عمران خان وباكستان: الجماهير في مواجهة الدولة العميقة
تعيش باكستان أجواءً من التوتر على خلفية الاشتباكات العنيفة بين الشرطة والجماهير المحتشدة لحماية منزل رئيس الوزراء السابق، عمران خان، في مدينة لاهور، والتي أصيب خلالها العشرات من الجانبين.
وأعلنت الشرطة، الأربعاء، تعليق محاولات القبض على الرجل لعدة ساعات خلال مباراة كريكت في المدينة، بينما أظهرت لقطات شاركها حزب تحريك إنصاف الموالي لخان، استخدام الشرطة للغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه في محاولة لتفريق الحشد الجماهيري.
زعيم المعارضة
سبق أن حاولت الشرطة الباكستانية اعتقال زعيم المعارضة، عدة مرات خلال الفترة الماضية دون جدوى، ويشكو الرجل البالغ من العمر 70 عامًا من أنه صار مطلوبًا في دعاوى قضائية مرفوعة ضده، عددها يفوق سنين عمره، ويقول إن الحكومة تريد أن تضعه في السجن بأي ثمن لأن حزبه هو الأكثر شعبية.
ويعلن أن حياته مهددة، وأن الذين وقفوا وراء محاولة اغتياله في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ما زالوا في السلطة، وبالتأكيد لا يرى سببًا لتسليم رقبته طوعًا لمن يريدون قتله، ويحدد المتهمين الرئيسيين في هذه المحاولة، وهم رئيس الوزراء الحالي، شهباز شريف، ووزير الداخلية رنا ثناء الله، وضابط كبير في وكالة الاستخبارات.
وتصطف حول منزل زعيم المعارضة خيام يقيم بها أتباعه المرابطون لحمايته، مزينة بالعلم الباكستاني وعلم حزب تحريك إنصاف وصور زعيمهم المحبوب، ويقضي الناس وقتهم بين أنشطة إعداد وتوزيع الطعام وإلقاء الخطب السياسية وعقد المناقشات والإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام.
ويؤكد أعضاء هذه السلسلة البشرية أن المساس بزعيمهم خط أحمر، ويعلنون احترام القانون، لكنهم لن يسمحوا للحكومة الحالية باعتقال خان بسبب أي ادعاء ملفق، في إشارة لقضية يُحاكم فيها الرجل بتهمة التكسب بشكل غير قانوني من هدايا حصل عليها حينما كان رئيسًا للحكومة، لكن أنصاره يتساءلون عن سبب محاولة قوات الأمن اعتقاله قبل موعد المحاكمة بأربعة أيام!
وقد تحول إلى بطل قومي في نظر عشرات الملايين من الباكستانيين؛ لأنه يُنَصب نفسه مناضلًا ضد تجاوزات الدولة ومؤسسة الجيش والولايات المتحدة الأمريكية، وهنا يعمل الشعور بالظلم الجماعي كقوة موحدة للجماهير مختلفة المشارب خلف عمران خان.
وجاء هذا التعاطف الكبير معه نتيجة خطاباته الحماسية التي ترسخ لمظلوميته على يد الجيش وأصدقائه الأمريكيين، حيث اتهمهم بتحريك المعارضة ضده في أبريل/نيسان 2022 والإطاحة بحكمه عن طريق حجب الثقة عنه في البرلمان قبل أن يكمل مدته الدستورية، واختار تحالف المعارضة – بعد حصوله على الأغلبية – شهباز شريف ليكمل فترة الولاية المتبقية المقرر لها أن تنتهي العام الحالي.
ونظر الشعب لهذه الحركة كانقلاب مبطن تم بتخطيط من الجيش، مما أنتج رد فعل شعبيًّا غير مسبوق، وأثار حساسيات مجتمعية من الانقلابات التي لم تدع حاكمًا مدنيًّا منتخبًا يكمل ولايته الدستورية، فجاء عزل رئيس الوزراء السابق بمثابة دعوة للاستيقاظ لأمة معظمها غير مبالية، وتذكير صادم بأنه لم يتغير الكثير في ديناميات السلطة في باكستان على الرغم من تأكيدات المؤسسة المستمرة على عدم تدخلها في الشئون السياسية.
وبعد الإطاحة بخان في 9 أبريل/نيسان 2022، استقال نواب حزب تحريك إنصاف من البرلمان، واشتعلت الاحتجاجات في أنحاء البلاد، وارتفعت شعبية الحاكم المعزول، فاستعاد تعاطف الذين صوتوا له، وكان من المحتمل ألا يصوتوا له مرة أخرى، واكتسب مؤيدين جددًا.
وشهدت مدينة بيشاور أول تجمع احتجاجي مؤيد لخان في 13 أبريل/نيسان 2022، وحقق حضورًا جماهيريًّا كبيرًا، ونُظمت بعده عشرات التجمعات في جميع أنحاء باكستان، وأطلق مسيرات ضخمة شارك فيها ما يُقدر بعشرات الآلاف من مريديه.
