إبراهيم الجضران: تاجر نفط استعان بضابط استخبارات إسرائيلي سابق لبيع النفط الليبي
هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» الذي أنجزه فريق ساسة بوست لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010 و2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يُلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكل الوثائق متاحة للتصفح على الإنترنت.
تحوَّلت أراضي الدولة الليبية منذ نجاح ثورتها في إسقاط نظام معمر القذافي لساحة حرب بين أبنائها، وحلفائهم الإقليميين، الذين اختلفت رؤاهم حول المستقبل الليبي.
وافترق شرق البلاد عن غربها، بقيادة اللواء خليفة حفتر وقواته، مقابل حكومة الوفاق الوطني، التي ترأسها فايز السراج حتى وقت قريب، واتَّسعت مساحات الاقتتال بين الليبيين لتنتقل لواشنطن، حيث جمعتهم مواجهة ساخنة في عالم اللوبيات وشركات الضغط السياسي، حتى غدت ساحة قتال مألوفة لهم منذ الإطاحة بنظام العقيد.
نتعرَّف في هذا التقرير على تفاصيل واحدة من قصص الضغط السياسي الليبي في واشنطن، نفَّذها مسؤول سابق في الاستخبارات الإسرائيلية لصالح إبراهيم الجضران آمر جهاز حرس المنشآت النفطية.
لقراءة باقي موضوعات ليبيا في لوبيات واشنطن من هنا.
آري بن ميناشي: من الاستخبارات الإسرائيلية لتمثيل «الثورة المضادة» في اللوبيات
وُلد آري بن ميناشي في طهران عام 1951 لعائلةٍ عراقية يهودية، وعمل سابقًا في الاستخبارات الإسرائيلية وفي الحكومة الإسرائيلية، كما عملَ خبيرًا بالشؤون الإيرانية في لجنة العلاقات الخارجية في جهاز المخابرات العسكرية، وعملَ أيضًا مستشار استخبارات لإسحاق شامير، رئيس وزراء إسرائيلي سابق.
برز اسم بن ميناشي في وسائل الإعلام الدولي لأول مرة عام 1989، حين قبضت عليه سلطات الولايات المتحدة واتهمته بمحاولة بيع ثلاث طائرات نقل عسكرية لإيران من نوع «C-130»، في مخالفةٍ صريحة لقانون مراقبة تصدير الأسلحة الأمريكية، فأمضى بن ميناشي على إثر ذلك قرابة العام في السجن في نيويورك، وبُرِّئ لاحقًا عندما قبلت هيئة المحلفين دفاعه، بأنه تصرَّف بناءً على أوامر من رؤسائه في إسرائيل.
تزوَّج بن ميناشي في عام 1993 من امرأةٍ كنديَّة، وانتقل للعيش في كندا، وحصل على الجنسية الكندية، وعمل في التجارة وأسَّس عددًا من الشركات الخاصة، ولكن أهم قطاع عمل فيه كان تجارة السلاح، وتقديم الاستشارات لعدة شخصيات سياسية وأنظمة مستبدة في أفريقيا والشرق الأوسط، وفي قلب جهود بن ميناشي تأتي شركة «ديكنز آند مادسون» للضغط السياسي، ومن خلالها قدَّم خدماته المثيرة للجدل لصالح جهاتٍ سياسية في دولٍ مختلفة بأفريقيا والشرق الأوسط.
منها تعاقده مع المجلس العسكري السوداني، وتحديدًا مع محمد حمدان دقلو حميدتي، قائد قوات الدعم السريع السودانية، وتعاقدٌ آخر مع شركة «موانئ دبي» الإماراتية، وتعاقدٌ مع نبيل القروي، السياسي التونسي المرشَّح سابقًا لرئاسيات تونس عام 2019.
إقليم برقة: إبراهيم الجضران يسعى لتصدير النفط
بدأ المجلس الانتقالي في برقة تعاقده مع شركة آري بن ميناشي، «ديكنز آند ماديسون كندا – Dickens & Madson Canada»، بتاريخ 5 ديسمبر (كانون الثاني) 2013، والمجلس الانتقالي منبثق عن الحكومة التي تأسست في 2012 بإعلان إقليم برقة إقليمًا فيدراليًّا مستقلًّا، ولكن لم تعترف بها الأطراف الليبية الأخرى أو الحكومات الخارجية.
وبيَّن العقد أنَّ مهام الشركة الأساسية تنحصر في تأمين «اعتراف روسي» بحكومة برقة المستقلة عن طرابلس، وتأمين تسليح وعتاد عسكري للحكومة في الإقليم، وتنسيق بيع نفطها لزبائن دوليين.
