رغم أن تعداد سكان موناكو أقل من أربعين ألف نسمة، ومساحتها الشريطية قد تُقطَع على الأقدام في ساعتين أو ثلاث، إلا أن ناتجها القومي أعلى من دول تربو على أضعافها سكاناً ومساحةً.

هذه الإمارة المستقلة التي تسميها مواقع السفر «جوهرة الريفيرا الفرنسية» تتشابه اقتصاديًا مع باقي بلدات الريفيرا وتختلف أيضًا، ومن غير خوضٍ في تفاصيل إحصائية، يكفي القول إن متوسط دخل الفرد هناك ليس فقط الأعلى في العالم، بل إن ثلث سكان الإمارة من المليونيرات، حسب مؤشر (Global Wealth-Insight) لكثافة المليونيرات في العالم.

إلى موناكو

كان القطار ممتلئًا عن آخره، فأغلبُ العاملين في موناكو وزائريها أمثالي يقيمون في مدينة نيس، فلا أحد سيدفع أضعاف إيجار السكن ليتجنب نصف ساعة في المواصلات سوى الأثرياء.

تخرج من نفق المحطة في موناكو فإذا بك وسط المدينة تمامًا، فهي ثاني أصغر دولة في العالم، يُطِل عليك من تلة مونتي كارلو تمثالٌ منحوتٌ لحارسة الإمارة وأيقونتها «القديسة المكرسة» (كانت ضحية بارزة لاضطهاد المسيحيين الأوائل)، وبجوار التمثال كنيستها المبنية في القرن السادس عشر على أنقاض أخرى من القرن العاشر.

كنيسة موناكو (العذراء المقدسة)

كانت باقة البيانات قد انتهت في يوم واحد كما يحدث دائمًا مع خطوط أوروبا المؤقتة، فلم أستطع تحميل الخريطة، ولم أجد مفرًا من سؤال عجوز في طريقها إلى الكنيسة: «أين قصر الإمارة؟»

أشارت بيدها يمينًا إلى أعلى وهي تهرول ككل الأوروبيين، فاتجهت كما أشارت إلى الطريق الصاعد للهضبة، إذ بقي على تغيير حرس الشرف أقل من ساعة، وكان مرسى يخوت موناكو الشهير، عبر الشارع وهضبة مونتي كارلو، على بعد مئات الأمتار إلى اليسار.

اكتسبت موناكو اسمها قبل الميلاد بستة قرون من الإله (هرقل مونيكوس) عندما كانت ميناءً رومانيًا، وتضم أربعة أحياء حسب التقسيم القديم أو أحد عشر حسب الجديد، أحدها هي العاصمة بنفس الاسم (موناكو فيل)، وكنت ككثير من الناس لا أعرف الفارق بين مونت كارلو وموناكو حتى قبل أسبوع من زيارتي هذه.

ميدان القصر

هناك أكثر من طريق لصعود الهضبة أجملها ممشىً مدرج من جهة شارع ألبير الأول، وفي مدخله نقطة بوليس تحسبها مكتبة من فرط الأناقة، والممشى يدور مع الهضبة فيكشف جزءًا جديدًا من المدينة والميناء كلما صعدت، حتى تصل إلى القمة حيث قصر الإمارة وساحته المطلة على الريفيراتين، الفرنسية والإيطالية.

صخرة موناكو – الطريق الي القصر

بدأ تغيير الحرس قبل منتصف اليوم بخمس دقائق -موعده الذي لم يخلفه منذ قرنين وعامين تمامًا- كان الحشد يتابع الجند في زي الشتاء الأسود بسعادة على الوجوه وأيدٍ على آلات التصوير، وكان الحرس يخطو على وقع الطبول وعلى هدى أشكال الحصى المرسومة على أرض الساحة، ينقلون البنادق من كتف لآخر ثم يخفضونها كلما صاح النفير، حتى حلّ الحرس الجديد محل الذي انتهت نوبته ودقت ساعة البرج تعلن منتصف النهار.