وترصدت الحكومة المدعومة من الجيش للتيار المؤيد لخان؛ ففي 10 أبريل/نيسان، بعد ساعات قليلة من خلع خان داهم مجهولون منزل أرسلان خالد، الشخص المحوري في تيار رئيس الوزراء السابق على وسائل الإعلام الرقمية.
وفي 22 مايو، تم القبض على الدكتورة شيرين مزاري، أحد أكثر قادة حركة إنصاف صخبًا، بتهمة تتعلق بنزاع قديم على قطعة أرض، وفي 24 مايو/أيار، بدأت حملة الشرطة على قادة وعمال الحركة، وفي 9 أغسطس/آب، تم القبض على الدكتور شهباز جيل، أحد كبار مساعدي خان، وتعرض لتعذيب شديد.
في 12 أكتوبر/تشرين الأول تم القبض على السناتور عزام سواتي، المقرب من عمران خان، وإهانته بسبب تغريدة له ضد الجيش، وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول، اغتيل أرشد شريف، أحد أبرز الصحفيين الباكستانيين وأكثرهم شعبية، رغم فراره إلى كينيا عقب حظر برنامجه التلفزيوني الذي أشار فيه إلى تورط الجيش في عزل عمران خان.
وفي 25 يناير/كانون الثاني، تم اعتقال المتحدث باسم الحركة فؤاد تشودري بتهمة «التحريض على العنف ضد مسئولي مفوضية الانتخابات»، وتم عرضه في المحكمة مكبل اليدين ووجهه مغطًى بقطعة قماش سوداء، بالإضافة إلى اضطهاد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من أنصار حركة إنصاف، وملاحقتهم بالاعتقالات، والأحكام العقابية الفورية.
وفي 5 مارس/ آذار الجاري، منعت باكستان قنواتها التلفزيونية من بث خطابات رئيس الوزراء السابق، مع اتهامه بـ «نشر خطاب الكراهية»، ومع محاولة الحكومة اعتقاله مؤخرًا اندلعت الاحتجاجات في المدن الرئيسية في جميع أنحاء باكستان لدعمه بعدما نشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يطلب من أتباعه النفير لدعم حركته إذا تم اعتقاله.
انتخابات البنجاب
يرى مؤيدو عمران خان أنه الحاكم القادم، وأن أي محاولة لاعتقاله تعد إجراءً شديد العنف والفجاجة لمنعه من المطالبة بإجراء انتخابات عامة معروف مسبقًا أنه سيربح فيها.
ومن المقرر أن تتم انتخابات البنجاب الشهر المقبل، ويعد هذا الإقليم معقلًا له وهو أكثر أقاليم البلاد سكانًا ونفوذًا وثروة، ويعتصم الآلاف أمام مقر إقامة عمران خان في لاهور، عاصمة البنجاب لمنع الشرطة من اعتقاله.
وفازت حركة إنصاف في أكثر من انتخابات فرعية، وتشعر الحركة بثقة زائدة بسبب الشعبية الجارفة التي جعلت فوزها في أي انتخابات عامة مرجحًا بصورة كبيرة.
وعلى العكس تمامًا تبدو الحكومة في أضعف حالاتها شعبيًّا؛ فالعملة في الحضيض، والاحتياطي النقدي في حالة يرثى لها، والاقتصاد متدهور، وتسعى الدولة لجلب قرض كبير من صندوق النقد الدولي، وهناك انقسام سياسي حاد.
ولم تحقق الحكومة التي يسميها عمران خان «حكومة اللصوص» أي إنجازات تتكئ عليها بثقة خلال تلك الانتخابات المنتظرة، لذلك تُتهم بمحاولة تأجيل الانتخابات لأنها غير مستعدة لها.
وتجدر الإشارة إلى أن التضخم والتراجع الاقتصادي في عهد حكومة حركة إنصاف استخدمت كمبرر لحجب الثقة عنها بعد توتر علاقة عمران خان بالجيش، في وقت أصيب فيه جمهور خان بالإحباط، سواء في البنجاب أو غيره، وكان من المعروف حينها أنه لو أكمل خان فترة ولايته البالغة خمس سنوات حتى أغسطس/آب 2023 لم يكن له أن يعود إلى السلطة مجددًا بسبب أداء حكومته غير المقبول.
واليوم يُعتقد أن الائتلاف الحاكم في باكستان قد يستخدم «ذريعة العنف» لتأجيل الانتخابات، ويحذر الزعيم السابق من أن محاولات اعتقاله قد تؤدي إلى تصعيد خطير في العنف السياسي في البلاد، ويقول في حديثه لشبكة CNN: «إنهم يعرفون أيضًا أنه حتى لو ذهبت إلى السجن فسوف نربح الانتخابات».
وقال في مقطع فيديو نشره على خلفية أعمال العنف:
اقرأ أيضًا: محاولة اغتيال عمران خان: من المستفيد؟ ومن الخاسر؟