الخيال أهم من المعرفة: ماذا يريد الشعراء
ميلاد الشعر
صديقي القارئ منذ أن هبط آدم على الأرض وأذنه تستمع إلى الطبيعة حوله ويرى تناسق أنغامها وعذوبة أناشيدها؛ لذلك بدأ الإنسان في البحث عن طريقة لترتيب الكلمات لتتماشى مع الأنغام التي بدأ في اختراعها وتقليد الطبيعة فيها، وهنا لم يختلف النقاد كثيرا على أن الشعر قد ظهر متوازيا مع بداية ظهور البشرية، والسبب الرئيسي لذلك هو ارتباط الشعر بالغناء الذي يعتبر فطرة لدى الإنسان تعلمها من الطبيعة كما ذكر المقال في بدايته، واستمرت البشرية في تطورها وتعددت اللغات التي ينطق بها البشر، وبقي الشعر معروفا في كل اللغات التي تكلموا بها، وظل هذا الفن له صانعوه حتى الآن، ومن هنا نجد أنفسنا نتسآل ما هي غاية الشعراء منذ قديم الأزل وحتى اليوم أو بمعني أخر ماذا يريد الشعراء؟
صور تتغير
صديقي القارئ منذ أن نولد والبيئة التي نعيش فيها تكون لنا صورا ذهنية عن كل شيء في الحياة، بما في ذلك أنفسنا والآخر وحتى عن المفاهيم المجردة كالحب والخير والشر… إلخ، وفي أغلب الأحوال تظل هذه الصور معنا حتى نهاية حياتنا، ومن هنا يبدأ الشاعر في إيجاد نفسه؛ في أنه يحاول بناء الخيال الجديد الذي يضع فيه تصوراته الجديدة والخاصة به نحو الأشياء حوله، وتكون الغاية هنا لدى الشاعر هي وضع صورة مثالية للواقع الذي حوله، فما يبنيه الشاعر من خيال يجعله مثالا ليقيس عليه الواقع.
الخيال أهم من المعرفة
هناك مقولة تنسب لأينشتاين يقول فيها أن «الخيال أهم من المعرفة» وذلك في نظره لأن الخيال هو القادر على بناء المستقبل، وإذا قمنا بإسقاط ذلك على الشعر نجد أن الشاعر يتخيل أحلامه تتحقق وهكذا يستمر؛ لذلك فإن الشعراء يرسمون خيالهم بشكل أكثر عمقا من الإنسان العادي، حيث أنهم يضعون تصورا كاملا حول هذا الخيال، فالشاعر يجعل الوردة تنبت من الجرح، ويجعل القمر صديقه الذي يحكي له عن مغامراته العاطفية.
ماذا قال الشعراء
وإذا قمنا بذكر أمثلة على ذلك فإننا نجد أن من أكثر قصص الشعراء المشهورة قصة قيس بن الملوح الملقب بمجنون ليلى، فقيس لم يتحقق حلمه في الزواج من حبيبته ليلى، لكن ليلى كانت دائما في شعره، أو بمعنى أدق في خياله، فهو حتى وإن ضاعت منه ليلى في واقعه فإنها كانت معه في خياله، حتى بعد أن توفيت ليلى فإن خياله ظل يناديها وهي في قبرها حتى أنه قال وهو يخاطب قبر ليلى:
وفي ناحية أخرى نجد قصة حب أخرى بطلها الشاعر الفارس عنترة بن شداد العبسي الذي عشق عبلة وتزوجها في النهاية، ونرى هنا أن عنترة قد عانى أشد المعاناة حتى يتزوج عبلة فذاق أوجاع السفر والغربة والحرب في سبيل مهر عبلة من نوق الملك النعمان، فمن هنا نجد أن الخيال الذي رسمه عنترة في شعره لعبلة هو ما جعله يتعرض للموت من أجلها، حتى أنه كان في بداية معلقته الشعرية يتكلم مع دار عبلة فيقول:
قصة الخلود
نحن الآن ما زلنا نتذاكر الشعراء القدامى الذين صالوا وجالوا بشعرهم في الدنيا، فما زلنا نذكر شعراء المعلقات رغم مرور ما يقرب من ألفي عام على كتابتها، ونذكر شعر شكسبير مثلا رغم مرور أربعمائة عام على وفاته، من هنا تولد إرادة الخلود لدى الشاعر، فرغم أن الموت هو أمر حتمي، إلا أن الشاعر من خلال كلماته يظل خالدا في ذاكرة الإنسانية، كما ذكر المقال الأمثلة على ذلك، إذا فالشاعر هنا يبحث في بناء كلماته على بناء القصيدة في شكل قوي يجعلها تظل مع وجود الشعر، ويذكر المقال هنا على سبيل المثال أبياتا ما زلنا نتذاكرها حتى الآن فمثلا يقول زهير بن أبي سلمى في معلقته التي مر عليها ما يقرب من ألف وخمسمائة عام أبياتا نذكرها إذا ذكرت محاسن الأخلاق:
وفي أبيات مر عليها أكثر من ألف ومائة عام يقول أبو فراس الحمداني عن المجد:
وإذا ذهبنا قريبا لعصرنا الحديث فهناك الكثير من المقولات التي أعتقد أنها ستظل خالدة مع الشعر، ومن أهم الأمثلة على ذلك ما قاله أمل دنقل رافضا الاستسلام فيقول:
تعدد الغايات
إذا صديقي القارئ تعددت الغايات التي يجري خلفها الشعراء من البحث حول المدينة الفاضلة ورسم التجارب الشخصية وتحويلها لقصص إنسانية والبحث عن الخلود، وبقي الشعر هو المستفيد من ذلك، وتظل حاجتنا للشعر طالما وجدنا؛ لبناء مجتمعاتنا من خلال الخيال المثالي الذي نبنيه، والبحث عن جوهر الأشياء حولنا، وتغيير طريقة النظر للأشياء، وطريقة التفكير في كيفية الإصلاح المجتمعي حولنا.
الآن صديقي القارئ ترى ماذا يريد الشعراء في وجهة نظرك…؟