في معسكرات النازحين بدارفور: الجوع أقل قسوة من «البشير»
جمهورية «دارفور للاجئين»
تمتلئ صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي بمئات القصص المأساوية عن اللاجئين السوريين وغيرهم. ولكن لا أحد منّا يعلم أن هذه القصص ما هي إلا شعائر يومية عادية في معسكرات النازحين في دارفور، التي بات معظم سكانها يعانون مرارة النزوح والعيش بعيدا عن بيوتهم.
في ولايات دارفور الخمس يوجد حوالي 105 معسكرات للنازحين، بعضها يقع خارج سلطة الدولة، ويتعامل سكانها مع قوات اليوناميد (بعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور) والمنظمات الأجنبية فقط.
وتأتي ولاية شرق دارفور في المقدمة من حيث قلة عدد المعسكرات، إذ يوجد بها معسكر واحد للنازحين به حوالي 100 ألف نازح، يُعرف بمعسكر «النيم». تليها ولاية شمال دارفور التي توجد بها خمسة معسكرات. ثم ولاية غرب دارفور، وتوجد بأراضيها تسعة معسكرات للنازحين. أما ولاية جنوب دارفور فتحوي عشرة معسكرات (من ضمنها معسكر كلمة). وأخيراً تستأثر ولاية وسط دارفور بأكبر عدد من معسكرات النزوح من بين ولايات دارفور، وتضم 21 معسكراً للنازحين بها حوالي 370 ألف نازح، حسب إحصائيات برنامج الغذاء العالمي.
مآسي نازحي دارفور
بمجرد خروج المرء من بيته ومدينته مُجبرا بسبب ويلات الحروب والدمار، وانتقاله للعيش داخل معسكرات جماعية، يُدرك أن حياته قد استحالت إلى بؤسٍ دائم، ولكنه لم يكن يدري أن البؤس الحقيقي في دارفور يبدأ في معسكرات النازحين.
- يتعرض سكان معسكرات دارفور بشكل دائم إلى تراجع في حصص الغذاء المُقدمة من برنامج الغذاء العالمي، وهو ما يؤدي إلى انتشار الأمراض وانخفاض مناعة السكان هناك. فنتيجة لأن الكثير من النازحين بالمعسكرات لا يجدون ما يسدون به رمقهم بعد انتهاء المواد الغذائية القليلة التي تُمنح إياهم، يتعرض الأطفال والحوامل هناك إلى أمراض عديدة منها سوء التغذية والملاريا والإسهالات المعوية.
- تعاني المرأة بشكل واضح في معسكرات دارفور، فمعظم النساء هناك لا يجدن فرص عمل حتى أعمال «اليومية»، وذلك عقب انسحاب عدد من المنظمات التي كانت توفر لهن أجورهن. كما أن هناك معاناة كبيرة في عمليات الولادة التي كشفن عن أنها تجرى بطرق بدائية، مع عدم وجود أطباء مختصين في أمراض النساء والتوليد بالمعسكر.
- أما المدارس هناك، فتبدو متشابهة في كل شيء، فالفصول معظمها مُشيَد من المواد المحلية، وتبدو بصمات المنظمات التطوعية أكثر وضوحا من لسمات الدولة، و90% من المدراس مختلطة، وتشكو الفصول من الاكتظاظ والزحام، ويفترش التلاميذ الأرض في عدد كبير من هذه المدارس، التي تعاني أيضا نقصا حادا في الكتب المدرسية وأعداد المعلمين. ويقول الأطفال هناك إنهم في الخريف يعانون الأمرين بسبب تساقط الأمطار، وفي الشتاء يصابون بنزلات البرد، وذلك بسبب الفصول القشية المُشيدة على رمال تنخفض درجات حرارتها في الشتاء وترتفع في الصيف.
- أما المياه، فهي كارثة إنسانية أخرى، فدائما هناك صفوف طويلة بمحطات المياه بالمعسكرات، ورغم أن النساء هن الأكثر وجودا بهذه المحطات، فإنه يوجد أيضا الكثير من الأطفال الذين يحمل بعضهم «جراكن» المياه ثقيلة الوزن، مما قد يُعرضهم لأمراض في الظهر.
- يشكو النازحون أيضا من اندلاع النيران بصورة مستمرة ودون توقف في منازلهم المُشيَدة من المواد المحلية «حطب وقش»، وظلت النيران تلتهم أعدادا كبيرة من المنازل والمرافق خاصة المدارس، وهو الأمر الذي يزيد معاناة المواطنين، ويتمنى النازحون القاطنون بالمعسكر أن توفر لهم السلطات عربة إطفاء لإخماد النيران التي تشتعل دون أسباب معروفة.
