين فلم يعد للمجتمع سوى ثقافته، بعدما انهارت السياسة والاقتصاد بفعل الحكام وفقًا لتعبيرهم.
كما دعا عدد من المثقفين على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر دار القضاء العالي بوسط القاهرة، وحرق أعمالهم الإبداعية سواء كانت نصوصًا أدبية أو صورًا فوتوغرافية أو مرسومة وأي نوع من الأعمال الإبداعية الأخرى، اعتراضًا على الحكم الصادر بحق زميلهم أحمد ناجي.
هناك الكثير من القضايا الحيوية التي تغض الدولة البصر عنها.
كما أضاف عددٌ من المنضمين إلى الحملة أن هناك الكثير من القضايا الحيوية التي تغض الدولة البصر عنها، مثل قضايا الاختفاء القسري والقتل خارج القانون، ويتم إهمال ذلك كله والحكم بالحبس على كاتب ومنع الكثير من الكتب ومصادرتها.
كما طالبت نقابة الصحفيين بإلغاء الحكم الصادر ضد أحمد ناجي، وقال الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، أن الحكم يدل على أننا دولة ذات وجهين، وجه ينادي بسيادة الدستور والقانون، والآخر لا يعترف لا بدستور ولا بقانون ويعيد إصدار الأحكام القضائية التي أودت بحياة نصر أبو زيد وفرج فودة، وفي نفس القضية قاضٍ يبرئ وآخر يصدر حكمًا مشينًا، وهذا أمر يجعلنا نسأل أنفسنا عن «معتقدات القضاة» الحقيقية ما بين المؤيد لدولة مدنية حديثة وآخر إخواني الهوى.
مُنع على مر التاريخ بمصر
هناك الكثير من القضايا على مدار التاريخ المصري التي حاولت الدولة محاكمة المبدعين بسبب إبداعهم، قد ترجع تلك القضايا إلى عام 1926 عندما نشر عميد الأدب العربي طه حسين كتابه (في الشعر الجاهلي) والذي عدّله فيما بعد ليصبح (في الأدب الجاهلي)، وتم تحويل طه حسين إلى النيابة العامة للتحقيق معه فيما نشره في الكتاب. وعلى الرغم من حفظ القضية ومرور ست سنوات على نشر الكتاب؛ أي عام 1932، إلا أن وزير المعارف آنذاك قرر نقل طه حسين من الجامعة ليعمل مستشارًا بوزارة المعارف ثم أصدر مجلس الوزراء بالتعاون مع مجلس النواب قرارًا بفصل طه حسين من وزارة المعارف للانتهاء من تلك القضية تمامًا.
وفي يناير/كانون الثاني 2012 تم الحكم على الممثل عادل إمام بالحبس لمدة ثلاثة أشهر وتغريمه 1000 جنيه، بتهمة الإساءة إلى الدين الإسلامي في عدد من أفلامه ومسرحياته، على الرغم من مضي العديد من السنوات على إنتاج وعرض تلك الأعمال، وقبلها بعام وبالتحديد في إبريل/ نيسان 2011 تمت مصادرة عدد من الكتب مثل كتب دار البستاني ودار العين.
فهناك سلسة طويلة من المصادرات والمراقبات على الإبداع في مصر، ويبدو أنها لا ترتبط بحاكم أو نظام. إلا أن النظم المتعاقبة على مصر خشيت بشكل دائم الأدب والكلمة، فالفنون هي الأكثر تأثيرًا في المجتمعات، حيث تصل من خلالها الأفكار بسهولة و في سرعة. فتحاول الأنظمة أن تفرض وصايتها على المجتمع وكأنه غير قادر على تحديد ماذا يقرأ وماذا يخدش حياءه، وكأن المجتمع يجب أن يقف على مقياس واحد من الأدب والأخلاق والحياء ولا يجب أن يتنوع ويعبرّ عن تنوعاته تلك.
- سالي الحق، حسام فازويلا، الواقع والخيال، حرية الفكر والتعبير، 2014