في رثاء د.أحمد خالد توفيق (شعر)
عزيزي عراب الجيل/ د.أحمد خالد توفيق …
أنا أعرف يقينًا أن كلماتي لن تصل إليك، على الأقل إلى أن يرث الله الأرض وما ومن عليها. وأعرف كذلك أن كلمات معظم اللغات تعجز عن الإحاطة الكاملة بما اعترى جيلنا من شجنٍ لفقدك فجأة وسط هذا الخضم من الجنون المتوحش الذي ابتلع آمالنا وأحلامنا وحرارة انفعالاتنا، وجزيئات الموصلات الكيميائية المسئولة عن السعادة – بل كل المشاعر – في عقولنا.
لكنني لا أملك إلا أن أحزن، ولا أملك إلا أن أُسطِّر هذا الحزن ما استطعتُ إلى ذلك سبيلًا، وبدموع القلب، إن أصيبت الغدد الدمعية بالشلل. وهذا حقيقةً ليس رثاءً لك، إنما رثاءٌ لنا من بعدك، ودفقةٌ من احتقان الروح لم أملكْ كتمانها.
ولضعف حصيلتي، وعجز بضاعتي، تحايلتُ على الأمر، فقررت تزيين أبياتي الفقيرة بحروف اسمك في مطالعها، وإضاءتها في خواتيمها باللقب الذي أجمع على اختصاصِك به جيلُنا الذي هان، وهانت قضاياه النبيلة على الجميع إلا عليك، وعلى ثلةٍ قليلة من العظماء الأوفياء.
إلى الله نشكو تطاولَ الظلامِ والظُّلَّام، وحرمانَنا من مُقام الأنقياء الأعلام. وثقتنا فيه تامة أنه سُيذهب زَبَد الأوغاد جُفاءً، وينفعنا بمكوث حصيلة الأعمار النبيلة في الأرض، تعوضنا عن غيابِ غُرّاسِها الأحباء.
أتْوك يتامى والقلوبُ جوازعُ :: بأشجانِ جيلٍ أنهكتْهُ الفواجــــــعُ
حَــــــيارَى، ثكالَى، أثخن الدهرُ فيهم :: يُكذِّب كلٌّ نفسَهُ وينازعُ
مُــــــــدادٌ من الحزنِ النبيل ودعوةٌ :: تحفُّ بقبرٍ آنستْهُ المدامـــــــعُ
دليلٌ بصحراء الوجود تركتنا :: بليلٍ مقيمٍ والرزايا قواطـــــــعُ
***
خـبيرٌ بوجدان الشباب نسجْتَهُ :: خيالًا، وآمالًا، وحُلمًا مسطَّــــــرا
أقمت بدنيانا عوالمَ جَمَّةً :: بإبداعِ قلبٍ في رُبى الروح أزهــــــــرا
لـــيالٍ قضيناها نشدُّ رحالَنا :: بأرجائها، ننسى الزمانَ المُقفِــــــــرا
دواوينَ إمتاعٍ وعلمٍ بذرتها :: فأنْبَتْنَ آلافَ البراعم في الذُّرا
***
تـــوفَّاكَ باريك الذي قد عبدْتَه :: بنثر المعاني الغُرِّ في الألبابِ
وآزرْتنا بالحق في كل موقفٍ :: وقد أصبحت آمالُنا كسرابِ
فــــهيهاتَ أن ننساكَ يا من ذكرْتنا :: وأنفقتَ فينا العمرَ دون حسابِ
يُــــــعاديكَ أنجاسُ البريَّةِ بينما :: تجوبُ الفضاءَ الحر مثلَ شهابِ
قـــــــريبًا على بعدٍ وذكراكَ بيننا :: رحيقٌ جليلٌ من شذى العرابِ