محتوى مترجم
المصدر
The conversation
التاريخ
2018/05/13
الكاتب
ميليسا تانديوي مايامبو

ينفق السياسيون ووسائل الإعلام جانبًا كبيرًا من الجهد والطاقة في مناقشة قضايا الهجرة، وفي كثير من الأحيان يلجأون لاستخدام خطاب وطني شعبوي وكاره للأجانب. هذا على الرغم من أرقام صادرة تشير إلى أنه اعتبارًا من العام الماضي، 2017، لم يترك سوى ثلاثة من كل 100 شخص -ما يعادل 3.4% من سكان العالم- دولهم الأصلية للهجرة إلى بلد جديد.

إن الرسائل التي تصدر عن أشخاص مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مفادها أنه ينبغي إبعاد المهاجرين بأي ثمن وأية تكلفة لإنقاذ اقتصادات بلدانهم. على الرغم من ذلك، يزعم الكثير من الباحثين أن جذب المهاجرين والحفاظ عليهم يُعد أمرًا أساسيًا للتنافسية الاقتصادية في عالم يتجه نحو العولمة.

تتجاوب بعض الدول بشكل إيجابي مع مثل تلك الافتراضات، بل وتتبنى أيضًا الفوائد التي يمكن للمهاجرين أن يقدموها لاقتصاداتها، لكن هناك دولاً أخرى، من بينها الدول الأفريقية، بعيدة تمامًا عن ذلك النهج.


المهاجرون في سن العمل

إن العديد من الدول النامية تُعد دولاً مرسلة للمهاجرين، وهو ما قد يصاحبه تأثيرات سلبية. فخلال العام 2017، كانت نسبة 74% من جميع المهاجرين في سن العمل. ومن المنطقي أن يؤدي فقدان هذه المجموعة السكانية الحيوية إلى الإضرار باقتصاد أية دولة، كما أن الظفر بهؤلاء العمال يمكن أن يساعد في نمو اقتصاد دولة أخرى. وهذا ما يؤكده التاريخ أيضًا. ففي القرن التاسع عشر، حققت الدول المُستقبِلة للمهاجرين -مثل الولايات المتحدة الأمريكية- معدلات نمو أسرع من البلدان المُرسِلة للمهاجرين -مثل إيطاليا وأيرلندا- لأن هؤلاء المهاجرين أضافوا إلى القوى العاملة في البلد المُستضيِف، وغادروا بلدانهم مع عدد أقل من العمال.

وفي البحث الذي قمت به حول الهجرة، وجدت أن دولاً مثل فيتنام والهند والصين تحاول بشكل نشط توظيف أشخاص من جالياتها المغتربة للمساعدة في بناء اقتصاداتها.

ويركز البحث الذي أعددته على الهجرة الحدودية؛ وهي انتقال الأشخاص والتكنولوجيا والأفكار ورأس المال من اقتصاد متطور إلى آخر نامٍ، ومن بينها الأعداد المتزايدة للمهاجرين العائدين، الذين ولِدوا وتربوا في دولة ما، وتركوها لبعض الوقت لكنهم اختاروا العودة إليها.

لقد اعتاد الباحثون على افتراض أنه بمجرد هجرة الناس إلى الغرب، فإنهم سيبقون هم وأطفالهم هناك، لكن الأمر ليس كذلك. وهناك فئة أخرى قمت بالتركيز عليها ألا وهي المهاجرون المقيمون على الحدود؛ أولئك الذين تربوا في الشتات ويعودون إلى أرض أجدادهم.

لقد حفزت العولمة على تزايد أعداد جميع أنواع المهاجرين الحدوديين، وكانت إحدى النتائج غير المتوقعة هي أن الدول المتقدمة قد تخسر مع وضع المزيد من المهاجرين الحدوديين أنظارهم على اقتصادات الأسواق الناشئة.


الولايات المتحدة تخسر

الولايات المتحدة، أقوى دولة في العالم وصاحبة الاقتصاد الأقوى، كانت تُعرف حتى وقت قريب بأنها بلد المهاجرين.

ومنذ العام 2017، أيدت إدارة ترامب عددًا من الإجراءات لإبعاد المهاجرين واللاجئين؛ من بينها بناء جدار على الحدود الجنوبية للبلاد مع المكسيك، وتقييد حرية اللاجئين، وصولاً إلى إلغاء عبارة «بلد المهاجرين» من بيان رسمي لدائرة خدمات الهجرة والجنسية الأمريكية. لكن هذا التغير لم يبدأ مع ترامب، بل بدأ بشكل جدي في أعقاب أحداث الـ 11 من سبتمبر/أيلول عام 2001.