ساحة الحرس الأميري

كانت المراسم رغم جمالها أبسط من مثيلاتها في ممالك أخرى، كتغيير حرس قصر باكنغهام مثلاً، إلا أنه يناسب إمارة صغيرة يزيد حرسها على المئة بقليل، بينما عدد القوى الشرطية بما فيها أولئك الحرس خمسمائة من الجنود والضباط من كل الرتب، وهذا العدد وإن كان متواضعًا إلا أنه أعلى المعدلات الأمنية في العالم مقارنة بعدد السكان.

بُنيَ أول مباني القصر (سيرا فالي) كحصن متقدم للدفاع عن جنوة، حتى تسلل النبيل المنفي «فرنسوا غريمالدي» ونفرٌ من أتباعه في زي الرهبان، ليستولي عليه باسم الكرسي البابوي، ومنذ القرن الثالث عشر وتاريخ القصر مرتبط بتاريخ الغريمالدي، تتعاقب عليه إضافاتهم كونه مقر الحكم وسكنهم الوحيد في نفس الوقت، حتى انتهى إلى هذا المزيج من عمارة الحصون، وطرازي عصر النهضة الوقور والباروك الغني بالتفاصيل. تلتف جميعها حول أهم مزارات موناكو السياحية (Place du Palais)، وفي النهاية فالقصر هو الأصغر على الإطلاق بين قصور الحكم في أوروبا.

أما من الداخل، فعندما يكون العلم منخفضًا على سارية برج القديسين فهذه علامة على غياب الأمير، تُفتَح أبواب القصر للعامة ليشاهدوا ما يضم من متاحف وقاعات، مقابل تذكرة يزيد سعرها عن 6 يورو، منها متحف لتذكارات نابليون يضم عشرات الآلاف من القطع، وكنيسة يوحنا الملحقة بالقصر بما تضم من أيقونات، وقاعة المرايا المبهرة، التي تشبه مثيلاتها في قصر فرساي، والصالون الأزرق وقاعة الديباج الحمراء، بما فيهم جميعًا من ديكور ولوحات كبار التشكيليين، ثم أكبر غرف القصر: غرفة العرش، يتوسطها كرسي العرش بمظلة من الحرير الأحمر وتاج ذهبي، يعلوهم رسم بكامل السقف يصور استلام الإسكندر لعرش الإمبراطورية. وفي النهاية غرفة النوم الملكية التي تزين جدرانها جدارية الفصول الأربعة، ثم الأثاث من العصور الفرنسية الثلاث الشهيرة: لويس الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر، متعة حقيقية لهواة الفن والديكور والعمارة.

هذا هو الجزء الحكومي من القصر، أما الخاص فتسكنه أقدم عائلة مالكة في أوروبا، هم إخوة الأمير الحالي ألبرت وزوجته، وقد عدّل أبوه رينيه الدستور ليسمح للإناث بتولي الإمارة عندما رُزقَ بابنتين مع ألبير.

تساءلت صحيفة الإندبندنت قبل سنوات: هل يشهد قصر غريمالدي ذات يوم أميرًا أسمر البشرة؟ وكان ألبير قد اعترف بأبوته لألكسندر طفله من مضيفة الطيران «نيكول كوست»، التوجولية الأصل، فانتقل بهذا الاعتراف من وضعية الابن اللقيط إلى وضعية شرعية.

هضبة موناكو

على بعد خطوات من الميدان تقع كاتدرائية موناكو -لا يتسع المجال لوصف عمارتها سوى أنها رائعة التصميم- وهي الكنيسة الرسمية التي بها تعقد مناسبات الغريمالدي الدينية، وبها كذلك دفن الأمير رينيه الثالث بجوار زوجته جريس كيلي، ثم حديقة «إكسوتيك» المدهشة، مزروعة على منحدر حاد يطل على البحر بنباتات جُلبت من أنحاء العالم، كالغار الكرزي من اليابان والصبار من جزر الكناري وشجرة الفيل الهندية التي تشبه أوراقها آذان فيل ضخمة.

