إبراهيم بن الأشتر: أمير الانتقام الحسيني
تزدهر الشخصيات المركَّبة الشجاعة في الأزمنة العصيبة التي يختلط فيها الحق بالباطل، ويتلوَّن فيها الظلم بظلال من العدل، وتضيق الفوارق كثيرًا بين الظلام والنور، فتنتفي الاختيارات السهلة بين الخير الساطع والشر الحالك، ويصبح اختيار أهون الشرَّين هو أفضل المتاح.
كان إبراهيم بن الأشتر النخعي (21هـ – 72هـ) من مشاهير الفرسان في صدر الإسلام، ومن أبرز نماذج الشخصيات التي لا تقتصر شجاعتها وجرأتها على ساحات القتال أمام السيوف المُشهرة، إنما تظهر أيضًا في مواجهة الاختيارات المؤلمة. وإبراهيم بن الأشتر من أبرز الرموز التي يحتفي بها المسلمون الشيعة في كل أوان، وقد شهدنا منذ وقتٍ قريب في البحرين عام 2017م، خلافًا كبيرًا حول رغبة بعض الشيعة هناك في إنشاء مقامٍ لإبراهيم الأشتر في إحدى جزر البحرين.
في المقابل، لا تخلو المصادر السنية التاريخية من ذكرٍ لإبراهيم بن الأشتر، والإشادة بشجاعته وفروسيته وصدقه في الانتقام للحسين بن علي، رضي الله عنهما، لكن غالبًا ما يأتي هذا الذكر بشكلٍ مقتضبٍ لا يتناسب مع ثراء تلك الشخصية وخطورة أدوارها، ولعل الأبعاد المذهبية- التي سنحاول تخطّيها- تفسر هذا.
النشأة الأولى لأمير الانتقام لآل البيت
يتناقل الشيعة أحاديث بطولات إبراهيم بن الأشتر منذ أن كان شابًا يافعًا لا يتجاوز عمره 16 عامًا في موقعة صفين الكبرى عام 37هـ، والتي كان والده الأشتر النخعي فيها من أبرز أنصار الإمام علي كرم الله وجهه في مواجهة تمرد معاوية بن أبي سفيان وجيش الشام، وكان الإمام علي بن أبي طالب يقول عن والده الأشتر:
وقد عيَّن الإمام علي الأشتر النخعي والدَ إبراهيم واليًا على مصر، بعد موقعة صفين، لكنَّه مات مسمومًا في الطريق، وترجح بعض الروايات التاريخية أن ذلك كان بتدبيرٍ من معاوية بن أبي سفيان، وقد اشتهر عن عمرو بن العاص أبرز رجال دولة معاوية آنذاك مقولة بمناسبة وفاة الأشتر مسمومًا، أصبحت مثلًا سائرًا:
اقرأ: تعظيم معاوية وشبهة إضفاء القداسة على الظلم
لا شكّ أن تلك الفترة من الصراع الحاد مع الأمويين، التي شارك فيها إبراهيم بقوة رغم شبابه المكبر، وشهد خلالَها وفاة أبيه المريبة، وما قاساه الإمام علي كرم- الله وجهه- من عنت المواجهة مع الأمويين المتمترسين في الشام، قد عمَّقت من عدائه للأمويين.
لا تذكر كتب التاريخ كثيرًا عن حياة إبراهيم بن الأشتر طوال فترة خلافة معاوية بن أبي سفيان (41هـ – 60هـ) لكن عاد اسمه للظهور مُجدَّدًا عندما أرسل الآلاف من أهل الكوفة إلى الحسين بن علي- رضي الله عنهما- يدعونه إلى القدوم من الحجاز ليبايعوه بعد وفاة معاوية عام 60هـ.
بعث الحسين ابنَ عمه مُسلم بن عقيل إلى الكوفة ليجمع أنصاره هناك، ويُهيِّئ الأوضاع لقدومه، وكان إبراهيم بن الأشتر من أبرز من بايعوا مسلم بن عقيل، لكنه ما لبث أن اعتُقل، وزجَّ به في سجن والي الكوفة عبيد الله بن زياد لأشهرٍ طويلة، وقعت خلالها فاجعة كربلاء المعروفة عام 61هـ، ولم يستطِع إبراهيم أن ينصر الحسين، فلما أطلق سراحه، كان مصابًا بأزمةٍ نفسيةٍ مريرة، جعلته يعتزل الناس لفترة طويلة حتى جاءت ثورة المختار الثقفي بالعراق عام 65هـ رافعةً شعار الثأر للحسين.
