حسين الشافعي: نائب الرئيسين الذي نجا عبر عهدين
نائب الرئيسين، لقبه الذي لازمه فترة طويلة من حياته. فقد عمل نائبًا للرئيس جمال عبدالناصر ثم خليفته الرئيس أنور السادات. بقاؤه في هذا المنصب الحساس في عهدين مختلفين جعله يحاول إبعاد رجال العهد اللاحق عن رجال العهد التالي عليه، وهذا ينبئ عن أهمية كبيرة للرجل، وعقلية مرنة استطاعت التكيّف مع الرئيسين، إنه حسين الشافعي.
من مواليد 8 فبراير/ شباط عام 1918، في طنطا. كان والده مهندسًا في بلدية طنطا ثم انتقلوا للمنصورة. كان جده لأبيه عمدة قرية في مركز قويسنا، وجده لأمه مصطفى العزيزي عمدة مدينة طنطا. وفرّت له تلك العائلة القوية فرصة سهلة للالتحاق بمدرسة القديس لويس الفرنسية لمدة 3 سنوات. انتقل بعدها إلى مدرسة القاصد الابتدائية في طنطا، ثم مدرسة المنصورة الثانوية. أما المرحلة الأهم في حياته فكانت التحاقه بالكلية الحربية عام 1936.
في الحربية التقى الأصدقاء الذين سيشكلون مستقبله لاحقًا، عبدالمنعم رياض وجمال عبدالناصر وأنور السادات وزكريا محيي الدين. فور تخرجه في الكلية عمل في سلاح الفرسان عام 1938. وكان من الطليعة الأولى التي شاركت في حرب فلسطين عام 1948. توطدت علاقته بباقي الضباط الأحرار في تلك الحرب، شأنه شأن عديد من رجال الضباط الأحرار.
اختاره عبدالناصر ليكون ممثلًا للضباط الأحرار في سلاح الفرسان عام 1951. وكان الشافعي قائد الكتيبة الأولى مدرعات في يوم 23 يوليو/ تموز 1952. بذلك رسّخ الرجل اسمه في مجلس قيادة الثورة. بعدها التحق بكلية أركان حرب في أكتوبر/ تشرين الأول 1952. ظلت تلك الخطوة غير مفهومة لكثيرين، فالرجل بات من قيادات الثورة التي تحكم البلاد في حينها. لكن فسر حسين الشافعي تلك الخطوة لاحقًا بأن مصير الثورة لم يكن واضح المعالم بعد، فآثر أن يظل في منطقته العسكرية المحببة والآمنة.
إنجازات إدارية
بعد مرور عام كان الشافعي قد حصل على ماجستير في العلوم العسكرية، وبات مؤهلًا ليشغل منصب وزير الحربية عام 1954، في أول حكومة يشكلها الرئيس جمال عبدالناصر. لكن عام 1955 تركها ليشغل منصب وزير الشئون الاجتماعية. كان هو من أدخل نظام التأمين الاجتماعي، والعديد من المبادرات التكافلية التي لا تزال قائمة حتى الآن مثل معونة الشتاء وقطار الرحمة. بعد الشئون الاجتماعية تولى منصب وزير التخطيط.
من أبرز ما شارك الشافعي في تخطيطه كان الوحدة بين مصر وسوريا. فقد كان من ضمن الوفد المشارك في المفاوضات للوحدة بين البلدين في فبراير/ شباط 1958. كما شغل منصب وزير الدولة لشئون الأزهر وعضوًا في الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي عام 1961. بعد ذلك بأربع سنوات أصبح مشرفًا على الجهاز المركزي للمحاسبات. في ذلك الجهاز حقق الشافعي إنجازات ضخمة، فقد تولى الجهاز بجديّة لم يعامله بها أحد ممن سبقوه. ووضع نظامًا محاسبيًا قويًا، وأرسى قواعد ما زال الجهاز يتعامل بها حاليًا.
وعاد بعد ذلك للمناصب الحساسة المتعلقة بالثورة والتمرد حين كان رئيس محكمة الثورة التي أشرفت على مناظرة المتهمين المزعم اشتراكهم مع وزير الحربية آنذاك، المشير عبدالحكيم عامر، بعد هزيمة يونيو/ حزيران عام 1967.
قبل رئاسة تلك المحكمة، وأثناءها، كان عبدالناصر قد اختاره نائبًا له عام 1963، واستمر في ذلك المنصب حتى عام 1969. لم يترك عبدالناصر إلا حين وفاته. لعل ذلك يفسر كلام عديد من رفاق الثورة وتفسيرهم علاقة الشافعي وعبدالناصر. فقد قال فتحي رضوان عن علاقة الاثنين إنها العلاقة الوحيدة في دائرة عبدالناصر التي كانت خالية من الشد والجذب. وكان عبدالناصر يذكر الشافعي دائمًا ويحكي عن طيبته وسلامة نيته.
