في ذكري وفاتها: هؤﻻء أعدن إحياء أغاني «صباح»
أن يعيد المطرب غناء أغنيات من زمن العمالقة، فهو سلاح ذو حدين، خطوة ستبقى مثيرة للنقاش والجدال، من بين مؤيد ومعارض، من بين تقديمها بتوزيعات جديدة، أو الوقوع في فخ التقليد، وبين مهمة إعادة إحياء الأغاني القديمة، وتقديمها للجيل الجديد بشكل يتماشى مع ما يسمع الآن، في النهاية هي مغامرة من الفنان في كل حال من الأحوال.
مع «صباح» كان هناك أكثر من مشروع واضح لإعادة أغانيها، المشهور منها والنادر أيضًا. أمر صعب أن تغني أي مطربة لصباح، الصوت الذي كان لا يخشى أي صوت يقف أمامه، بما فيهم «نصر شمس الدين» أو «وديع الصافي»، هي بنت الجبل صاحبة الصوت القوي، وهي اللبنانية ملكة الدلع والغنج والغناء بكل أنوثة وغواية، بالإضافة لجمالها وطلتها الساحرة، إنها حقًا الأسطورة صباح.
ريما خشيش: صباح في السينما
كانت أول من غنت أغاني صباح في شكل عمل متكامل، في مهرجان دبي السينمائي 2010، وكان المهرجان يكرم الست صباح، وطلب من «ريما» تغني أغاني من أفلام صباح، تكريمًا لمسيرتها السينمائية، فغنت 11 أغنية من أغاني صباح في الأفلام. كان التنوع أساس اختيار ريما للأغاني، فغنت باللهجة المصرية، واللبنانية، والتنوع أيضًا في الملحنين، فجمع الألبوم ألحان منير مراد، بليغ حمدي، سيد مكاوي، محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش.
وغنت ريما هذه الأغاني مرة ثانية في «مهرجان ربيع بيروت» التابع لمؤسسة سمير قصير، وقررت أن تسجل الأغاني، لربما تطرحها في ألبوم، وهذا ما حدث، وظهر ألبوم لريما خشيش تغني فيه صباح، وهو تسجيل حي لهذه الحفلة.
«ريما» هي الطفلة التي تربت على الغناء الشرقي، فكان والدها عازف قانون، وانضمت وهي صغيرة إلى فرقة بيروت للتراث، ودرست الموسيقى العربية الكلاسيكية في المعهد الوطني العالي للموسيقى «الكونسرفاتوار» في بيروت، ونشاهدها وهي تغني وهي طفلة بكل سلاسة وتمكن، فكانت قادرة على غناء صباح بكل تمكن وحرفية.
رغم بعد ريما عن فكرة دلع صباح في أغانيها، لم تهَب هذا الدلع، وغنت الأغاني بكل حرفية وثقة وتمكن، لم تغير في توزيع الأغاني أيضًا، كان تكريمًا لصباح حقًا، وكانت خطوة موفقة من ريما لطرح الألبوم في الأسواق عام 2012 تحت اسم «من سحر عيونك»، وهي الأغنية الأقرب لقلب ريما.
رويدا عطية: بنت سوريا تغني لصباح في حضورها
مع مهرجان «بيت الدين» عام 2011، وتكريم الدلوعة صباح، قامت المطربة السورية «رويدا عطية» بغناء 24 أغنية متنوعة لصباح في حضورها، وكان العرض يتضمن استعراضات، تمكنت رويدا من أغاني صباح وخاصة الأغاني اللبنانية والتي يمكن بها الموال الجبلي، لم تقلد صباح في الصوت، غنت كما تغني وكان واضحًا تمكنها من الغناء وامتلاكها صوتًا قويًا قادرًا على غناء أغاني صباح، وكان العرض تحت قيادة الموسيقار إحسان المنذر.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تغني فيها رويدا لصباح،فقد شاركت في برنامج «سوبر ستار» عام 2001، غنت فيه «عاشقة وغلبانة»، وقد رُشحت للقيام بدور البطولة في مسلسل «الشحرورة» قبل «كارول سماحة»، ولكنها هذه المرة ستغني في مهرجان بيت الدين أمام الحضور الكثيف، والأصعب أنه أمام صباح.