لقد حذر الباحث في الهجرة والتكنولوجيا «فيفيك وادوا» منذ سنوات من أن وضع حواجز للهجرة سيقلل من قدرة الولايات المتحدة الابتكارية والتقنية والاقتصادية. فالمهاجرون هم من أسسوا العديد من الشركات الأمريكية، كما أن أكثر من نصف الشركات الناشئة بأمريكا التي تبلغ قيمتها مليار دولار، كان لديها من بين مؤسسيها مهاجر واحد على الأقل.

ولقد أظهر البحث الذي أجراه وادوا بين طلاب الدراسات العليا في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والذين جاءوا إلى الولايات للحصول على الدراسات العليا، تحولات مثيرة للقلق. فقبل عام 2001، كان غالبية الخريجين يستمرون داخل الولايات المتحدة بعد إتمام دراساتهم، لكن بعد العام 2001، أسهمت سياسات الهجرة العدائية في دفعهم لأن يعودوا لبلدانهم الأصلية كالهند والصين. لذلك، أرغمت الولايات المتحدة على تغيير هذه السياسات، خاصة في تعاملها مع دارسي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

وفي غضون ذلك، أدركت الهند والصين قيمة جذب مغتربيهم للعودة مجددًا لبلدانهم واستقطاب المواهب من أماكن أخرى في العالم. كما عمدت تلك الدول إلى تطوير عدة سياسات جديدة لجعل ذلك الأمر أكثر سهولة.

على سبيل المثال، قامت الصين مؤخرًا بتغيير سياستها المتعلقة بمنح التأشيرات حتى يكون لدى الصينيين المغتربين تأشيرات دخول متعددة صالحة لمدة 5 أعوام بدلاً من عام واحد فقط، كما تم تقديم عدد من المبادرات الأخرى لإغراء المهاجرين المهرة بالقدوم للصين.

روبين لي، مؤسس موقع «بيدو» الصيني، والذي يوصف بأنه «جوجل الصين»، هو أحد أولئك الذين أشاروا إلى أن خسارة الولايات المتحدة قد تكون مكسبًا لبلاده، حيث قال:

تخوض الصين والولايات المتحدة معركة حول هيمنة أي منهما على القرن الواحد والعشرين على الصعيد التقني والهجرة، وهي مسائل تقع في صميم تلك المعركة.

على الرغم من ذلك، فليس المهاجرون المتمرسون في التكنولوجيا هم فقط من أضافوا قيمة على الاقتصاد، فوجود العمال أصحاب المهارات المختلفة ضروري أيضًا. على سبيل المثال، تعتمد الزراعة الأمريكية بشكل كبير على العمال الأجانب، كما أن اليابان، البلد الصناعي الذي يتسم سكانه بكبر سنهم، سيكون في حاجة لاستقطاب المزيد والمزيد من العمال الأجانب الشباب من أجل البقاء.


فوائد سياسة استقطاب العمال المهاجرين للقارة الأفريقية

هذا هو الوقت المناسب الذي تقف فيه الصين وتقول: تعالوا إلينا، نحن نرحب بالمهاجرين.

لا تنتهز الدول الأفريقية الفرصة التي تقدمها العلاقة بين الهجرة والاقتصاد؛ بمعنى أن حفنة قليلة من الدول الأفريقية من بينها ليبيريا وإثيوبيا قد عملت بنشاط على استقطاب المزيد من المهاجرين.

لقد وجدت أن الناس بشكل عام والأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي، مهتمون بشكل خاص بالانتقال إلى جنوب أفريقيا للعمل؛ لأنها تمتلك بنية تحتية متطورة وتقدم ما يعده الكثير من المهاجرين «أسلوب حياة جيد».

تحاول جنوب أفريقيا وضع نفسها كبوابة للقارة الأفريقية، وتحتاج في سبيل ذلك إلى اقتصاد قوي، وبالتالي ستستفيد البلاد بشكل هائل من وجود سياسة أكثر ترحيبًا بالمهاجرين.

إن بناء اقتصاد قوي يتطلب دائمًا وجود جميع أنواع العمال المهاجرين، وهذا لن يتغير قريبًا. وستكون الدولة التي تتمتع بسياسات هجرة أكثر انفتاحًا في وضع مستقبلي أفضل داخل منظومة الاقتصاد العالمي.