العراق من كربلاء إلى ثورة المختار
شهد العراق والحجاز أحداثًا جسيمة بعد استشهاد الحسين بن علي، رضي الله عنهما، ورفقائه من أهل البيت في وقعة كربلاء، بتدبير والي العراق للأمويين عبيد الله بن زياد، عام 61هـ.
قضى يزيد بن معاوية- الذي فرضه أبوه وليًا للعهد في سابقة أولى في تاريخ الإسلام- ما بقي من خلافته يحارب المعارضين لحكمه، ومضيفًا إلى رصيده المزيدَ من الأعمال المروعة، مثل قمع ثورة المدينة المنورة، وقتل المئات من أبناء المهاجرين والأنصار في وقعة الحَرَّة عام 63هـ ، التي استباح خلالها الجيش الأموى مدينة الرسول ونكل بأهلها لأيام، قبل أن يتوجه ذلك الجيش إلى مكة للقضاء على تمرد عبد الله بن الزبير- رضي الله عنهما- المتحصَّن بالحرم، لتشرع مجانيق جيشه في قصف الكعبة مُلحقةً بها أضرارًا جسيمة، وبشرعية الأمويين بالطبع.
اقرأ: عمران بن حطان .. تابعي ثقة انضم للخوارج
تُوفي يزيد عام 64هـ، وما لبث ولي عهده، معاوية الثاني بن يزيد أن استقال، ومات بعد أسابيع قليلة، فاضطربت دولة الأمويين، وبايعت أكثر المناطق الإسلامية باستثناء أجزاء من الشام (معقل الأمويين) ابنَ الزبير بالخلافة، لكن ما لبث الأمويون أن انتصروا على أنصار ابن الزبير بالشام في موقعة مرج راهط عام 64هـ، وسيطروا على الشام فمصر، وشرعوا في محاولة استعادة العراق ثم الحجاز.
في تلك الأثناء، كان العراق يفور بثورة أنصار آل البيت المقموعين منذ زمن معاوية، والنادمين على خذلانهم الحسين. لم ينجح عبيد الله بن زياد في السيطرة على الكوفة، حيث ثار أنصار آل البيت، وطردوا معاونيه منها، وتبعتهم البصرة التي بايع بعض أهلها ابن الزبير، فاضطر ابن زياد للفرار إلى الشام نجاة بنفسه من الانتقام، وأسهم هنالك في حسم الصراع بين الأمويين والزبيريين بالشام، ثمَّ أعدَّ جيشًا كبيرًا ليستعيد به العراق.
اقرأ: الحسين الذي ظلم الظالمين
بزغت في الكوفة حركة التوابين بزعامة سليمان بن صرد الخزاعي، الذي كان من زُهَّاد وعُبَّاد الكوفة، وانضمَّ له المئات من أهلها رافعين شعار الندم على خذلان الحسين، والقصاص من قتلته أو الموت دون ذلك، ولمَّا علم التوابون باقتراب ابن زياد من العراق بجيشٍ كثيف فيه أشرس قادة الشام كالحصين بن نمير وشرحبيل بن ذي الكلاع، استنفروا للقتال، وجابوا شوارع الكوفة في مظاهرات تهتف: يا لثارات الحسين، وخرج منهم 5 آلاف من أصل أكثر من 16 ألفًا بايعوا ابن صُرد، ولم تفلح محاولات عبد الله بن يزيد والي الكوفة التابع لابن الزبير، في إقناع سليمان والتوابين بالانتظار حتى يحشد جيشًا كبيرًا موحدًا من الكوفة لمواجهة ابن زياد بفاعلية.
اقرأ: درس قَتْل قتلة الحسين .. الانتقام وحدَه لا يكفي
في منطقة عين الوردة غربي العراق، ورغم انتصارٍ أولى خاطف للتوابين على مقدمة جيش الشام، فإنَّ المعركة الرئيسة بعد أيامٍ أسفرت عن هزيمة مروعة للتوابين الذي واجهوا أكثر من 20 ألفًا من قوات الشام، واستشهد معظمهم في المعركة وعلى رأسهم قائدهم سليمان بن صرد.
