إيهاب جلال وصلاح: من ينتصر في «حرب المينتاليتي»؟
حينما نتحدث عن أهمية تحليل البيانات والأداء في كرة القدم حاليًّا، فإننا نتحدث عن شيء يشبه إضافة الملح إلى الطعام. صار هذا المجال المتجدد يوميًّا ركيزة أساسية في الفرق الكروية من أصغرها إلى أكبرها حول العالم.
مؤخرًا، أميط اللثام عن طرف من مهمة تحليل الأداء في منتخب ألمانيا، وأبان أحد محللي الأداء المصريين الذي يعمل في هذا الفريق (حسن بلتاجي)، أن أكثر من 60 شخصًا مهمتهم فقط هي تحليل الخصوم المحتملين لألمانيا في المونديال القادم، لهذه الدرجة يمكنك أن ترى كيف بات الموضوع مهمًّا في كرة القدم الحديثة.
ولأول مرة في تاريخ كرة القدم المصرية، يتم إسناد مهمة تدريب المنتخب الأول لمدرب مصري يرفع من قيمة تحليل الأداء والبيانات في كرة القدم، وهو إيهاب جلال، الذي لم يمنعه كونه لاعب كرة قدم سابقًا في نادٍ بحجم الإسماعيلي من النظر لتلك المسألة من ناحية علمية بحتة.
ما بعد «العين الحلوة»
من الشائع أن المدرب اللاعب، خصوصًا إن كان ممن وصلوا إلى مكانة كبيرة في مشوار كرة القدم كلاعب لا يولي مهمة تحليل الأداء الجزء الأكبر، يكون دورها تكميليًّا في مشواره، ويعتمد على مصطلحات مثل «فهم الكورة» و«العين الحلوة» لتحديد قراراته الفنية والتكتيكية.
المدرب الأجنبي تخطى منذ 10 أعوام على الأقل هذه القصة، بات أي مدرب أجنبي يستعين بمحللي الأداء ويشترط وجود محللين في جهازه الفني وأحيانًا الإداري، وأحيانًا يجبر المدرب الجهة التي تعينه على إبرام تعاقدات بمبالغ كبيرة مع شركات تحليل بيانات تساعد محلل الأداء في عمله، ومن ثم لا يكون دور المدير الفني غير إصدار القرارات الأخيرة، ووضع اللمسة النهائية وإقرار العمل في التدريبات وصب خبرته لتغيير مسار المباريات.
إيهاب جلال هو الوحيد في مصر الذي يحقق تلك المعادلة، لاعب كرة قدم ذو مسيرة جيدة، ولكنه يولي مهمة تحليل الأداء الجانب الأكبر من الأهمية. ورغم أن تعيين الاتحاد المصري له في هذا المنصب قد يكون ببساطة لأنه يحقق شرط التوافق «لا ينتمي للأهلي أو الزمالك»، فإنه حقًّا رب ضارة نافعة.
نجاح إيهاب جلال مع الأندية التي دربها عائد إلى نقطة تقديم الأداء الجيد قبل أي شيء، الأداء الجيد المنتظم المتكرر معناه وجود نظام معين للعب، هذا النظام الذي يتم تلقينه للاعبين مبني على أرقام يتم تقديمها من الشركات، ثم تأتي وظيفة تحليل تلك البيانات وتقديم اقتراحات لتطوير أداء كل لاعب بناء على تطوير الأساسيات من تمركز وقرارات، وكذلك من تغيير مواقع بعض اللاعبين لضمان أعلى نسبة من النجاح في أداء أدوارهم.
علي طه
ظل إيهاب جلال «يؤذن في مالطة» حرفيًّا طيلة أكثر من 5 أعوام وهو يولي تلك المهمة ما يناسبها من أهمية، فكان نشازًا بين المدربين المصريين الذين يعتمدون على التاريخ والروح والعين الحلوة وغير ذلك من المصطلحات، درس بنفسه وأخذ كل الرخص المطلوبة إلى أن وجد قطعة غيرت كثيرًا في تطوير أفكاره عن تحليل الأداء: علي طه.