ثم تستريح على أحد مقاعدها المطلة على المتوسط، وحولك طيور النورس القادمة مثلك من سفر طويل.

الرواق الأوسط لكاتدرائية سان نيكولاس

لم أُطِل الراحة رغم روعة المنظر فما زال بالإمارة الكثير. الهضبة نفسها لا تقتصر على المباني الشهيرة، بل إن حيها السكني المحيط بساحة القصر بمبانيه البسيطة والمطلية بالألوان الباهتة من الأصفر والزهري، ودرفات نوافذها باللونين الأحمر والأخضر الباهت كذلك، كأنها لوحة رُسمت بألوان الباستيل بيد فنان، وليس بيد عامل دهان.

الحي السكني بجوار الكاتدرائية

أما المتاحف، فإن موناكو على صغرها تضم ما يصعب على العد، فضلاً عن الزيارة: متاحف للتاريخ وللسفن والسيارات، وللطوابع البريدية والعملات أيضًا، والتفاصيل متاحة على الشبكة، وكذلك سعر التذكرة والمواعيد، فمن الحكمة قراءتها وحسن اختيار ما يستهويك، فتذكرة بعضها 14 يورو، وبعضها مجاني أيضًا: كمتحف موناكو القديمة، الذي يعرض حياة السكان الأصليين (Les Monegasques) وتراثهم الثقافي.

متحف (الأوقيانوغرافي)

لكن حتى من لا تستهويه المتاحف سيقف متأملاً أمام المتحف الأكثر شهرة في موناكو، متحف علم المحيطات (Océanographique)، الذي يشرف على البحر من منحدر شاهق بارتفاع خمس وثمانبن مترًا وواجهة مليئة بتفاصيل الطراز الباروكي الجديد، وبعد جولة حول المبنى من الخارج والداخل لا تعجب أن بناءه استغرق أحد عشر عامًا ومائة ألف طن من حجر الألب القريب.

واجهة المتحف من أفنيو سان مارتن

أمّا المعروضات، فسيكون وصفها مُخلاً، إذ يجب أن تُرَى، فكيف تصف مائة حوض وزيادة تعرض آلاف الأنواع من الأسماك والشعب المرجانية وأحياء مائية كالأخطبوطات وقنديل البحر وأنواع عديدة لا أُحسِن معرفتها.

في هذا المتحف، كما في نواحٍ عديدة في الإمارة تظهر أيدي الغريمالدي، فقد بناه الأمير الأسبق ألبرت الأول، الذي كان شغوفًا بالملاحة وعلوم المحيطات، فترى في إفريز الواجهة عشرين سفينة بحثية معروفة لعلم المحيطات اختارها بنفسه، ثم أضاف الأمير السابق رينيه الثالث عام 1957 بحيرة القرش دعمًا لحياة هذه السمكة وتبديدًا لصورتها النمطية كأسماك قاتلة، فتشاهد عرضًا إيضاحيًا لصيدها الجائر رغم دورها في توازن البيئة، فتعلم أن الإنسان هو أخطر على حياة تلك الأسماك منها على حياته.

إمارة السيارات

بين الإمارة والسيارات علاقة وطيدة بدأت مع انطلاق سباق سيارات فورميلا وان-موناكو عام 1929، ففي مايو/آيار من كل عام موعد سباق (F1)، ثم مرة أخرى في يناير/كانون الثاني موعد رالي مونت كارلو الدولي تتحول شوارع الإمارة الرئيسية إلى أحد مراحل السباق (Circuit de Monaco) الذي يضم قلب المدينة أمام ميناء (La Condamine) وشوارع مونت كارلو، وتُسخَّر كل الإمارة للحدث.

