إيكاروس: هابل يرصد أبعد نجم على الإطلاق
في سابقة فلكية تضافرت فيها عوامل العلم الدقيق والحظ المواتي، تمكن تيليسكوب هابل من التقاط ضوء أبعد نجم يتم تسجيل رؤيته منفردًا حتى الآن. فعلى بعد 9 بلايين سنة ضوئية، لم يكن من المفترض أن نتمكن من رؤية هذا النجم البعيد جدًا جدًا حتى رغم سطوعه الهائل. مع هذا، فإن نسبية أينشتين العامة وعدستها الجذبوية كانا في صف فريق العلماء من جامعتي مينيسوتا وجنوب كارولينا الأمريكيتين ومعهد الفيزياء بجامعة كانتابريا الإسبانية. فكيف حدث هذا؟
على خط واحد
يصل بُعد إيكاروس عن الأرض 100 ضعف مسافة أبعد نجم أمكننا دراسته حتى الآن. ولم يكن فريق العلماء يعلم حتى بوجوده بينما كانوا يمسحون هذه الزاوية بالذات من العالم بالتيليسكوب الأضخم لناسا. كان الفلكيون يحدقون في مجرة حلزونية بعيدة تشهد انفجار سوبرنوفا في عام 2016. وبينما هم يدرسون الانفجار، إذا بمصدر ضوء مفاجئ يظهر بالقرب من السوبرنوفا المنفجر. دلت طبيعة الضوء الغريب عند تحليله أنه قد تعرض للتكبير بنسبة هائلة.
بالضبط كما في اصطفاف الأرض والشمس والقمر وما ينتج عنه من خسوف وكسوف، اصطف النجم البعيد مع الأرض وبينهما مجرة وسطية تعمل كعدسة تكبير بواسطة ظاهرة العدسة الجذبوية Graviational lensing التي سنتطرق إليها بعد قليل، ولكن ليس هذا فقط.
أيضًا، احتاج الأمر إلى عبور نجم داخل المجرة أو التكتل المجري واصطفافه بدقة بين النجم البعيد والأرض، ليمنحنا تأثير تكبير إضافي يعرف باسم Microlensing.
أما النتيجة، فإن النجم هائل البعد عنا أصبح مكبرًا 2000 مرة عن وضعه الطبيعي وبالتالي تمكن هابل من رؤيته منفردًا على الرغم من بعده الذي لا يسمح عادة إلا برؤية مجرات أو تكتلات مجرية Galaxy Clusters كاملة.
صورة متعددة المهام
كان تيليسكوب هابل قد وضع رقمًا قياسيًا جديدًا لنفسه عام 2016 كذلك عندما التقط أبعد مجرة تمت رؤيتها على الإطلاق والتي أطلق عليها اسم GN-z11. ولدت هذه المجرة بعد ميلاد الكون بأربعمائة مليون عام فقط؛ مما يعني أننا قد التقطنا صورتها عندما بلغ عمر الكون 3 بالمائة فقط من عمره الحالي. أما إيكاروس، فإن صورته الملتقطة تعبر عنه بعد 30 بالمائة من عمر الكون الحالي، وهي خطوة هائلة لصعوبة التقاط ضوء نجم منفرد بالمقارنة بالتقاط ضوء مجرات كاملة.
من تحليل ضوء إيكاروس، يتبين لنا أن النجم الأزرق أضخم وأكبر حجمًا وأكثر حرارة ولمعانًا من الشمس بمئات الآلاف من المرات. ما التقطه هابل كان بالتأكيد لمعانًا مفاجئًا. هل يمكن أن يعني ذلك أن النجم كان في حالة انفجار؟ يستطيع العلماء نفي ذلك بدراسة طبيعة الضوء الذي اتضح أنه على الرغم من كون اللمعان مفاجئًا، إلا أن هذه المفاجاة السارة كانت بسبب تصادف اصطفاف النجم البعيد والمجرة والنجم داخل المجرة والأرض على نفس الخط للحظة كنا ننظر فيها في المكان المناسب.
الصورة على اليسار توضح التكتل المجري MACS J1149+2223 المتواجد بين الأرض والنجم إيكاروس. على اليمين مقارنة بين عدم ظهور النجم عند تصوير المنطقة في عام 2011 وبين لمعانه الواضح في 2016 بسبب العدسة الجذبوية والعدسة الجذبوية المصغرة.
أتاح هذا التموضع فرصة مواتية أيضًا لاختبار إحدى الفرضيات التي وضعت حول المادة المظلمة Dark matter؛ هل يمكن أن تتكون المادة المظلمة من ثقوب سوداء بدائية Primodial Black Holes؟
بدراسة سلوك الضوء عند مروره من إيكاروس عبر التكتل المجري الوسيط الذي يبعد عنا 5 بلايين سنة ضوئية – المسمى MACS J1149+2223- تبين أن تذبذاته لا تتوافق مع تذبذات ضوء مر حول ثقوب سوداء.
الكون يرتدي نظارة
ماذا إذن عن هذه العدسات الكبيرة والصغيرة؟ لا يسع المرء عند ذكر كلمة «النسبية العامة» إلا التفكير في انحناء الزمكان بسبب جاذبية الأجسام. مع انحناء الزمكان تبدأ الخطوط المستقيمة التي يسير فيها الضوء بالظهور كما لو كانت تنحني هي أيضًا. هكذا يمر الضوء بالقرب من أجسام ذات كتل هائلة الضخامة ينحرف Deflect لأبعد من مكانه الطبيعي، وبالتالي، يصبح الجسم الصادر عنه الضوء أكبر حجمًا.
هذا التأثير لا يمكنه إلا أن يفسر تكبير إيكاروس لستمائة ضعف حجمه الطبيعي، يتطلب التكبير الزائد تفسيرًا إضافيًا قدمه أينشتين أيضًا في نسبيته العامة تحت اسم Microlensing أو العدسة الجذبوية المصغرة.
تساعدنا هذه الظاهرة على رؤية الأجسام الأصغر حجمًا من كواكب ونجوم منفردة -لهذا سميت مصغرة- وتعمل بنفس طريقة العدسة الجذبوية آنفة الذكر مع تعديل بسيط. يتطلب تأثير العدسة المصغرة أن يتموضع نجم ما أمام الجرم السماوي المطلوب تكبيره بدقة تامة على نفس الخط دون أي انحراف مهما كان دقيقًا. ينشأ عن هذه الظاهرة حلقة حول الجرمين السماويين اللذين يظهران ككتلة واحدة. تسمى هذه الحلقة بحلقة أينشتين Einstein Disk.
يتعدى تأثير التكبير المصغر التأثير العادي ليصل إلى ألف ضعف أو أكثر وبه تمكن العلماء من اكتشاف كواكب في مجرات بعيدة. إما إذا اجتمع التأثيران معًا، نحصل على صورة واضحة لنجم يبعد عنا بما لا يمكن تخيله، مثل إيكاروس.
مع كل إنجازات هابل وقدراته الهائلة المستمرة في إنارة درب العلم وإيصاله إلى أطراف الكون، ينتظر العلماء إطلاق تيليسكوب جيمس ويب في عام 2020 ذي الحساسية الخارقة، التي قد تمكننا من إيجاد المزيد من النجوم والمجرات البالغة القدم واستكشاف الكون في مراحل حياته البدائية أكثر وأكثر.