لم تهدأ الأمور، إذ دعا المختار الثقفي شيعة العراق للثورة مجددًا طلبًا لثأر الحسين، وادَّعى أن معه كتابًا من محمد بن الحنفية (الأخ غير الشقيق للحسين) يوكِل إليه قيادة جهود القصاص من قتلة الحسين، وخدمت الأقدار المختار عندما أرسل المشككون وفدًا إلى ابن الحنفية في الحجاز للتثبت، فرد عليهم ردًّا ماكرًا لم يكذِّب فيه المختار، وركَّز على ضرورة الانتقام للحسين، فارتفعت أسهم المختار، بينَ الشيعة، لا سيَّما بعد أن نجح في إقناع إبراهيم بن الأشتر النخعي بترك عزلته، والانضمام للثورة، بعد أن أقنعه المختار وأصحابه بأنهم ينفذون أوامر ابن الحنفية، وبايع إبراهيمُ المختارَ قائدًا، رغم أنَّهُ كان يرى في نفسِه الأهلية والاستحقاق للقيادة.
اندلعت ثورة المختار في ربيع الأول 66هـ، وكان أول أحداثِها الكبرى هو قتل إبراهيم قائد شرطة الزبيريين في الكوفة إياس بن محارب، وكان إبراهيم هو القائد الميداني الأول في الثورة، ونجح في هزيمة القوة الرئيسية التي كان يقودها والي الكوفة للزبيريين، ومن تحالف معه من أمراء الكوفة، ومن شاركوا في قتل الحسين، وقد اعتمد المختار وإبراهيم على الموالي من غير العرب لا سيَّما الفرس، الذين كانوا يعانون من ظلم الأمويين ذوي الطابع العنصري ضدهم، وكان هذا من أبرز عناصر انتصار ثورة المختار في مرحلتها الأولى.
سيطر المختار على الكوفة، وتتبَّع المئات ممن شاركوا في قتل الحسيْن، وقتلهم، وهدم دورهم، ثم أرسل إبراهيم بن الأشتر بجيشٍ قوامه 7 آلاف مقاتل لحرب ابن زياد الذي استولى في تلك الأثناء على الموصل وشمالي العراق، لكن بمجرد خروج جيش إبراهيم، اندلعت ثورة مضادة في الكوفة بقيادة فلول قتلة الحسين، والمتعصبين ضد الموالي، لكن عاد إبراهيم مسرعًا بالجيش بعد أن استنجد به المختار، وقمع تلك الثورة المضادة، وقُتل المئات ممن شاركوا فيها، واستقرَّت الكوفة مجددًا للمختار إلى حين، فأرسل إبراهيم مجددًا لقتال ابن زياد، وطوى إبراهيم الأرض طيًا حتى تواجه مع جيش الشام بقيادة ابن زياد على بعد أميالٍ قليلة من الموصل، على ضفاف نهر الخازر
وما أدراك ما يوم الخازر
خرجَ إبراهيم بن الأشتر في ذي الحجة من عام 66هـ، يقودُ الآلاف من خيرة الفرسان والمقاتلين الموالين للمختار الثقفي، وجُلَّهم من الموالي الفرس، وخرج المختار لتوديعه. وقد استنكر إبراهيم الشطحات التي أظهرها بعض أنصار المختار في ذلك اليوم من إبراز كرسي منسوبٍ للإمام علي، كرم الله وجهه، وتبركهم به،واستنصارهم به، فرأى إبراهيم في مثل تلك التصرفات تشبُّها مذمومًا ببني إسرائيل، ونُقِل عنه أنه دعا قائلًا:
بادر إبراهيم بالهجوم فورًا على جيش الشام، ليستغل ما نقلته له العيون من سريان الرعب في قلوبهم من شجاعة إبراهيم ومن معه، رغم الفارق العددي بين الجيشيْن. ونجح إبراهيم في استعادة السيطرة على زمام الأمور في جيشه بعد أن اضطرب في بداية المعركة عندما أشاع ابن زياد والشاميون أن إبراهيم قد قتل، وأن المختار قد هُزِم في الكوفة.
