إبراهيم السكران: السجين القرآني
مؤخراً، تداول عدد من النشطاء على موقع التواصل الإجتماعي «تويتر» خبرَ الحكم على الباحث والمحامي السعودي إبراهيم السكران بالسجن لمدة خمس سنوات مع النفاذ، وقد حمل وسم إبراهيم_السكران_خمس سنوات ردودَ أفعالٍ متباينة؛ بعضها لمحبين دعوا الله أن يفرج عنه ضائقته وأخرى لخصومٍ فرحوا بهذا القرار وأثنوا خيراً على جهود «ولاة الأمر» في تحقيق الأمن والسلم الإجتماعي. ويأتي الحكم على السكران بعد عامٍ من اعتقاله على خلفية تغريدات كتبها في مايو 2016 يبدو أنها لم ترق السلطة، فقررت إقصاءه والزج به في غياهب السجن. أما عن التهم التي حوكم بموجبها، فتتضمن السعي إلى «زعزعة اللُحمة الوطنية»، واستهداف «استقرار المجتمع ووحدته»، والقدح «في أجهزة الدولة والتنقص من إنجازاتها» لأجل «تهييج وإثارة الرأي العام»، بالإضافة إلى تهمتي «التدخل في شؤون الدول الأخرى» و«التعرض بالإساءة لقادتها»، والمقصود بقادتها هنا السيسي وبشار الأسد.
فمن هو إبراهيم السكران وما هي حيثيات إعتقاله وحبسه؟
من هو إبراهيم السكران؟
أبو عمر إبراهيم بن عمر السكران المشرف الوهبي التميمي، محامي سعودي وباحث ومفكر إسلامي، له اهتمام بالفلسفة والتنوير والمذاهب الفكرية والعقدية؛ حاصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة من جامعة الإمام محمد بن سعود، والماجستير في السياسة الشرعية من نفس الجامعة، وكذا الماجستير في القانون التجاري الدولي من جامعة اسكس البريطانية.
من كتبه: «الماجريات» (2015)، «مسلكيات» (2014)، «رقائق القرآن» (2014)، «سلطة الثقافة الغالبة» (2014)، «التأويل الحداثي للتراث» (2014)، «الطريق إلى القرآن» (2012)، و«مآلات الخطاب المدني» (2007). وله عشرات المقالات والرسائل والمراجعات المنشورة على شبكة الإنترنت؛ جُلها في موضوعات شرعية وثقافية وإجتماعية تتجلى فيها نصوص الوحي وفهم السلف كمرجعية وثيقة للاحتكام ونقاش المخالفين.
ويُعرَف السكران في الوسط الشرعي السعودي باعتباره واحداً من طلبة العلم الأذكياء والمجدين حتى أن باحثاً سلفياً كعبد الله العجيري وصف ورقته (مآلات الخطاب المدني) بأنها «أعظم منتج فكري قدمته الحالة السلفية في المشهد المحلي السعودي». ويضيف الباحث عمرو بسيوني، «السكرن نموذج خاص من العمق التأصيلي الشرعي بمعناه الفني التقليدي، مع الانفتاح على الواقع الغربي وأسسه النظرية والفلسفية، مع حرارة إيمانية وحركية حاضرة باستمرار في أطروحته»، إلى أن يقول «وهو لون متفرد في واقعه المحلي السعودي، وقليل في الواقع الإسلامي».