منصة الجمهور أمام الميناء

هذه الحلبة هي أكثر مراحل السباق إثارة بسبب المنحنيات والارتفاعات والمسار الضيق الذي يستحيل فيه على المتسابق تخطي الذي أمامه، ثم نفق يتحدى السائق بالتباين بين ظلمته وضوء النهار، تحدٍّ ليس من قبيل الدعاية التشويقية، فقد أودى بالنمساوي «رولاند راتزنبرجر» والبرازيلي «آيرتون سينا» عام 1994، وهما من أكثر السائقين خبرة. وكان قد سبقهما الإيطالي الليبي «لورنزو​ بانديني» في مأساة أخرى، فليست طرفة قول النقاد:

لولا أن موناكو أُدرجت قديمًا، لما أُدرجت اليوم بسبب المخاطر المحيطة بالحلبة التي لا تتطابق وقوانين السلامة الجديدة للاتحاد الدولي.

ومرة أخرى يُرى دعم الأمير رينييه الثالث لهذه الرياضة وشغفه بجمع السيارات منذ شبابه، حتى تجاوز عدد مجموعته النادرة المئة سيارة واستمرت في الزيادة، ثم قرر عام 1993 أن يُشرِك الجمهور في شغفه هذا بعد أن ضاق عليه مرآب القصر، فنقل مجموعته إلى متحف عام، مُضيفًا مزارًا جديدًا إلى معالم موناكو يبهر السائح وهو يمر بمجموعة من موديلات من عام 1903، وسيارات تسابقت في الفورميلا في أعوام مختلفة، وسيارات الزفاف الملكي… إلخ. وهذا المتحف في منطقة «فونتفيل» غير بعيد عن القصر، فلا ينبغي على محبي السيارات وجمال التصميم بشكل عام أن يفوِّتوا هذه المجموعة الفريدة من نوعها عالميًا.

كما لا تنقطع المسابقات الرياضية الأخرى التي تتابعها الصفوة عن الإمارة على مدار العام، وجُلها من الجوائز الكبرى كماسترز التنس والجولف والمباريات الدولية للملاكمة، وبالطبع لن يفوتها بطولات ألعاب الورق كالبريدج وجولة البوكر الأوروبية وما شابه، فلا ينقطع بالتبعية توافد أثرياء العالم على الإمارة.

العمارة والتخطيط

الباص المفتوح (Hop-on-off Bus) وسيلة مريحة لرؤية المزارات الشهيرة، ويصحبه دليل سياحي يسرد عنها، وتدوم هذه الرحلة ساعتين بتكلفة أقل من ثلاثين يورو، لكن يمكن تجربة وسيلة أكثر إثارة وهي المواصلات العامة، التي هي أجمل ما في مدن الريفيرا جميعها، فثمن التذكرة يورو ونصف من أول المدينة إلى آخرها، بل تظل صالحة لساعة وربع أو أكثر طالما أنت راكب، حتى لو بدّلت من باص لآخر أو حتى إلى ترام، سوف يتيح ذلك مسارًا أكبر من السياحة شريطة أن تكون أنت دليل نفسك فتقرأ مسبقًا عن المدينة (مثال: الباص رقم 2 يصل إلى آخر المدينة عند متحف الأنثروبولوجي (Musee D’Anthropologie Prehistorique).

أتاحت لي هذه الجولة رؤية حقيقة مدن أوروبا وراء البرنامج المثالي الذي ترسمه شركات السياحة، بما فيها من عيوب، أما في موناكو فلا تزداد إلا إعجابًا كلما تعمقت الحافلة. كيف تصرف المهندسون مع طبيعة حادة لسفح جبال الألب التي لم تترك إلا شريطًا ساحليًا ضيقًا؟ تبدو الحياة سلسة رغم الشوارع المنحدرة والمنحنيات المفاجئة، فلمعظم البنايات حدائق ومداخل للسكان وأُخرَ لمرائب السيارات، بل قد زادت المدينة جمالاً بتباين المناسيب بين مواقع البناء (Contour Lines).