استفاد إبراهيم من خلافٍ بين قبائل العرب القيسية واليمانية في جيش الشام، حيث كان الأمويون يعتمدون أكثر على اليمانية، وتجلَّى هذا في معركة مرج راهط عام 64هـ، فانخذل كثير من القيسية مع بداية المعركة، فاهتزَّ جيش الشام، فحمل إبراهيم بقواته حملةً هائلة، موقعًا خسائر جسيمة بالجيش الشامي الذي قُتل كبار قادته وفي مقدمتهم عبيد الله بن زياد، والحصين بن نمير الذي قصف الكعبة بالمجانيق عام 64هـ، وأمر إبراهيم بإرسال رأس عبيد الله فورًا إلى المختار في الكوفة، فاحتفى بها الأخير، ثم أرسلها إلى آل البيت في الحجاز ليشفيَ صدورهم من أكبر قتلة الحسين.
ونُقلَ عن الإمام أبي داوُود السجستاني صاحب السنن المشهورة أنه كان يترحَّم على إبراهيم بن الأشتر لقتله عبيد الله بن زياد أخذًا بثأر الحسين. وامتدح بعض الشعراء إبراهيم بعد هذا الانتصار الساحق قائلًا:
لكن ما كادت أنباء هذا الانتصار الهائل تصل إلى الكوفة، حتى كانت أخبارًا أخرى سيئة قد وصلت إلى هناك، فقد وصلت الخلافات بين المختار وابن الزبير إلى نقطة اللا عودة، فأرسل الأخير أخاه وأخطر قادته مصعب بن الزبير واليًا على العراق للقضاء على المختار، فدخل البصرة، وحشد على الفور جيشًا ضخمًا من البصرة وخُراسان، وانضم إليه خصوم المختار في الكوفة لا سيّما من نجا من قتلة الحسين، وانتصر جيشُ مصعب على أول جيشٍ أرسله المختار، فخرج المختار للقتال بمن بقي معه من الجيش، ولم يكن بجانبه هذه المرة إبراهيم بن الأشتر، الذي كان لا يزال في شمال العراق.
اقرأ: درس قَتْل قتلة الحسين .. الانتقام وحدَه لا يكفي
دارت معركة حاسمة قرب الكوفة، وهُزم أنصارُ المختار، وانقلب عليهم أكثرية الكوفيين، وقذفوهم بالحجارة، وقتلوا الفارين منهم، وحُوصر المختار في القصر، وقاتلَ حتى قُتل. ثم بالغ مصعب في الانتقام من أنصار المختار، بتحريضٍ من خصومهم في الكوفة، فقتل جميع أسراهم وكانوا 7 آلاف، معظمهم من الموالي، رافضًا عرضهم إطلاق سراحهم مقابل أن يُحاربوا الأمويين في الشام، وقد برَّر مصعب ما فعل، بأن المختار وأصحابه قد كفروا بالإسلام، وأشركوا بالله، واستدلّ بواقعة التبرك بالكرسي وغيرها من مظاهر التقديس الزائد للمختار ولآل البيت.
عدو الأمويين حتى النهاية
بعد مصرع المختار، تبارى مصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان الأموي خليفة الشام، في محاولة ضم إبراهيم بن الأشتر، فوعده مصعب بولاية الشام بعد هزيمة الأمويين، ووعده عبد الملك بولاية العراق بعد القضاء على الزبيريين. فاستشار إبراهيم أصحابه، فانقسموا بين هذا المعسكر وذاك، لكن قرَّر إبراهيم في النهاية مبايعة الزبيريين، لا سيَّما وأنه قد أصبحت كل قبائل الشام تقريبًا والموالية للأمويين موتورة منه بعد موقعة الخازر التي قتل فيها الآلاف منهم.
وقد بدا هذا الموقف من إبراهيم بن الأشتر مثيرًا لكثير من الجدل، ورأى العديد من الشيعة القدماء والمعاصرين أنه يستحق النقد الشديد، حيث يرونَ أن ظلم الدولة الزبيرية لآل البيت لا يقل كثيرًا عن مظالم الأمويين. لكن يبدو أن عداء إبراهيم بن الأشتر للأمويين كان هو قضيته الكبرى صاحبة الأولوية على أي اعتباراتٍ أخرى.
