تتجاوز التسلية: تأثير الروايات على شخصيتك وحياتك
الواقع التقريبي أو الافتراضي
لنفترض برنامجًا لمُحاكاة تحليق طائرة، يتكفل بفضح المخاطر التي تواجه الطائرة، ومدى تحمل جسدها للضغط الجوي على ارتفاعات مُختلفة، وأشياء أخرى. يُساعدنا البرنامج على تجربة وتحسين وتطوير الطائرة دون أن تتعرض لخطر حقيقي، وترقد بركابها بسلام في قاع البحر، فكل شيء يحدث داخل برنامج، في النهاية يُمكنها أن تُحلق بنا ونعيش داخلها بأمان.
ألا تستحق الحياة برنامجًا لمُحاكاة الواقع؛ مُحاكاة الحياة، يحشرنا في حيوات أشخاص آخرين مُعقدة، نتفاعل معها كأنها حياتنا، نتعلم من أخطائهم دون أن نُعرِّض أنفسنا لخسارات كبيرة وهزات عاطفية مؤلمة، وفي النهاية؛ نصبح عرَّافين ونتنبأ بالعلاقات الخاسرة، ونقرأ الأشرار فنتجنبهم.
اقترح «كيث أوتلي»؛ أستاذ فخري في علم النفس المعرفي في جامعة تورنتو، على صحيفة نيويورك تايمز أن القراءة تنتج نوعًا من محاكاة الواقع:
وقام باحثان من جامعة واشنطن في سانت لويس بمسح أدمغة قرَّاء الخيال، واكتشفوا أنّ أدمغتهم خلقت محاكاة ذهنية مكثفة للمشاهد والأصوات والحركات والأذواق التي واجهوها في السرد. في الجوهر، كان رد فعل أدمغتهم كما لو كانوا يعيشون بالفعل الأحداث التي كانوا يقرؤون عنها.
التعبير عن الذات
هل فشلت يومًا في التعبير عن نفسك، خانتك اللغة والحروف؟ حسنًا اقرأ.
القراءة بصفة عامة تُوسِّع ذكاءك اللفظي؛ تمنحك المفردات التي يمكن أن تساعدك في التعبير عن نفسك وتتواصل مع الآخرين بشكل جيد. كما أنَّه يُمكنك تمييز الذات عن الآخرين بالتفاخر بمكتبتك وعدد الكُتب التي قرأتها.
قارنت جامعة إيموري عام 2013 أدمغة الناس بعد قراءة القصص (على وجه التحديد؛ رواية «بومبي» لـ روبرت هاريس) على مدى تسع ليالٍ بأدمغة الأشخاص الذين لم يقرؤوا. أظهرت أدمغة القُراء نشاطًا في مناطق معينة أكثر من أولئك الذين لم يقرأوا، خاصة القشرة الزمنية اليسرى، وهو الجزء من الدماغ المرتبط عادةً بفهم اللغة.
التواصل مع الآخرين
تُحسن قراءة الروايات قدرتنا على اكتشاف أفكار ومشاعر الآخرين وصنع نماذج عقلية لهم. ففي الروايات نتعرف على شخصيات، نُخمِّن دوافعهم الخفية ونتتبع بشغف لقاءاتهم وحديثهم مع الأصدقاء والأعداء والجيران والعشَّاق، ذلك يخلق رابطًا اجتماعيًّا فعليًّا بين القارئ والشخصيات. فهل حزنت لموت شخصيتك المُفضلة في رواية ما؟
توصَّلت دراسة أجراها عالما النفس «ديفيد كومر كيد» و«إيمانويل كاستانو» إلى أن قراءة القصص الخيالية تحسن من القدرة على فهم عواطف الآخرين.
ووجدت دراسة في عام 2010 أن الأطفال الذين تعرضوا للكثير من مواد الخيال يمتلكون قدرة أقوى على قراءة حالات دماغ الآخرين.
يبدو أن قراءة القصص الخيالية تتيح لك «العيش في أدمغة الآخرين». تقول الكاتبة والروائية البريطانية؛ الحائزة على جائزة نوبل عام 2007؛ «دوريس ليسينغ»:
الأرق والتوتر
ثبت أن القراءة تضع أدمغتنا في حالة تشبه الغيبوبة الممتعة، على غرار التأمل، وتجلب نفس الفوائد الصحية للاسترخاء العميق والهدوء الداخلي. ينام القراء العاديون بشكل أفضل، ولديهم مستويات إجهاد أقل، واحترام للذات أعلى، ومعدلات اكتئاب أقل من الذين لا يقرأون.
وتقول أبحاث في جامعة ساسكس أن القراءة هي الطريقة الأكثر فاعلية للتغلب على التوتر، أفضل من طرق أخرى مثل الاستماع إلى الموسيقى أو المشي.
في غضون 6 دقائق من القراءة الصامتة، تباطأت معدلات ضربات قلب المشاركين في التجربة وتراجع التوتر في عضلاتهم بنسبة تصل إلى 68%. يعتقد علماء النفس أن القراءة تعمل بشكل جيد جدًّا لأن تركيز العقل يخلق تشتيتًا يخفف من إجهاد الجسم.
قبول التغيير
تقترح الكاتبة «إيلين غون» أن قراءة الخيال العلمي؛ على وجه الخصوص، تساعدنا على قبول التغيير بسهولة أكبر.
القراءة وقراءة الروايات بشكل خاص، تزيد من ذاكرتنا ومهارات الاحتفاظ بالأحداث، وفقًا لدراسة عام 2001 نشرت في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences. فإن الذين يقرأون أقل عرضة لمرض آلزهايمر.
بصفة عامة، تبدو القراءة عصا سحرية تجعل الحياة أفضل وتساعد على الشعور بالرضا، وهذا ما قاله 76% من 1500 قارئ بالغ شملهم استطلاع رأي في المملكة المتحدة.
ولصقل ذهنك توصي المجلة العلمية الأمريكية Scientific American Magazine بالروايات التسعة التالية:
- «آلام فرتر» – يوهان فون جوته.
- «كبرياء وتحامل» – جاين أوستن.
- «رسالة سكارليت» – ناثانيال هوثورن.
- «مدام بوفاري» – غوستاف فلوبير.
- «مدل مارش» – جورج إليوت.
- «آنا كارينينا» – ليو تولستوي.
- «السيدة دالاوي» – فيرجينيا وولف.
- «محبوبة» – توني موريسون.
- «العار» – جون ماكسويل كوتزي.
- كارلوس زافون، “ظل الريح”، ترجمة: معاوية عبد المجيد، تونس، مسكيلياني للنشر، 2016، ص 16.
- المرجع السابق، ص 17.