علي طه هو لاعب سابق في نادي المعادي واليخت، لم يحظ بمسيرة كروية ناجحة، وبينما تخرج في كلية الهندسة من الجامعة الأمريكية فقد بدأ دراسة تحليل الأداء والبيانات في كرة القدم طارقًا وسائل الوصول إلى الأجهزة الفنية، إلى أن رشحه محمد يوسف لأداء دور في الجهاز الفني لبتروجيت، ومنه خاض تجربة أخرى في الأهلي بلجنة التعاقدات ارتكزت على تحليل أداء اللاعبين الذين يستهدف الأهلي ضمهم.
كانت النقطة الفارقة في مشوار علي طه هي المشاركة بتحليل الأداء والبيانات مع مدرب منتخب تنزانيا إيمانويل أمونيكي، وإسهامه في ظهوره ببطولة كأس أمم أفريقيا وهو المنتخب قليل المشاركات أصلًا في هذه المسابقة، من هذه التجربة بدأ إيهاب جلال في مراقبته إلى أن ضمه لجهازه في المصري البورسعيدي.
منذ ذلك الحين بات علي طه عضوًا أساسيًّا في أي جهاز فني يقوده إيهاب جلال، المصري ثم المقاصة ثم الإسماعيلي ثم بيراميدز، وهو مرشح للانضمام إلى جهازه الفني في منتخب مصر.
علي طه هو أكثر من أقنع إيهاب جلال للدرجة التي ترك فيها الأخير له مهمة كل شيء يتعلق بتحليل البيانات والأداء قبل أن يتخذ هو القرار الفني، النموذج المثالي لعلي طه هو الاعتماد على أرقام شركات تحليل البيانات، ومن ثم بدء مهمته في تحليل الأداء وتقديم تصورات واضحة للأحمال البدنية للاعبين في التدريبات والمباريات، وتموقعاتهم وقراراتهم في الملعب.
وهو من مدرسة الاهتمام بالأرقام أكثر من أي شيء، يقارن نسب الاستحواذ كل فترة زمنية ويلمح من خلالها قدرة الفريق على الاحتفاظ بالكرة وتطوير الهجوم، الأماكن التي استحوذ فيها الفريق على الكرة، نسبة الأهداف المتوقعة لدى كل لاعب في المركز الذي يلعب به، وإذا ما كان يمكن أن يصل إلى نسب أعلى بمجرد تغيير تموقعه في الملعب ولو بأمتار قليلة.
علي طه «يعمل بطريقة علمية By the book» على حد وصفه، وهناك أفكار أساسية قد تكون مفيدة حقًّا وناجعة يعاني منها منتخب مصر الحالي مثل الإصابات الناتجة عن المبالغة في الحمل التدريبي، هي من أفضل ما يهتم به.
ملحوظة مهمة في كل الفرق التي استلم تدريبها إيهاب جلال، حتى ولو كان وسط الموسم دون فترة إعداد يضع فيها أحمالًا بدنية واضحة، كانت انخفاض نسب الإصابات بدرجة كبيرة، ولعل هذا ما تجلى فيما يعرف بـ «فترة إنقاذ الإسماعيلي من الهبوط موسم 2020-2021» والتي تبدل فيها جلد لاعبي الدراويش تمامًا بوصول إيهاب جلال إلى الفريق.
لكن علي طه يؤكد أن من أسباب صعوبة العمل مع إيهاب جلال «هو أنه يفهم في تحليل الأداء أكثر منه»، وأنه لو قام بهذا العمل بنفسه لكان أفضل من أي شخص في مصر، وهذا يوحي لك باهتمام جلال بهذه الأمور الدقيقة.
حرب «المينتاليتي»
يحيلنا هذا إلى تصور فرضية ما يعنيه هذا الاهتمام بالنسبة لكرة مصرية تعاني من تحليل «إيجو» لاعبيها في السنوات الأخيرة وخصوصًا في أعقاب أزمة عمرو وردة حين فرض اللاعبون قرارهم على الاتحاد المصري وحتى على الجماهير، مرورًا بأفكار «المينتاليتي» لدى اللاعبين المحترفين وفوارق العقلية مع المصريين «الاعتياديين» الذين لا يملكون ذات العقلية.