أثرى التاريخ وموقع موناكو الفريد (من حيث كونها في مهب الغزوات الإيطالية والإسبانية) تنوعًا معماريًا واسعًا بالنسبة لبلد صغير، حيث أثرى مبانيها بطرز متنوعة، ناهيك عن الطرز الفرنسية الكثيرة في حد ذاتها، سترى طراز القرون الوسطى (Medieval) في مسرح «فورت أنطوان»، ثم طراز جنوة في قلعة موناكو، ثم طراز عصر النهضة وكذلك التأثيرات الإسبانية والإيطالية، مما لا يتسع المجال لذكره.

أوبرا مونت كارلو

ثم أتت حقبة (1879) Belle Époque بالتأثير الأكبر على المدينة، وهو ما يظهر في أعمال المعماري الفرنسي «تشارلز غارنييه»، كدرة المدينة كازينو مونت كارلو الشهير والمبنى المجاور له (Grand Concert Hall) المعروف بأوبرا مونت كارلو، وكذلك أعمال المعماري «ماركيو» بتصميماته الشهيرة، كفندق (Hermitage) الذي بُني على طراز القصور.

فندق (Hermitage)

فضلاً عما سبق، فقد جذبت قوانين الإمارة المالية والضريبية أثرياء العالم بأموالهم إلى بنوكها، حتى وصلت مساهمة القطاع المصرفي في الناتج المحلي 16%، ومع هذا الزخم تضاعف السكان بوتيرة متسارعة خلقت طلبًا مفاجئًا على البناء، مما ولّد بدوره ضغطًا على التصميم المعماري، فترى حداثة الطابع كلما توغلت الحافلة على حافة الألب الذي زحف إليها العمران.

مونت كارلو

علي بعد دقائق سيرًا من قصر الإمارة، وعلى الهضبة المقابلة تقع «مونت كارلو»، أحد أفخم المنتجعات في العالم، أو «جبل كارلو» كما سُمي تيمنًا بمؤسسها شارل الثالث (1856-1889)، وهي أحد أقسام إمارة موناكو الأربعة من الناحية الإدارية.

يسكنها بشكل مستمر أقل من أربعة آلاف، أغلبهم موظفو شركة (SBM) مالكة الكازينو وأكبر الفنادق، أمّا المساكن الممتدة داخل الألب فيملك أغلبها أثرياء من أنحاء العالم يروحون ويجيئون على مدار السنة.

الطريق الصاعد إلى مونت كارلو

وفي القلب من منتجع مونت كارلو يقع الكازينو الذي يحمل اسمه، وهو غني عن التعريف، على الأقل لمشاهدي أفلام الحركة، فقد ظهر في ثلاثة أفلام من سلسلة جيمس بوند وحدها، بالإضافة إلى العشرات غيرها، ربما آخرها الفيلم الكوميدي «مونت كارلو» عام 2011، الذي يعبر عن حلم زيارة الإمارة في مخيلة الأمريكيين، كمثال على سمعتها الدولية، حيث يحاول مجموعة من الشباب تحقيق هذا الحلم عبر الادخار من دخلهم الشخصي.

ميدان الكازينو (La Place de Casino)

من قبل اصفرار الشمس وحتى بعد منتصف الليل، ينجذب من في الإمارة كالفراش إلى ضوء الكازينو ومحيطه، فلا مكان بالإمارة أجمل ولا آنس منه للمشاهدة المجانية أو لأكثر من ذلك إن سمحت الميزانية، فمن الحديقة المقابلة ترى القادمين للسهر والمقامرة، يأخذ النادل سياراتهم إلى المَرْآب، أما الملفتة للنظر، كالبورش والمزاراتي أو الرياضية، فتُرَص عمدًا أمام الكازينو للإبهار والدعاية، فتصيبك عدوى الانبهار الجماعي، حتى إن كنت من أهل الخليج العربي واعتدت هذه السيارات أو حتى تملك مثلها، ستُفاجأ بنفسك تنضم لأولئك الذين يلتقطون الصور ويغبطون أصحابها على حظهم من الدنيا.