بدأت رويدا بأغنية «يا بيت الدين»، وغنت حوالي 24 أغنية متباينة بين الشكل الجبلي والشعبي والمصري والطربي، مثل «مسيناكم»، و«عني يا منجيرة»، و«لما ع طريق العين»، و«عالندا»، و«ساعات ساعات»، وبدأت رويدا تغني بكل خفة محاولة تقليد بهجة صباح على المسرح. كما غنت بعض أغاني صباح النادرة أو غير المشهورة، مثل أغنية «الهوا شو قليل الذوق» وهي بالأصل اسمها «فستاني الحرير» وهي من مسرحية «موسم العز» 1960. وغنت أيضًا أغنية «بدك ياني ابكي» من ألحان إحسان منذر.
في النهاية قدمت رويدا عرضًا نال استحسان الجمهور، والأهم إنه نال إعجاب صباح، وكان اختيار رويدا اختيارًا صائبًا رغم أنها سورية نجحت في إضافة هذه الحفلة والمهرجان لتاريخها الفني.
رولا سعد: توزيعات جديدة
أما «رولا سعد»، فتمكنت من إعادة صباح «حرفيًا» للغناء مرة ثانية، وغنت معها أغنية «يانا يانا» من توزيع «طوني سابا»، وتم عرض كليب الأغنية ونجحت بالطبع لوجود صباح على الشاشة الفضية، ثم شاركتها في كليب لأغنية «دلوعة»، توزيع طوني سابا أيضًا، هكذا كانت بداية ألبوم «رولا تغني صباح» 2012.
هذه العلاقة الحميمة والجميلة بين صباح والمطربة اللبنانية الشابة رولا سعد، كانت سببًا في إنجاز هذا العمل، كانت خطوة جريئة ومغامرة، أن تعيد رولا توزيع أغاني صباح، ولكنها ذكية أيضًا أن يحدث ذلك برفقة صباح نفسها، وأن تغني معها في أغنيتين مصورتين، وتقدم مقدمة الألبوم بنفسها، كل ذلك ساعد في نجاح هذه التجربة الجديدة.
قدمت رولا 14 أغنية لصباح بتوزيعات جديدة، تنوعت في اختياراتها، واستخدمت رولا الدلع كي تقترب من صباح، ولكنها لو كانت نجحت في الاقتراب من دلع صباح، فكان من الصعب أن تقترب من صوت صباح الجبلي، ربما ساعدتها التوزيعات الجديدة في تفادي مشكلة الصوت.
لم تكتفِ رولا بهذه المجموعة من الأغاني، لكنها قدمت 7 أغاني خاصة بالأطفال، زاوية جديدة لصباح، صباح تغني للأطفال، واختارت أغاني مشهورة كأغنية «حبيبه أمها» لفريد الأطرش أو «أمورتي الحلوة» لبليغ حمدي.
كما قدمت أغاني نادرة لصباح تغنيها للأطفال، مثل «عطيني يا تيتا»، «ماما»، و«يا ملعمتي»، ليس فقط باللغة العربية فاختارت أغاني باللغة الفرنسية أيضًا، مثل «Stop Taxi D’amour»،و«Sauté Petit Lapin»، كل ذلك وهي تعيد توزيع الأغاني بما يتناسب مع الموسيقي الحديثة.
ثلاث تجارب مختلفة في الشكل والصوت والأداء، حتى لو تشابهت الأغاني بين المطربات الثلاث، ثلاث تجارب شاهدتم «صباح» بعينها لإعادة أغانيها مرة ثانية، مرة في شكل استعراض، ومرة في شكل أغاني الأفلام، ومرة بتوزيعات جديدة وشبابية، بعيدًا عن الحكم الفني عن الثلاث تجارب، أو محاولة الاقتراب من صوت صباح، أو تقليدها، لكنها تأكيد على أهمية صباح وأغانيها، التي تحولت إلى تراث لبناني وعربي، حتى قبل رحيلها.