موقف عاصف وحيد
لكن عصام الدين حسونة، وزير العدل، يروي عما وصفه بالموقف الوحيد العاصف بين عبدالناصر والشافعي. حين قال الشافعي إن نسبة كبيرة من دواعي الالتفاف حول الرئيس عبد الناصر والتمسك به بعد نكسة يونيو/ حزيران 1967، كانت وجدانية، وعاطفية، ومن وحي اللحظة.
هنالك ظهرت على وجه عبدالناصر علامات غضب كاسح لأن هذا التحليل جرحه. حاول الشافعي أن يترضا ووضع يده على كتفه. فازداد انفعال عبدالناصر وأزاح يد الشافعي من فوق كتفه. فاتجه إليه عبدالناصر قائلًا بعنف إنه يقول إن ما حدث كان بسبب انفعال وقتي لأن الشافعي طلب منه رفع الحراسة عن ابن خالته فرفض عبدالناصر، ويستطرد عبدالناصر مؤكدًا أن هذه المسألة ظلت تحز في نفس الشافعي إلى درجة دفعته للتفوه بما قال.
أصبح السادات هو النائب الأول للرئيس جمال عبدالناصر. ومع تولي السادات الرئاسة اختار الشافعي نائبًا له كذلك. استمر حسين الشافعي في منصبه لمدة 5 سنوات، حتى عام 1975. لكنه ترك منصبه دون أي توصيف رسمي، لا إقالة ولا استقالة. فقط اختفى الرجل من الساحة السياسية، ولم يكن يظهر إلا وهو يهاجم السادات.
فلم يترك فرصة صحفية أو إعلامية إلا وهاجم السادات. كانت مهاجمته وطريقة خطابه نافذة على شخصية حسين الشافعي. فالرجل كان يؤمن بالعسكرية بصورة كبيرة، ويرى ضرورة أن تتركز كل السلطات في يد حاكم واحد. يكون هو واضع القوانين والقاضي والجلاد.
لم يكن الشافعي يتوارى حين يُفسر لماذا أصدر أحكامًا تعتمد على تفسيره هو للأحداث دون النظر إلى الأدلة الواقعية. ففي حالة الحكم بإعدام عبدالقادر عودة، يقول الرجل إنه رفع في مظاهرات عابدين قميصًا ملوثًا بالدم. تلك الإشارة يراها الشافعي تهديدًا للرئيس وللضباط الأحرار بالقتل، رغم أن الرواية الأخرى للقصة تقول إن عودة رفع القميص إشارة للعنف الذي وقع ضده.
عودة لكونه نائبًا للسادات. ترددت في الأوساط السياسية في وقته مقولة تقول إن الشافعي ظل محتفظًا بمنصبه نائبًا للرئيس دستوريًا بسبب عدم صدور قرار رسمي بإقالته. لكن الرد على تلك المقولة جاء من فقهاء الدستور أيضًا بأن الرجل قد فقد هذا المنصب دستوريًا وقانونيًا بمجرد إعادة انتخاب السادات وانتهاء ولايته الرئاسية الأولى. لم يكن الشافعي مباليًا بتلك المقولات، ولم يبدُ مباليًا كذلك بكونه يُعين في الوزارات بعد زملائه الأصغر منه سنًا.
صراع انتهى بموت طرفيه
لكن ظلت العيون تبحث عن تفسير لسر خروج الرجل من الساحة، ثم مهاجمته المستمرة للسادات. بعض التفسيرات تقول إنه بعد وفاة عبدالناصر وبداية البحث عن رئيس جديد للبلاد، كان حسين الشافعي يرى نفسه أحق بالرئاسة. لكن السادات والتيار المؤيد له سارعوا في تزكية السادات والحصول له على الحقوق الدستورية. لكن لم ينته الصراع الهادئ بين الرجلين حتى بعد تولية السادات رسميًا.
فقد روى أمين هويدي، وغيره، أن الشافعي بدأ يحاول محاولات جادة لإثبات وجوده في السلطة بما يتناسب مع طول خدمته لعبدالناصر. فقد أقام قصرًا رئاسيًا مساويًا بينه وبين الرئيس. يقول أمين هويدي كذلك إن الشافعي كان الوحيد في اللجنة التنفيذية العليا الذي اعترض على ترشيح السادات. كما أصر على أن يكون رئيسًا للوزراء طالما تمت تسمية السادات رئيسًا، لكن لم يحصل على ذلك المنصب.
تضاربت الأقوال حول مصير الرجل بعد خروجه من المشهد السياسي، لكن المؤكد أن الرجل عاد في عدة لقاءات إعلامية ليروي شهادته على كافة الأحداث، استمرت تلك اللقاءات لمدة عامين. وأوضح الشافعي موقفه المستمر من السادات الذي وصل إلى حد وصفه بأن السادات أضاع نصر أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973 بقراراته. ثم هاجمه لاحقًا لتوقيعه معاهدة السلام مع إسرائيل، ووصفه أنه كان عميلًا للمخابرات الأمريكية منذ الستينيات.
لم ينفض الشافعي عن ذكر السادات إلا في آخر شهرين من حياته، حيث داهمه المرض وظل يصارعه حتى عام 2005، عام وفاته عن عمر ناهز 87 عامًا.