المحترفون المصريون في الخارج وحتى لاعبو الأهلي والزمالك، يتعاملون مع محللي أداء من بين الأفضل في العالم، وسيكون على إيهاب جلال بداية إقناعهم بجهازه وبآلية تحليل البيانات، وبتخطي مسألة «فارق النجومية بين اللاعب والمدرب»، ومن ثم يبدأ هؤلاء اللاعبون في تنفيذ ما يريده.
إيهاب جلال الذي لم يفهم لماذا انتُقد قبل حتى أن يبدأ اليوم الأول لتولي المسئولية، لطالما تحلى بـ «عقلية» هادئة، حتى إن ذُبِح تحكيميًّا في مباراة فإنه يرفض أن يلقي باللوم على التحكيم، هادئ في المؤتمرات الصحفية عادة ولا يحبذ «قصف الجباه». مواصفات نادرة في مدربي كرة القدم الوطنيين المصريين ندرة اهتمامهم بتحليل البيانات والأداء في كرة القدم، وبالأخص بين لاعبي الكرة السابقين.
ولم تمر 3 أيام حتى وجد جلال نفسه ينتقد «الأراجوزات» الذين يهاجمونه في وسائل الإعلام ويدخل حربًا لم يعرف أبدًا عنها شيئًا، هذا قبل أن يجتمع في معسكر بلاعبي المنتخب الذين سيمثلون بالنسبة له تحديًا فنيًّا ونفسيًّا كبيرًا.
جلال لم يمر بهذا المستوى أبدًا من الضغوطات، ولم يدرب هذا المستوى أبدًا من اللاعبين من الناحية الفنية وكذلك من ناحية القوة في غرفة الملابس، وبالتأكيد ستكون اللحظة التي يحسم فيها مع صلاح ورفاقه «حرب المينتاليتي» تلك من اللحظات المنتظرة لمتعقبي الكرة المصرية بشكل عام.
يأمل المشجعون الحقيقيون لمنتخب مصر ألا يتحول الأمر لصراع ديكة يقف فيه أناس لا يفقهون شيئًا في كرة القدم محكِّمين بين جلال ولاعبي المنتخب، وأنتم تعرفون من سينتصر في هذه المعركة بالتأكيد لو وصلت لهذا المنحنى، لأن إيهاب جلال الذي سيهتم كثيرًا بالناحية العلمية والاحترافية في تعامله مع اللاعبين، والتي لا يجيد غيرها، سيكون من زاوية أخرى مدعاة لكشف كثير منهم إذا عادوا بعد كل بطولة إلى الفضائيات واختصروا أسباب النجاح أو الفشل في نقطة وحيدة «نحن محترفون بما فيه الكفاية لكننا لا نجد أنفسنا في مصر ولهذا خرجنا منها».
وأيًّا كان وضع إيهاب جلال في حرب العقلية تلك سواء نجح أو فشل، فإن اختياره مدربًا لمصر لم يكن لأي سبب مما فوق. فعضوا الاتحاد المصري اللذان مارسا كرة القدم حازم إمام ومحمد بركات فضلا علنًا وجود جهاز فني أجنبي.
الأسباب الأهم في اختيار جلال لا تمت أبدًا لتحليل البيانات بصلة، بل لأنه الاختيار الأكثر راحة للاتحاد المصري ماديًّا (سيتقاضى الجهاز الفني بكامله 1.5 مليون جنيه شهريًّا منها 800 ألف جنيه لإيهاب جلال)، وجماهيريًّا (لا ينتمي جلال للأهلي أو الزمالك وسيسهل تكريمه في الانتصار وتغريمه عند الهزيمة)، والأهم سياسيًّا (لأن رئيس الجمهورية لا يريد من جديد مدربًا أجنبيًّا).
ستكون هذه الكلمات أشبه بجرعات وقائية إذا نجح الرجل في مهمته ووجدنا اتحاد الكرة المصري يتصدر المشهد على طريقة «أنا صح. جبته من إنبي».