بإمكاني لعب كرة القدم وأنا سكران — هل تعلم من أكون؟
هناك نمط مشترك من السلوك بين متابعي الرياضات، فهم يحبذون تناول المشروبات أثناء مشاهدة أي حدث رياضي، وتختلف طبيعة هذا المشروب بين ثقافة وأخرى. الغالبية العظمى من الأمريكيين والأوروبيين يفضلون مشاهدة المباريات في الحانات مع أصدقائهم، فالحانة لها أهمية كبرى في حياة كل شخص مهووس بالرياضات، ولها صلة قوية وعلاقة وثيقة بالأندية والمباريات.
الأمر لا يقتصر على المتابعين فقط. فالكحول يعتبر أحد أكثر الممنوعات استخدامًا بين الرياضيين بشكل عام. خلافًا للمخدرات والمنشطات، فإن المشروبات الكحولية تستخدم على نطاق واسع من قبل الرياضيين، ويكون استخدامها على وجه الخصوص لمساعدة الرياضي على الاسترخاء بعد موسم طويل، أو بعد انتهاء المباريات احتفالًا بالانتصار أو غرقًا في أحزانهم بعد الخسارة. لكن هناك بعض الرياضيين أدمنوا شرب الكحول حتى أثناء مزاولتهم للرياضة وليس بعد الاعتزال.
لماذا يشرب الرياضيون؟
جنبًا إلى جنب مع ازدياد الشهرة والثروات، فكونك نجمًا رياضيًا يعني أنك سترزح تحت ضغط لايمكن لأحد آخر تخيل مدى صعوبة تحمله. إما مرورك بفترة سيئة على صعيد المستوى، أو ضغط الحصص التدريبية اليومية والمباريات، أو الإعلام الذي سيلاحقك في أي مكان تحل به. ناهيك عن المغريات التي تتاح لك كونك أحد الشخصيات المجتمعية الهامة والثرية. كل هذه الأمور مجتمعة ستؤدي إلى دخول الرياضي في صراع مع نفسه ويؤدي إلى الاستسلام للمخدرات والكحول.
قصص كثيرة من اللعبة في الماضي والحاضر عن لاعبين عظماء أدمنوا الكحول، ولعب الكحول دورًا محوريًا في حياتهم. وتقارير عن المشاكل التي عانى منها اللاعبون أصبحت أكثر تواترًا وتكرارًا. منهم من ذهب إلى مراكز إعادة التأهيل ونجحوا في التغلب على إدمانهم، ولكن آخرين ظلوا حبيسي قواريرهم ولم يتمكنوا من الخروج من عنقها.
«بول جاسكوين» ما يزال عالقًا في هذه المتاهة ولم يفلح في إيجاد مسلك معبّد للخروج، وكان الأمر بالنسبة له بالغ الصعوبة ويمكن تشبيهه بتسلق قمة إيفرست وهو ثمل. أما آخرون فقد نجحوا في تخطي تلك العقبة خلال مسيرتهم المهنية، وتمكنوا من العودة إلى اللعبة بشكل أقوى. اليوم سنسلط الضوء على قصة «توني آدامز» الذي تمكن من ربح معركته مع الزجاجة بعد أن أدماه الكحول وتسبب له في مشاكل كثيرة على مر السنين.
لا أريد المزيد
في المملكة المتحدة، كانت معظم الفرق تتشارك عادة الشرب بعد مباراة عطلة نهاية الأسبوع، فيمكن اعتبارها كثقافة منتشرة بسبب تأثر اللاعبين الصغار برؤية زملائهم الذين يفوقونهم سنًا وهم يجتمعون في الحانات بجانب الجماهير في بعض الأحيان. ليس الجميع بطبيعة الحال، بل الغالبية العظمى من كانوا يرتادون الحانات بشكل متكرر.
و الأمر سيان بالنسبة للاعبي أرسنال، فقبل وصول «أرسين فينجر» إلى لندن كمدرب لأرسنال في منتصف التسعينات، كان قائد النادي الإنجليزي «توني آدامز» وزميله «بول ميرسون» يذهبان إلى الحانات بعد المباراة مباشرة بصحبة بعض زملائهم مثل «ايان رايت» و «لي ديكسون»، وآخر مرة تم رصدهم هناك كانت بعد قدوم الفرنسي بفترة وجيزة.
قبل وصول «فينجر» إلى لندن بأيام قليلة، خرج كابتن أرسنال «توني آدامز» للصحافة واعترف بأنه مدمن على الكحول منذ 12 عامًا. أمر لم يكن سهلًا على الإطلاق، لكن رغبة آدامز كانت تدفعه للاعتراف بذلك علنًا بعد أن أخفى الأمر لسنوات طويلة؛ لأنه لم يعد قادرًا على التعامل مع الأمر والكذب مجددًا. قائد المدفعجية قرر أن يمسك الخيط من بدايته ويحاول علاج المشكلة بشجاعة بتحريض من مدربه الجديد. «آدامز» اكتفى بالعذاب الذي تعرض له خلال 12 عامًا ولم يعد قادرًا على تحمل المزيد من ضربات السوط.
انعدام الأمان
بشكل عام، هناك ندرة في الأبحاث والتحليلات عن سبب إفراط اللاعبين في شرب الكحول، رغم معرفتهم بأن جسد الرياضي بحاجة للرعاية والانتباه لما يأكل ويشرب. يعتبر آدامز أن لجوءه للكحول كان يتزامن مع عدم ممارسته لكرة القدم خلال فترة الراحة في نهاية الموسم. كرة القدم كانت الشيء الوحيد الذي يشعره بالراحة والأمان، ولذلك هرب إلى ما ينسيه ذلك وكان الكحول وسيلة جيدة لإبعاده عن هذا الشك.
