أنا «ستيفين جيرارد»، أتدرون لماذا انزلقت؟

لا أدري ما المفروض عندما نتحدث عن جيرارد؟ هل نتحدث عن قدراته الخارقة كلاعب كرة أصبح من النادر أن نرى مثله، أم عن بطولاته مع ليفربول ومسيرته الخالدة في الأنفيلد، أم عن أرقامه الفردية القياسية؟ لا، كل هذا باستطاعتك أن تكتشفه على الإنترنت في ساعة أو أقل، ولكننا هنا سنتحدث عن نهايات جيرارد التي كلها تتشابه في الحزن والغضب، وربما هذا كان سبب استمرار الأسطورة، ستيفين جيرارد.

الحلم

طفل مولود بمدينة ليفربول لا يهوى شيئًا من الدنيا سوى كرة القدم متمثلة في فريق مدينته؛ ليعطيه القدر فرصة تحقيق الحلم ويُقبل باختبارات ليفربول، لتعم الفرحة عائلته جميعها، خصوصًا والده الذي كان متعصبًا لليفربول. يحكي جيرارد أنه في تلك الفترة كان موهومًا بفريق ليفربول الذي حقق آخر لقب دوري عام 1990 . تكوَّن الحلم داخل الطفل الصغير بحمل اللقب الذي حمله دالجلتيش ورفاقه أمام أعين الجميع!

لم ينتبه جيرارد لكم الإشارات التي كان يطلقها له القدر أنه لن يحقق حلمه الذي ظل معه عامًا بعام، أو ربما لتصبح القصة أكثر شجنًا انتبه، لكنه قرر القتال حتى يصبح البطل المهزوم في النهاية. البداية كانت في عام 1998 ليحل مكان جيمي ريدناب المصاب ويتألق ثم يسجل 50 مشاركة في موسم 2000/ 2001 الذي فاز فيه ليفربول بالدوري الأوروبي وكأس إنجلترا وكأس الرابطة، مسجلًا هدفًا في نهائي الدوري الأوروبي ليحصل على جائزة أفضل لاعب شاب في الموسم من الاتحاد الإنجليزي.

في الموسم التالي فاز ليفربول بالدرع الخيرية والسوبر الأوروبي، عفوًا ستيفين! أين البريميرليج؟ تلك الكأس اللعينة ذات التاج الذهبي، ألا تريد أن تفوز بها؟ تلك الأسئلة مرت بعقل جيرارد في تلك الفترة التي فاز فيها بكل شيء وكانت صورة فريق عام 90 تمر أمامه، هذا هو وإلا فلا.

معذرة! وهل فوز ليفربول بكل شيء في عام 2001 مانع لتحقيق جيرارد البريميرليج؟ بالطبع لا، ولكن تكرار القصة بسيناريوهات مختلفة في بطولات مختلفة يؤكد هذا، فمن فوز ملحمي على ديبورتيفو ألافيس 5-4 في نهائي الدوري الأوروبي 2001، إلى فوز معجزة على فريق ميلان الخيالي في 2005 بعد التأخر بثلاثية، وهناك فوز بشق الأنفس على ويستهام في نهائي الكأس، ولكن لا يوجد شيء في الدوري يوحي بأنه قادم.

تشيلسي البداية والنهاية، سألعب مع الخسران

في صيف 2004 ومع قدوم رافا بينيتز ليحل محل الفرنسي جيرارد هوليير تلقى جيرارد عرضًا من البرتغالي جوزيه مورينيو المدير الفني الجديد للفريق الطموح وقتها تشيلسي، ولكن بينيتيز سافر إلى البرتغال لمتابعة كابتن فريقه في يورو 2004 وتمكن من إقناعه بالبقاء. في يونيو/حزيران عام 2005 وبعد أسابيع قليلة من الفوز بدوري أبطال إعجازي على حساب ميلان فاجأ ستيفين الجميع وطلب رسميًّا الانتقال لتشيلسي!

جيرارد كان يحب ليفربول، ولكنه إنسان وليس شخصية خيالية، ضعف أمام المال والنجاح المنتظر، ولكنه عاد لحب قلبه القديم.