حديقة الكازينو… ومقهى باريس على اليسار

وان حظيت بطاولة على (Café de Paris) المكتظ، فقد تلمح بجوارك وجهًا سياسيًا أو سينمائيًا معروفًا، ولك أن تطلب كوبًا من الشوكولاتة أو القهوة الفرنسية، ولا تطمح لأكثر منها إن كانت سياحتك اقتصادية.

تُفضي صالة الكازينو الرئيسية ذات طراز عصر النهضة إلى صالات القمار وصالات الألعاب الكهربائية التي يدخلها معظم السائحين. ولا تحزن إن سألك الأمن عن جواز السفر، فهذا ليس تمييزًا ضدك هذه المرة بل لأهل البلدة، فالقانون يمنع عليهم دخول الكازينو والمقامرة.

فرغم أن القمار قد أنقذ اقتصاد الإمارة في وقت من الأوقات إلا أن الأميرة رأت فيه فسادًا أخلاقيًا يجب ألا يكون متاحًا لسكان الإمارة، ويتندر أهالي البلدة على ذلك بأنها أشبه بشركة تبغ لا تقبل أن يكون موظفوها مدخنين.

صالة الكازينو الرئيسية

يضم الميدان بخلاف الكازينو نوادي قمار أصغر ودار الأوبرا ذات النقوش المذهلة والجداريات والتماثيل، بالإضافة إلى عدة مبانٍ تلتف حول حديقة النخيل، وكأشعة شمس تشع من الميدان شوارع مشاة لا تقل عنه إبهارًا، تحفل بالماركات الأصلية للأزياء والمجوهرات، فالمدينة جنة أولئك الذين يُفتنون بالأسماء في صناعة الأزياء، مثل هيرميس، ولوي فيتون، وغوتشي، وشانيل، وبرادا… إلخ، ولم أسر فيها بالطبع بغية التسوق، فهذه المحلات لا علاقة لها بالتخفيضات ولا بجمعة التسوق السوداء، إلا أن في موناكو من أمتع الأشياء أن ترى كيف يعيش الأغنياء، فهذا هو المكان الأنسب إذا انتابك حب الاستطلاع.

شوارع التسوق في مونت كارلو

وأخيرًا، فإن إحدى المتع المجانية في بلد الأثرياء هذه، هي عبور الشارع، فما إن تضع قدمًا لتعبر الطريق، حتى تتوقف السيارات بلا تبرم ولا ضيق، تتمتع برؤية الفيراري والبوجاتي ومحركاتها دائرة بانتظار وصولك إلى الرصيف بسلام، وسائقوها يتمتعون برؤية الغبطة في عينيك.

خاتمة

رغم أن موناكو ملكية دستورية، تقع المهام التنفيذية فيها على الوزير الأول، إلا أن حضور عائلة غريمالدي ظاهر في كل مجال وكل نمو، فعلاوة على ما سبق تُقام بدعمهم المباشر مجموعة من المعارض والعروض الموسيقية تجعل من الإمارة لؤلؤة مضيئة بالفنانين والأثرياء طوال العام، بل حتى الشئون البلدية يضطلع بها ما يسمى بـ Principality بدلاً من الـ Municipality في كل بلاد الدنيا، إشارة إلى رجوع سلطتها إلى الأمير، ومؤخرًا ومع ضيق محيط الكازينو بالسائحين تدرس الإمارة عمل توسيعات عن طريق ردم البحر لإضافة فنادق ومرسى يخوت وزيادة الواجهة البحرية، فربما يرى الزائر الدائم للمنطقة في السنوات القادمة مونت كارلو أخرى غير التي يعرفها.