- قد يرى البعض أن الظروف المعيشية الصعبة التي يعانيها سكان المعسكرات هي أهون مشاكلهم إذا ما قورنت بالوضع الأمني هناك. حيث تحتوي معسكرات النازحين على كم هائل من السلاح، يحمله النازحون الذين يحملون رؤى سياسية متناقضة. فهناك استقطاب سياسي حاد يُمارس داخل هذه المعسكرات، ويشمل ذلك كل الحركات المسلحة في دارفور، وبما أن السلاح متاح، فإن النزاعات المسلحة تحدث بشكل مستمر، مما يُعرِّض حياة السكان هناك للخطر الدائم.
معسكر «كلمة» وجرائم نظام البشير
يقع معسكر كلمة في مدينة نيالا، وهي مدينة تقع في غرب السودان، وهي عاصمة ولاية جنوب دارفور، وتعتبر ملتقى للطرق التي تمر من شرق السودان إلى غربه ومن جنوب دار فور إلى شمالها، وتنتهي عندها سكك حديد السودان غربا، وهي مدينة تجارية، وهي مركز لتجارة الصمغ العربي.
ويقع معسكر كلمة على بعد مسافة 12 كيلومترا تقريبا شرقي مدينة نيالا، وهناك روايتان بالنسبة لعدد سكان المعسكر، فهناك مصادر تدّعي أنه يحوي 95 ألف نازح، ومصادر أخرى تدّعي أن به حوالي 180 ألف نازح.
ويعتبر 70% من النازحين أطفالا ونساء وشيوخا عجزة، وغالبية النازحين بالمعسكر ينتمون إلى قبيلة الفور، التي تضرر أفرادها كثيرا من تداعيات الحرب في دارفور منذ عام 2003. إضافة إلى ذلك توجد مجموعات أخرى مُقدرة من غالبية قبائل ولاية جنوب دارفور من ذوات الأصول الأفريقية المتأثرة بالصراع.
وقد ظلت المجموعات النازحة بمعسكر كلمة تقوم بجهود مُضنية لكشف الحقائق ذات الصلة بالأوضاع الإنسانية المزرية بدارفور للرأي العام المحلي والعالمي، ليصبح معسكر كلمة من أشهر المعسكرات بدارفور، كما قامت المجموعة النازحة بالمعسكر باختيار شيوخ لها يؤدون أدوارا مهمة للدفاع عن حقوق النازحين المنتهكة والمطالبة بتصحيح الأوضاع الإنسانية، وصار نظام الحكم في الخرطوم من خلال آلياته السلطوية بولايات دارفور عامة وفي ولاية جنوب دارفور على نحو الخصوص ينظر إلى معسكرات النزوح بأنها تمثل خطا موازيا للسلطة وإضعافا لهيبتها.
لذلك، تعرّض معسكر كلمة للنازحين في السابق لعدة محاولات لإفراغه، من دون أن تضع السلطات المحلية المعنية بدائل لإيواء النازحين، كما أن الخطط لإخلاء المعسكر كانت تعتمد على المباغتة، مما يعنى تعريض النازحين للتشرد الجماعي بدلا من الوجود الجماعي بالمعسكر، وكانت مجزرة أغسطس/آب 2008 إحدى هذه المحاولات.
ففي 25 أغسطس/آب 2008، قامت سلطات ولاية جنوب دارفور بتطويق واقتحام معسكر كلمة، تحت ذريعة وجود عصابات تمركزت بالمعسكر، وأن لديها أسلحة ثقيلة ومتطورة، وتشكل بذلك خطورة على أمن الولاية. وادّعت السلطات أنها حصلت على أمر قضائي يسمح لها بالتفتيش.
ولقد ترتب على هذا الهجوم، الذي اُستخدم فيه أعداد ضخمة من الجنود وسيارات الدفع الرباعي المزودة بجميع أنواع الأسلحة سقوط حوالي 60 قتيلا، وإصابة ما يقارب 170 آخرين.
وفي أعقاب إحياء سكان المعسكر للذكرى الـ 9 لهذه المذبحة، قام الرئيس السوداني – المسئول الأول عن المذبحة من وجهة نظر سكان المعسكر – بالإعلان عن نيته لزيارة «كلمة» وإلقاء كلمة هناك. وهي الخطوة الذي وصفها المحللون قبل الزيارة بأنها مُستفِزة، وتهدف إلى إثارة غضب السودانيين هناك.
وبالفعل، فقد دلف الرئيس السوداني إلى المعسكر يوم 22 سبتمبر/أيلول 2017، ليرتكب رجاله مذبحة جديدة في حق سكان المعسكر.
حيث اندلعت مظاهرات حاشدة رافضة لزيارة البشير، أغلقت معها الطريق الرئيسي هناك، مما دفع بقوة قوامها 65 عربة عسكرية بقيادة قائد الفرقة 16 مشاة «حيدر محمد» للاشتباك مع المتظاهرين وإطلاق النار عليهم. مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص وجرح أكثر من 30 آخرين، وفقاً لبيان حركة العدل والمساواة.