المكان: ملعب الأنفيلد

التاريخ: 27 أبريل / نيسان 2014

الحدث: ليفربول يواجه تشيلسي قبل النهاية بـ 3 جولات، وهو أقرب من أي وقت مضى للفوز بالبريميرليج لأول مرة من عام 1990 بعد تغلبه على السيتي وتصدره بفارق نقطة عنه، الفوز يضمن بنسبة كبيرة اللقب لأشبال بريندان رودجرز، حلم جيرارد القديم يقترب.

التعادل السلبي يسيطر على مجريات اللقاء، جيرارد يتوسط قلبي الدفاع سكرتل وساخو ليستقبل الكرة كما كانت عادته في هذا الموسم. ساخو يستقبل، يمرر، جيرارد أحد أفضل ممري الكرة في العالم يفشل في السيطرة على الكرة، يحاول اللحاق بها ويسقط، ليكمل ديمبا با المشهد بقتل أحلام ليفربول.

جيرارد عن ذلك الحدث

وكأن القدر قرر أن تكون نهاية حلم ستيفين بيده أو بقدمه إن جاز التعبير، وأمام النادي الذي كان قد قرر أن يترك الحلم من أجله! سكريبت الحياة.

واحد من الناس، سينما عاطف الطيب

في القصص الخارقة للأبطال عمومًا لا يهزمون، لا ينكسرون ولا يستسلمون، أما جيرارد فقد كان بطلًا عاديًّا. جيرارد كان واحدًا من جمهور الأنفيلد الذي يحلم باللقب أيًّا يكن من سيأتي به. نجح كثيرًا وفشل كثيرًا أيضًا، ولكنه لم يتخاذل قط، ولتلك الأسباب كانت تلك النهاية.

في السينما المصرية في فترة الثمانينيات، كان عاطف الطيب أحد رواد الواقعية. قصص تبدو حقيقية لا يقوم فيها البطل بتحرير حبيبته من الأسر بعد أن يضرب عصابة بأكملها ويتلقى خزنة رصاص كاملة في قلبه.

كان عاطف الطيب يصنع أبطالًا نعرفهم ونراهم يوميًّا، ييأسون ويحبطون مثل الأسطى رضا في فيلم الدنيا على جناح يمامة الذي فعل كل شيء لينقذ أصدقاءه ولكنهم انتهوا في السجن. أبطال يحاولون قدر استطاعتهم والنهاية دومًا لم تكن عظيمة للمشاهد، ولكنها كانت عظيمة كدرس للحياة، لا للانتصار الدائم .

آخر مباراة لجيرارد كانت الهزيمة من ستوك بسداسية! وآخر مباراة أوروبية له كانت الخروج أمام بازل في الأنفيلد وآخر مواجهة لمانشستر يونايتد طُرد فيها بعد نزوله للملعب بثوانٍ معدودة. هكذا كان ستيفين جورجي جيرارد ينفعل ويغضب ويخسر ويبكي ولا يفوز دائمًا.

جيرارد الذي تجلى في إسطنبول ليسجل هدفًا عالميًّا ويقود عودة تاريخية أمام ميلان العظيم، هو نفسه الذي انزلق أمام تشيلسي وخسر الدوري، جيرارد الذي سجل هدفًا لن يتكرر أمام ويستهام في نهائي الكأس من منتصف الملعب هو من سجل هدفًا في مرماه في نهائي كأس الرابطة أمام تشيلسي! هو نفسه أكد الفكرة نفسها عندما قال إن كل الناس تنزلق، ولكن انزلاقه كان مؤلمًا للغاية، هو مثل كل الناس.

انتهت القصة لواحد من أبطال كرة القدم عمومًا وأساطير الأنفيلد، أحد أعظم متوسطي ميدان اللعبة بشهادة لاعب مثل زيزو، وهو لم يفز بالدوري، أو بالأحرى تسبب في فقدانه. القصة في حد ذاتها ستظل ملهمة مثل قصة بوفون ودوري الأبطال وباجيو وكأس العالم وغيرهما كثيرون . القصة كانت لا بد أن تنتهي بنهايات مثل هذه ليؤكد جيرارد أنه واحد من الناس.