والمطالع لكتابات إبراهيم السكران يجد فيها نفساً قرآنياً تدبرياً لا تخطؤه العين، فهو يبحث مسائل كثيرة ويحيل أجوبتها إلى القرآن الكريم، ناهيك عن الحضور البارز لابن تيمية في كتاباته ووفرة نقولاته عنه. وقصة النفَس التدبري تولدت لديه في الفترة التي قضاها في تعلم اللغة الإنجليزية بنيوزيلاندا. يقول السكران عن هذه التجربة: «في مطلع ربيع الأول 1428هـ، مارس 2007م، كانت الطائرة قد حطَّت بي وبزوجتي في نيوزيلاندا لأتم دورة في اللغة الإنجليزية، وكانت مدتها خمسة أشهر على حسابي الخاص، وحين بدأت الدراسة في المعهد وجدت نفسي بعيدًا عن معمعة المجاذبات الفكرية المحلية في المشهد الفكري المحلي السعودي في قرية صامتة خارج الوطن، لا تسمع فيها كل سادسة مساء إلا حفيف الأشجار، وكانت أدغال مهجورة، وكانت فرصة حقًا للتأمل المنظَّم، وخصوصًا أنني حين أعود من المركز وأنهي التكليفات المدرسية فإنه يتبقَّى لدي وقت طويل، فصمَّمت على أن أُعيد دراسة كل الملفات الفكرية التي عشت أسئلتها على ضوء القرآن، فابتدأتُ بالمصحف من الفاتحة إلى الناس، أقف عند كل مقطع وأتأمَّل ما فيه من الشواهد والإجابات على الأسئلة الفكرية التي أُثيرت في مرحلة سابقة، ثم أسجل الآية مع الإشارة إلى وجه الاستشهاد بها في ملف خاص، وبعد شهرين وصلت إلى خواتيم جزء (عم) وأنهيت المهمة. فبدأت بتحرير خلاصة النتائج، واستغرق التحرير زهاء أسبوعين وانتهيت من آخر حرف خططته فيها في 10 ذي الحجة 1428، الموافق لـيوليو2007م»[1].
جديرٌ بالذكر أن إبراهيم السكران كان قديماً من المتأثرين بالخطاب الليبرالي وله بحوث مغايرة تتبع تلك الحقبة كبحثه المعروف في نقد مناهج العلوم الشرعية التي تُدرس في المدارس الحكومية حيث اعتبرها من أسباب نمو ظاهرة الغلو والتشدد في المملكة العربية السعودية [2]. لكنه وعقب نشر ورقة «المآلات» في 2007 أعلن براءته التامة مما سبقها، وكتبَ يقول: «…وأنا أبرأ إلى الله من كل حرف خططته قبل ورقة مآلات الخطاب المدني، وأحذر كل شاب مسلم أن يغتر بمثل هذه المقالات التي كنت فيها ضحية الخطاب المدني المعاصر الذي يغالي في الحضارة والتسامح مع المخالف، وأنصح إخواني الذين لازالوا مخدوعين بمثل هذه المفاهيم أن يعودوا للقرآن ويسبروا الطريق واضحاً»[3].
كما كتبَ السكران قبيل اعتقاله مجموعة مقالات مطولة في نقد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) اعتماداً على مواد ووثائق التنظيم الرسمية، وهو ما دفع البعض للتساؤل: إذا لم يسلم دعاة الوسطية ونبذ الغلو من فتك السلطة بهم، فمن يسلم إذن؟ أو كما عبرَ الشيخ مشاري الشثري بأن اعتقال إبراهيم السكران وعبد العزيز الطريفي يَبِثُ «رسالة مشجعة مطمئنة لأهل الغلو بأن صوت الجهل والعقل في الحكم سواء».
الاعتقال والسجن
في 14 يونيو 2016، تناقلت الصحف خبر إعتقال إبراهيم السكران من منزله بالرياض، وقد ترجَّح أن أسباب الاعتقال مجموعة تغريدات غرد بها السكران خارج السرب.
* تغريدة بتاريخ 25/5/2016 ينتقد فيها الأسد وازدواجية بعض الليبراليين في توصيف الأحداث: «الفلوجة وحمص وصنعاء ضحايا لجزار واحد وذريعة الإرهاب التي يدعيها هنا، ادعاها هناك. والليبرالي المساند لذبح الفلوجة، هو من اعتبر نصرة الشام تحريضاً».
*تغريدة أخرى بتاريخ 26/5/2016 ينتقد فيها السيسي وازدواجية الليبراليين: «يصفق لمجازر السيسي في المبادين، ويتغنى لإيران تذبح الفلوجة، ثم يجعل نصرة مستضعفي الشام إرهاب يستوجب المحاكمة ! كيف تحجرت القلوب ومات الحياء؟!».
*تغريدة ثالثة بتاريخ 27/5/2016 ينتقد فيها قاسم سليماني والمصفقين له: «إذا بلغت بهم العمالة تسمية إرهاب سليماني تحريرا للفلوجة، فلا يستبعد أن يكتبوا لاحقا: الحوثي يحرر صنعاء، وبشار يحرر حمص، وحزب الله يحرر طرابلس!».
