في البرازيل: كرة القدم بين أجراس الكنيسة وصافرة الحكم
أليكساندر باتو في حوار صحفي يقص ذكريات أول يوم له في غرفة ملابس ميلان الإيطالي.
لم يكن يعلم البرتغالي «بيدرو ألفاريس كابرال»، ذلك البحار الذي يزعم المؤرخون أنه من اكتشف بلاد السامبا، أنه سيؤثر ذلك التأثير البالغ في حياة البرازيليين بعد ذلك في كل شيء وليس فيما يتعلق بالثقافة أو اللغة فقط.
القصة بدأت في 1501 م عندما بدأت الرحلات الاستكشافية تتوافد على البرازيل لاستخراج الأخشاب وتصديرها لأوروبا ولكنها أرست شيئًا آخر في تلك الفترة وهو تسمية الجزر والأماكن بأسماء قدسية دينية، فالبرتغاليون هم من جعلوا من البرازيل بلد كاثوليكي، وقد بدأ من هنا ارتباط كل شيء في البرازيل بالدين خصوصًا مع حالة الفقر التي يُعاني منها قطاع كبير من الشعب البرازيلي، يزداد الأمل في النجاة والخلاص على يد الإله القوي الذي لن يقوى عليه أحد.
البرازيل هي أكبر أُمة كاثوليكية في العالم ذلك نتيجة فرض الكاثوليكية كديانة رسمية للبلاد عام 1824 م. في عام 1940 م كان الكاثوليك يُمثلون 99% من الشعب ولكن النسبة الآن انخفضت إلى 63% بسبب ازدياد نسب الطوائف البروتستانتية والخمسينية وحتى المسلمين وديانات أُخرى مثل «كاندومبلي» وهي التي جلبها الأفارقة الذين أتوا إلى البرازيل كعبيد للبرتغاليين.
تعبير بيلوس ينُم عن مدى ارتباط الشعب البرازيلي بالدين عمومًا كوسيلة للحياة وبالتالي له تأثير أيضًا على كرة القدم.
اللاتينيون عمومًا والبرازيليون خصوصًا عانوا كثيرًا كأطفال من العُنف والفقر، كما أنه لا يوجد تعليم على مستوى عالٍ وبالتالي كرة القدم هي الطريق الوحيد للنجاح والنجاة بأسرة كاملة، لذلك فإن حلم أي طفل برازيلي هو أن يصبح لاعب كرة ناجح ومشهور والوحيد القادر على تحقيق هذا الحلم هو الله، وبالتالي يقترن التدين بطريقة تحقيق هذا الحلم.
تعدد الطوائف المسيحية في البرازيل أتاح الفرصة لشيء ما يشبه التنافس لجلب عدد أكبر من مُعتنقي كل مذهب؛ الأمر الذي أدى لتغيير المذاهب لآرائها في قضايا عدة؛ مثل البروتستانت مثلاً كانوا يقولون إن كرة القدم هي «بيضة الشيطان»، الرأي الذي تغير حتمًا فيما بعد من الكنيسة البروستانتية بعد استحواذ اللعبة على قلوب الملايين من عشاقها في بلاد «الكوبا كابانا».
كما ذُكر سلفًا أن نسب البروتستانت زادت مُقارنةً بنسب الكاثوليك في الآونة الأخيرة في البرازيل، يُفسر بعض الدارسين تلك الظاهرة بأنها ترجع بشكل كبير لعدة عوامل أهمها تغيير مناخ المجتمع البرازيلي، وانتشار المبشرين وسط البيئات العاملة والأحياء السكنية، وزرع فكرة الروح الطاهرة وطرد الأرواح الشريرة. كما ربطها البعض الآخر بكرة القدم بعد كأس العالم 1994 والذي حققت لقبه البرازيل وكان المُنتخب يضم ستة لاعبين من «رياضيين من أجل المسيح» والتي تعتبر جماعة إنجيلية تتبع الطائفة البروتستانتية المحافظة وهم «زينهو ومازينهو وتافاريل وجورجينهو وموللر وباولو سيرجيو».
هذا التغيير في رأي طائفة مثل تلك في لعبة ككرة القدم ناتج عن مدى تأثير كرة القدم في الشعب البرازيلي وارتباطهم بها لدرجة أنه عندما أراد أحدهم التبشير أو الدعوة لمذهب ديني معين اختار ممثلون من كرة القدم لأنها تُبث لملايين على التلفزيون.
التغيير للأفضل
كما تعتقد الباحثة في العلوم الإنسانية بالجامعة الفيدرالية سانت كاترين أن كاكا يُفضل أن يكون قسًّا على أن يكون مُدرب كرة قدم، وأن جورجينهو بنى الكنيسة الخاصة به في ميونخ كإحدى الوسائل الفعالة للدعاية والتبشير لمعتقدهم الديني. تُضيف كارمن أن اللاعبين المُتدينين ينفقون عُشر أموالهم على الكنيسة وأي مُكتسبات من الإعلانات كذلك، فاللاعبون لديهم قناعة تامة أنهم يصبحون أكثر طاعة للمدرب نتيجة طاعتهم للإله، وبالتالي يحافظون على أجسادهم وبالتالي يستطيعون تقديم كل ما لديهم في كرة القدم.
الأكثر حماسًا
مئات اللاعبين مُنضمون لمثل تلك الجماعات الدينية ولكن كاكا ولوسيو عندما قاما بخلع القمصان بعد كأس القارات 2009 ومكتوب عليها «أنتمي للمسيح».
كما أن موللر لاعب المنتخب البرازيلي الشهير في التسعينات قد أصبح قسًا بعد اعتزاله كرة القدم بسنواتٍ قليلة، وكذلك الأسطورة البرازيلية ريفالدو والذي أسس كنيسة ضخمة في البرازيل.
كارلوس باروش أحد مُشجعي نادي ساو باولو البرازيلي ومُنظم جماهيري كبير في النادي.
دائرة مُفرغة
الأمر في البرازيل أصبح أشبه ما يكون بالدائرة المُفرغة، الطفل يتشبث بالدين ليُحقق أمانيه بلعب كرة القدم ليُنقذ نفسه وعائلته من الفقر، وعندما يُصبح لاعبًا لكرة القدم يدعو الكثيرين ليصبحوا مثله فيقتدي به كثير من الأطفال وهكذا.
علاقة كرة القدم بالدين -على الأقل في البرازيل- علاقة تبادل منفعة بحتة، فلاعب الكرة واللعبة بشكل عام تستفيد من اتباع تعليمات الدين من حيث المحافظة على الصحة والالتزام عمومًا، كذلك يستفيد الدين من واجهة لاعب الكرة المحبوب المُلتزم كوجه دعائي يُحسن صورة الدين المسيحي، ليس في ضواحي ريو دي جانيرو فحسب بل في كافة أنحاء العالم.