وبرز في العقد اسم إبراهيم الجضران، العسكري الليبي وآمر حرس المنشآت النفطية الليبية السابق، ورئيس المجلس السياسي لإقليم برقة، الذي تصفه تقارير صحافية بأنه «أمير حرب»، وتاجر نفط غير شرعي، وقائد ميلشيات. وتُورد وثائق الشركة أسماء مستَفِيدَين آخرين من العقد ووقعا عليه، هما: أسامة بعيرة، الذي وصفته الوثائق بأنه «أحد مؤسسي وعضو المكتب السياسي في المجلس الانتقالي في طبرق»، وعبد الحميد الكزة، أحد أبرز مشايخ قبيلة العواقير في بنغازي، ونائب رئيس ما كان يعرف بـ«المجلس الأعلى للمدن والقبائل الليبية».
كان من المفترض أن يستمر العقد لمدَّة عام بتكلفة مالية تصل إلى مليوني دولار، وهو رقمٌ كبير في سوق اللوبيات مقابل هذه المدة الزمنية القصيرة، ولكن العقد انتهى قبل موعده في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2014، وتقول الشركة إنَّ الطرف الليبي لم يدفع المستحقات التي عليه.
ولا تكشف وثائق الشركة عن الكثير من التفاصيل، ولا توضِّح إذا ما قدَّمت خدمات للزبون الليبي أم لا، إلا أنَّ وثيقة التعاقد مليئة بالإشارات المهمة والكاشفة لأهداف التعاقد.
إذ يُورد العقد في إحدى فقراته أن بن ميناشي سيتكفَّل بتأمين منحة مالية من الحكومة الروسية لإبراهيم الجضران بقيمة 75 مليون دولار أمريكي، وذلك بشرط اعتماد العقد ودفع مستحقاته، وبعدها سيُوفِّر بن ميناشي المنحة الروسية للجضران. وذكرَ العقد أن الشركة ستؤمِّن للجضران تدريبًا ومعدات عسكرية.
ينصُّ العقد أيضًا على أن يضغط بن ميناشي على الحكومة والكونجرس الأمريكيين، وأن يدفع باتجاه حصول طبرق على الحكم الذاتي أو الاستقلال، مع توزيع أعدل للثروة في ليبيا. وأن تقدم شركة بن ميناشي دعمًا إعلاميًّا وعلاقات عامة للحركة الفيدرالية في ليبيا، ولربما من أهم البنود: ضغط الشركة على جهاتٍ غير أمريكية، لتحصيل اعتراف روسي بحكومة برقة، واعتراف حكومات دول أخرى، وتقديمها لدعم عسكري لقوَّات الإقليم، وكان لافتًا التركيز على المساعدة في إيجاد مشترين وناقلات نفط لشراء النفط الليبي من إبراهيم الجضران مباشرةً.
وبحسب ما كشفت صحيفة «نيويورك تايمز»، نجحت الشركة بالفعل في تحقيق بعض أهداف التعاقد وأهمها التواصل مع موسكو، وفي عام 2014 عرض الروس على الجضران شراء نفطه الخام ونقله عبر مصر نحو روسيا، مقابل تمويله بالأسلحة في أول ستة شهور، ثم ستبدأ بعدها بالدفع له نقدًا، ولكن اشترط الروس أن يكونوا القناة الوحيدة لنقل نفط الجضران، وهنا تراجع الجضران عن الاتفاق لـ«عدم ثقته بالروس».
وأخيرًا، تكشف وثائق الشركة عن تنسيقها لاتصالات لصالح أسامة بعيرة مع مكتب السيناتور الديمقراطي تيم كاين، وهو عضو لجنتي الخارجية، والقوات المسلحة. واتصالات أخرى للبعيرة مع طاقم لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.
وكما ذكرنا سابقًا، ووفقًا لوثائق الشركة، لم يدفع الجضران لشركة آري بن ميناشي المستحقات اللازمة عليه مقابل الخدمات التي قدَّمها من ديسمبر (كانون الأول) 2013 وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 2014، تاريخ انتهاء التعاقد.
ولكن هذا التعاقد لم يكن الأخير لآري بن ميناشي في ليبيا، فقد تعاقد في وقتٍ لاحق مع زبائن ليبيين آخرين مثل شركة أنيورت ليبيا، المملوكة للشركة الليبية للتنمية والاستثمار، ووقَّع تعاقدًا مع خليفة حفتر وعقيلة صالح لتشبيكهما بواشنطن وبموسكو، وسنأتي على ذكر هذه العقود في تقرير قادم.
هذا التقرير جزءٌ من مشروع «الحج إلى واشنطن»، لقراءة المزيد عن «لوبيات» الشرق الأوسط اضغط هنا.