*تغريدة رابعة بتاريخ 29/5/2016 ينتقد فيها الإعلام المحسوب على السعودية:
«من يصدق أن إعلاما منسوبا لبلد الحرمين: يجعل جرائم السفاح الشيعي سليماني «تحريرا» ويجعل دمعة الخطيب السني «إرهابا» تطرف لبرالي بلغ مرحلة جنونية!».
هذا وكانت آخر تغريدة غرد بها إبراهيم السكران بتاريخ 31 مايو 2016 ليتوقف بعدها وهو ما تزامن مع انتشار خبر اعتقاله. وبعد عامٍ من الاعتقال، حكمت عليه المحكمة الجزائية المختصة بالحبس خمس سنوات مع النفاذ.
ومن نافلة القول أن أنشطة السكران مراقبة من قبل أجهزة الأمن السعودي، فباحث شرعي مثله أنىَّ يترك، حتى أنه اعتذر عام 2013 عن حضور مؤتمر نَّظمه منتدى العلاقات العربية والدولية في الدوحة بعنوان (الوهابية والسلفية.. الآثار والأفكار) بسبب منعه من السفر. والمنع من السفر يكون إما بقرار من المحكمة أو بمذكرة من وزير الداخلية، ولا تخلوا أسباب هذا المنع من تعسف كما هو معلوم للمراقبين.
سجناء الرأي في السعودية
بطبيعة الحال، فإن اعتقال وحبس إبراهيم السكران لأجل آراءٍ سلمية تدخل ضمن حرية التعبير لا يُعَد حالةً استثنائية، فمن قبله كان الشيخ عبد العزيز الطريفي؛ الذي اعتقل على خلفية تغريدات ينتقد فيها (بشكل غير مباشر) تنظيم عمل الهيئة الجديد، والآلاف غيرهما. وأكثر هؤلاء تُفَصّل لهم تهم على شاكلة «الخروج عن طاعة ولي الأمر»؛ «زعزعة اللُحمة الوطنية»؛ «المشاركة في التظاهرات»؛ «كتابة المقالات»؛ «الاتصال مع مراسلي وكالات أنباء أجنبية»، وغير ذلك. وفي عام 2011، قُدِرَ وجود حوالي (30,000) معتقل سياسي في أروقة السجون السعودية؛ «أي ثلاثة أضعاف السعة المفترضة الرسمية المقدرة بـ10,000. واعترف المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية، اللواء منصور التركي، بوجود 5,000 سجين سياسي في البلد، وقد قام عدد من المحامين ونشطاء الحقوق في السعودية بجمع قائمة من الأسماء ضمت حوالي 7,000 من السجناء السياسين»[4].
يجادل عمرو بسيوني أن عَزل السكران والطريفي عن هذه المرحلة «قرار منطقي وفق براجمتيك نظام يتخلص من عبء الماضي الإسلاموي، ويفك صيغة عقده التأسيسي معه، وذلك في ظل وجود مشيخي تقليدي راكد عديم التأثير، من بقايا السلفية الرسمية والعلمية والجامية».
[1] نقلها عبد الله العجيري في محاضرة مرئية له بعنوان (مركزية القرآن الكريم في السجال الفكري المعاصر) (يوتيوب/ 19 مارس 2017).[2]المقررات الدراسية الدينية أين الخلل؟: قراءة في فقه التعامل مع الآخر والواقع والحضارة في المقررات، إعداد إبراهيم السكران وعبد العزيز القاسم، مكة المكرمة: ملتقى الحوار الوطني الثاني، 1424هـ.وانظر تعليقات الشيخ سليمان الغصن عليها، بعنوان: (نظرات في ملحوظات الكاتبين إبراهيم السكران وعبد العزيز القاسم على مقررات مناهج العلوم الشرعية في التعليم)، منشورة على موقع المسلم بتاريخ 28/2/1425هـ.[3] مقال بعنوان (توضيح بشأن ماكتبته قبل ورقة المآلات)، منشور على موقع صيد الفوائد.[4] تقرير اللجنة الإسلامية لحقوق الإنسان (السجناء السياسيون في السعودية: نحو عقد ثالث من الصمت)، أكتوبر 2011، ص: 11.