ويبدو أن إبراهيم قد أوفى ببيعته لابن الزبير على أكمل وجه، إذ يروي ابن عبد البر الأندلسي في (التمهيد) أنه لما خرج الحسن بن محمد بن الحنفية (حفيد الإمام علي) ضد الزبيريين بعد أن ضيَّقوا على أبيه لدعمه ثورة المختار، ورفضه دعمهم ضد الأمويين، فإنَّ إبراهيم ألقى القبض عليه، وأرسله إلى ابن الزبير، الذي زجَّ به في السجن.
خلال السنوات الخمس من 67هـ – 72هـ التي كان فيها إبراهيم من رجال الدولة الزبيرية، لم تحدث حوادث كبرى على صعيد المواجهة مع الأمويين، باستثناء محاولة عبد الملك عام 70هـ عمل انقلابٍ في البصرة ثم الانقضاض بعدها على العراق، لكنه فشل، وانشغل كل طرفٍ بترتيب أوراقه الداخلية في مناطق سيطرته، حتى جاء عام 72هـ وفيه خرج عبد الملك بن مروان الأموي من الشام بجيشٍ ضخم يُقدَّر بـ50 ألف مقاتل، قاده بنفسه لانتزاع العراق من مصعب، فأرسل مصعب إلى إبراهيم بن الأشتر في الموصل يستنفره، فجاءه بجيشه، وجعله مُصعب قائد الميسرة في جيشه، في الموقعة الفاصلة التي عرفت بموقعة مسكن غربي العراق، وبلغت أقصى تقديرات جيش مصعب 30 ألفًا، ولعله ندم حينها على 7 آلاف سيف ضد الأمويين أبادَها بقصر نظره قبل سنواتٍ خمس.
لم تكد عجلة المعركة تدور، حتى وقعت أولى الخيانات المؤثرة في جيش العراق بانسحاب عتَّاب بن ورقاء الرياحي أمام الشاميين، وكان قد تواطَأ معهم سرًا، وأجزل له عبد الملك بن مروان العطاء مقابل تلك الخيانة. وقد ندم معصب بن الزبير بعد فوات الأوان لاعتماده على عتاب هذا المذكور، والذي سبقَ أن حذَّره إبراهيم بن الأشتر من ولائه المتذبذب، وطلب منه اعتقال وقتل كل من ثبت تخابره مع الأمويين لا سيَّما من كبار أمراء الكوفة، لكن لم يستجِبْ مصعب. وتتابعت الخيانات أثناء القتال لا سيَّما من أمراء الكوفة متقلبي الولاء، وبدا أن الهزيمة محتومة، ورفض مصعب وإبراهيم صفقات الاستسلام التي عرضها عليهم عبد الملك.
تمثَّل الفارسان مُصعَب بن الزبير وإبراهيم بن الأشتر مصارع الحسين وآله في موقعة الطف (كربلاء) قبل 10 سنواتٍ، فسُمِعَ مُصعب يترنَّم قائلًا:
واندفع يقاتل بضراوة في قلب صفوف الأمويين، وفي تلك الأثناء، كان إبراهيم ومن ثبت معه يتوغلون في ميمنة الشاميين التي يقودها محمد بن مروان أخو عبد الملك، ويزعزعونها عن مواقعها، لكن أُحيط إبراهيم بطوفانٍ من الشاميين، فقتل منهم العشرات حتى تكاثروا عليه وقتلوه. أما مصعب فظلَّ يقاتل بيدٍ فيها سيف، وأخرى تحمل رمحًا، حتى لم يبقَ معه سوى 7 من خاصة أصحابه، وابنه، حتى لحقوا بإبراهيم بن الأشتر. واستولى عبد الملك على العراق، ثم أرسل أواخر العام رجل مهامه القذرة الحجاج الثقفي للقضاء على ما بقي من دولة عبد الله بن الزبير في الحجاز، وحُسِم الصراع بين الأمويين والزبيريين عام 73هـ باستشهاد ابن الزبير، وفرض عبد الملك الخلافة الأموية مجددًا بالسيف.