«ثأر الله»: الحسين في الخيال المصري الأدبي والتاريخي
عبد الرحمن الشرقاوي : الحسين ثائرًا وشهيدًا
بدموع منهمرة أتذكر كيف أنهيت قراءتي الأولى لمسرحية الكاتب المصري عبدالرحمن الشرقاوي عن الحسين وأنا في منتصف سن المراهقة. هنا تبدو خبرة البكاء أثناء قراءة ذلك العمل الأدبي مشتركة ومتكررة بين من أعرف كما صارحني أحد أقربائي.
صدرت مسرحية «ثأر الله» بجزأيها «الحسين ثائرًا» و«الحسين شهيدًا» في عام 1969، وهي تتناول رفض الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، إعطاء البيعة ليزيد بن معاوية عام 60 من الهجرة، وتطورت أحداث ذلك الرفض وصولًا إلى لحظة استشهاد الحسين على أرض كربلاء في العراق.
كتب الشرقاوي نص مسرحيته الملحمي بعد هزيمة عام 1967، التاريخ هنا له أهمية في فهم المشترك بين الماضي والبعيد والماضي القريب، الظلم والاستبداد والقمع السياسي الذي تتناوله الرواية هو نقطة البداية الموغلة في التاريخ التي تنبع منها كل مشاكل الحاضر الذي عاصره الكاتب، والذي أدى بنهاية المطاف إلى الهزيمة المريرة في عام 1967.
العودة الإحيائية إلى البدايات والجذور والتراث في مسرحية الشرقاوي، تزامنت مع بدايات صحوة دينية في المجتمع المصري منذ نهاية ستينيات القرن الماضي وتنامت بشكل واضح في سبعينيات ذلك القرن. وانعكست في اهتمامات كاتب المسرحية صاحب روايتي «الشوارع الخلفية» و«الأرض» التي تحولت إلى فيلم سينمائي شهير من إخراج المخرج المصري يوسف شاهين؛ إذ اقتصرت مؤلفات الشرقاوي حصرًا بعد ذلك التاريخ على السرد التاريخي التراثي، كما نجد في كتبه «علي إمام المتقين، ابن تيمية: الفقيه المعذب، الفاروق عمر، أئمة الفقه التسعة».
تبدأ مسرحية «ثأر الله» بحدث وفاة معاوية بن أبي سفيان، وأخذ البيعة ليزيد ابنه بالترغيب والترهيب من المسلمين، الموقف الذي ولدت منه بطولة الحسين من بين أضلع تلك المأساة السياسية الكبري، حيث وقف موقفًا مبدئيًا ضد هذه البيعة التي ستتحول معها الخلافة في الإسلام إلى ملك وراثي.
بشكل بديع تتناول المسرحية الحوارات وأحاديث النفس بين الحسين وآل البيت وبني أمية، حيث يقرر بعد منام رآه أن يقف في وجه السيل، ويتحدى ما هو قادم.
كما تتناول المسرحية ببيان بليغ طلب بني أمية البيعة من الحسين ورده عليهم:
كما يستنطق الشرقاوي شخصية الحسين بن علي، رضي الله عنه، ويخاطب من خلالها ضمير المسلمين الصامتين الساكتين عن قول الحق في كل زمان ومكان.
ويطلب الشرقاوي على لسان الحسين أن يتذكره الجميع أن يدركوا ثأره من خلال عدم تخليهم دومًا عن طلب العدل والحق:
كيف رسم العقاد وطه حسين وخالد محمد خالد صورة الحسين التاريخية؟
اهتم الكثير من الكتاب والأدباء المصريين في التاريخ الحديث والمعاصر بقضية استشهاد الحسين، وأُلفت في هذا الإطار العديد من الأعمال الكلاسيكية التاريخية والأدبية، من أبرزها كتاب «أبو الشهداء: الحسين بن علي» لعباس محمود العقاد، وكتاب «الفتنة الكبرى» لطه حسين بجزأيه الأول والثاني، وكتاب «أبناء الرسول في كربلاء».
لكي نفهم جانب من صورة الحسين في الخيال المصري والعربي الحديث التي تكونت عبر أعمالهم الأدبية والتاريخية، نجد على سبيل المثال الكاتب والأديب المصري عباس محمود العقاد يذهب في كتابه المشار إليه إلى أن الأوضاع في عهد يزيد بن معاوية بلغت حداً لا يعالجه إلا الاستشهاد، ويقول في هذا السياق إن الدعاة المستشهدين يخسرون حياتهم وحياة ذويهم، ولكنهم يمدون دعوتهم بأسباب البقاء، فتظفر بنهاية المطاف بكل شيء حتى المظاهر العرضية والأرضية.
فصحيح أن يزيد قد انتصر في معركة كربلاء وهزم الحسين، إلا أن دعوة الأخير ظلت باقية وقام عليها ملك العباسيين والفاطميين، واستند عليها ملك الأيوبيين والمماليك بشكل أو بآخر وصولًا إلى عهد العثمانيين.
فالشهادة حسب تعبير العقاد إن كان خصمًا ضعيفًا في اليوم والأسبوع والعام، إلا أنها أقوى الخصوم الغالبين في الجيل والقرون ومدى الأيام، في هذا الإطار أصبح الحسين بن علي الشهيد ابن الشهيد، ليس مجرد رجل طلب الحكم وصارع من أجله، وإنما رمز لصراع من أجل الحق والثبات على المبدأ رغم الخيانة، ومثالًا ورمزًا على هذا المستوي ليس فقط للمسلمين ولكن في التاريخ الإنساني برمته.
الانحيازات ذاتها التي يتبناها العقاد يتبناها أيضًا طه حسين وخالد محمد خالد في كتابيهما، وهو اتجاه ليس استثنائياً بطبيعة الحال في الأدبيات السنية التاريخية، فالحسين من منظور معظم أهل السنة والجماعة مذهب الغالبية الساحقة من المصريين المعاصرين، هو بطل وشهيد، وهو سيد شباب أهل الجنة كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، ولذلك لا يعد أهل السنة والجماعة في هذا الإطار امتدادًا تاريخيًا للأمويين، الذين يُعد كثير منهم «نواصب» حسب التعبير التراثي الاصطلاحي.
لذا غني عن القول إن الحسين لا يعد بطلًا يستأثر به الشيعة وحدهم، ولكنه بطل وشهيد عند أهل السنة والجماعة أيضًا، ورمزًا إنسانيًا للثورة على الظلم والظالمين في كل مكان وزمان.