لكن في الوقت نفسه، لم يكن «آدامز» يحب شخصيته أثناء فترة إدمانه، وكان يحتقر نفسه ويشعر بقلة احترام الذات. فكان يعرف كيف يثمل، وفي الآونة نفسها استمر بممارسة كرة القدم، ولكن لم يكن يدرك من يكون بسبب التغير الحاصل في شخصيته وطباعه.
كان الإنجليزي يستيقظ مغطى بقيئه أو مبللًا نفسه، ويفتقد التوازن في حياته، حتى أنه تعرض لحادث سقط فيه من على درج المنزل وسبب له جرحًا احتاج إلى 29 غرزة لخياطته. «آدامز» افتقد لما يميزه داخل الملعب، وافتقد صفة لاعب الكرة التي عرفه الناس بها.
بالإضافة لذلك، افتقد الإنجليزي للحياة الطبيعية خارج نطاق الرقعة الخضراء، فلم يحظَ بصداقات حقيقية خلال فترة إدمانه. كانوا أشخاصًا لمشاركة مجالس الشرب. ليست مشكلتهم بطبيعة الحال، بل كانت مشكلته التي يتوجب عليه إيجاد الحلول لها. بكل تأكيد لم تكن أمرًا سهلاً للخروج منه؛ لأن «آدامز» أخذ الأمر إلى حده الأقصى، ولم تكن عادة للتسلية أو الاسترخاء كما الآخرين.
فندق العقاب!
بسبب تركيزه على كرة القدم، كان بإمكانه الابتعاد عن الكحول لمدة 3 أسابيع أو أقل في مناسبات عديدة، لكنه كان يشرب دائمًا في نهاية المطاف. «آدامز» عبر بسفينته نحو الجهة الخاطئة ولم يستطع العودة إطلاقًا. وكان لحظات سكره المتكررة تسحبه نحو القاع أكثر فأكثر.
كانت رحلته مع الإدمان أشبه بمصعد ينزل ويصعد للأعلى عندما تضغط على أزرار المصعد. فبإمكانك النزول في الطابق الذي تريد والقيام بما تريد، ومن ثم العودة إلى المكان الذي أتيت منه والاستمرار في الشرب من جديد، وهذا ما عرّضه للكثير من المتاعب.
سيارة توني آدامز
في عام 1990،تم الحكم على الشاب الإنجليزي بالسجن بسبب قيادته لعربته وتحطيمها وهو في حالة سكر تجاوز فيه الحد المسموح بـ 4 أضعاف. قضى «آدامز» 58 يومًا خلال فصل الشتاء ما بين ديسمبر 1990 وفبراير 1991 في سجن «تشلمسفورد» وأطلق سراحه بوقت مبكر قبل أن تنقضي عقوبته بشكل كامل.
بالنسبة له، فالسجن لم يعلمه شيئًا، وكان مجرد مكان يقضي فيها إجازته بعيدًا عن الملاعب في أحد الفنادق. لم يشعر بالخوف، ولم يحس بأنه يتعرض للعقاب، وهذا ما منحه الأمان داخل السجن، بالإضافة لكونه لم تقدم له يد المساعدة للتخلص من إدمانه.
المحرض فينجر
بالنسبة لـ«أرسين فينجر»، يعتبر الفرنسي بأن جسم الرياضي مقدس جدًا إلى أبعد حد ويجب حمايته بشتى الوسائل، فنهى اللاعبين عن الذهاب إلى الحانات وتناول المشروبات الكحولية لأنها أسوء رفيق بالنسبة للرياضي. «فينجر» الذي نشأ وترعرع في مطعم والدته في ستراسبورج اختبر بشكل حقيقي وملموس ما يمكن أن يسببه الكحول للأشخاص، وكيف يؤثر على شخصياتهم وسلوكهم بشكل سلبي.
يعتبر «آدامز» أن وجود «فينجر» ساعده كثيرًا في التخلص من إدمانه، حيث وضع له برنامجًا خاصًا من عدة مراحل وأخبره بأنه سيكون بأتم الجاهزية بعد أشهر قليلة. وبالفعل كان قائد أرسنال جاهزًا، ورفع كأس بطولة الدوري وكأس الرابطة وهو في الـ30 من عمره. حتى أن الفرنسي ساعد «آدامز» على إطالة عمره الرياضي من خلال نظام الطعام الصحي والتدريبات البدنية التي فرضها الفرنسي منذ قدومه إلى النادي.
فضلًا عن ذلك استمر «آدامز» مع النادي حتى عام 2002 رغم ما مر به وعاناه. التعافي من الإدمان جعله يعرف نفسه كإنسان بشكل أكبر. هذا الصبي الصغير الذي يلعب كرة القدم لأرسنال منذ سن 17، كان في بدايته متخوفًا من الفشل، وأصبح قائدًا للفريق وهو في عمر الـ 21. ورغم ما اختبره خلال سنين الضياع كان رجلًا مختلفًا بشكل تام عند عودته واعتزاله.
افتتح الإنجليزي بعد اعتزاله مركزًا لمعالجة الرياضيين المدمنين على الكحول والمخدرات، وقد ساعد اللاعب الروماني «أدريان موتو» على التعافي من إدمانه على الكوكائين في عام 2004.