كيف نجا فايلر من فخ صالح جمعة؟
نحن الآن أمام تصريحين شكلا المحور الأساسي للحديث عن علاقة «صالح جمعة» بالنادي الأهلي في الوقت الحالي. التصريح الأول كتب من خلاله «رينيه فايلر» نهاية صالح جمعة مع النادي الأهلي للأبد. أما التصريح الثاني، فهو كالعادة محاولة من إدارة النادي لإعطاء صالح جمعة فرصة أخرى.
يبدو التصريحان على درجة كبيرة من الاختلاف. فتلك الفرصة التي داوم مسئولي الأهلي منحها لصالح جمعة يبدو أنها لن تتكرر أبدًا ما دام استمر فايلر على رأس المسئولية الفنية للنادي الأهلي.
هل أدرك رينيه فايلر شيئًا ما عن صالح لم يدركه مسئولو الأهلي لسنوات أم أنه مثال على دقة النظام السويسري الذي يلفظ الموهبة الخام ولا يعترف بها. دعنا نحاول الإجابة على هذا السؤال بتحليل حديث فايلر بشيء من المنطق.
أفضل ما قدمه لنا تصريح فايلر هو الفصل بين الموهبة والعقلية أو على حد قول الرجل القدرة الذهنية والقدرة الفنية، في القادم من سطور سنستغرق في تحليل الفارق بين الأمرين وسنستعين خلال هذا التوضيح بأفكار أستاذة علم النفس الأمريكية كارول دويك والتي طرحتها في كتاب «طريقة التفكير (العقلية) السيكولوجية الجديدة للنجاح».
تظهر الموهبة أولًا لكنها لا تأتي في المقدمة
يؤمن الجميع في مجال الرياضة بأهمية الموهبة الفطرية، بل إن تلك الموهبة الفطرية هي العرض الأساسي الذي تقوم عليه صناعة كرة القدم. تمتلك الفرق الأوروبية الكبرى عدداً كبيراً من المستكشفين يجوبون أنحاء العالم لاستكشاف تلك المواهب الفطرية، حتى تلك المواهب التي لم تُكتشف بعد تصبح محل صراع من الأندية التي تدفع أموالًا طائلة لاستقدامها في شكلها الخام ويبدو ريال مدريد وتعاقداته مع مواهب البرازيل الشابة تباعًا خير دليل على ذلك.
بعض هؤلاء اللاعبين يثبت الزمن أنهم لا يملكون العقلية المناسبة للعب في أندية القمة، لكن الأندية لا تستطيع أن تضمن ذلك ولذا تتحصل على الموهبة أولًا وتدع الزمن يختبرها. الفارق الجوهري إذًا بين الشق الفني والشق الذهني هو أن الأول تستطيع أن تراه فورًا، أما الآخر يجب عليك اختباره.
الموهبة الفطرية تمثل الشق الفني في تصريح فايلر أما عقلية اللاعب تمثل الشق الذهني في ذات التصريح. سارع الأهلي بالتعاقد مع صالح جمعة نتيجة لموهبته الفطرية الملحوظة ثم خلال ثلاث سنوات ونصف السنة أثبت صالح أنه لا يمتلك العقلية المناسبة للعب في النادي الأهلي.
هنا يظهر سؤال آخر، ماذا يدور في عقول هؤلاء الموهوبين، لماذا لا يتشبثون بتلك الفرص الذهبية ويبذلون أقصى جهد ممكن ما داموا يمتلكون الموهبة الفطرية وهي العنصر الأصعب.
ماذا يدور داخل عقل صالح جمعة؟
هذا الاهتمام الجنوني بالموهبة يؤثر بالضرورة على طريقة تفكير الأشخاص ذوي الموهبة الفطرية. يشعر معظمهم أنهم ليسوا بحاجة إلى بذل الجهد، فبذل الجهد يقوم به الآخرون الأقل موهبة. لا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إنهم يرفضون تحليل عيوبهم ومحاولة إصلاحها ذلك أن فكرة عدم الكفاءة بشكل عام هو أمر لا يطرأ على ذهنهم أبدًا.
على الرغم من فرص صالح المتتالية والتي باءت بالفشل فإنه لن يكون غريبًا أن تسمع صيحات الجماهير بمجرد نزول صالح للإحماء خلال أي مباراة. بل إنه ما زال البعض يعتقد أن صالح يحتاج لفرصة أخرى والسر في كل ذلك هو التقدير المبالغ للموهبة التي يمتلكها صالح بالفعل والتي جعلت صالح يشعر بأنه لا يحتاج لبذل الجهد أبدًا فهو لديه مكانة محفوظة في قلوب الجماهير بفضل موهبته فقط.
ما يزيد الطين بلة أن هؤلاء الموهوبين لا يكتفون بعدم بذل الجهد فقط، بل إنهم ينكرون تمامًا فشلهم ليظهر عوضًا عن ذلك مبررات دائمة واتهامات بالظلم على يد الآخرين.
تكمن المشكلة دومًا في الآخرين
بمرور الوقت يصبح أصحاب المواهب الفطرية متأثرون بتميزهم ولا يتعلمون كيف يتغلبون على الإخفاقات. يقدم اللاعب الموهوب موهبته كوجبة وحيدة للجماهير الجائعة ليتلقى استحسانهم وبمجرد أن يشعر الموهوب بأن هؤلاء الجماهير يطالبون بوجبة أخرى وهي العمل والاجتهاد يقف ساكنًا فهو لم يملك أي وجبة أخرى طوال حياته وحينئذ يتهم الآخرين بانعدام التذوق.
ساعدت الموهبة الفطرية صالح جمعة أن يصبح لاعبًا في النادي الأهلي وهي قمة ما يستطيع لاعب كرة القدم تحقيقه في مصر ثم وبمجرد أن بدأ البعض التشكيك في قدرات صالح الفنية ومدى جدواها لم يجد صالح ما يدافع به عن نفسه سوى المزيد من الوعود والمبررات واتهام الآخرين بالظلم أو على حد قوله: «نهش اللحم».
يبقى مثال «ميسي» و«ريكيلمي» مثالًا جيدًا لتلك الحالة. يمتلك الاثنان موهبة فطرية جبارة وهي التي ذهبت بهم من الأرجنتين إلى قمة كرة القدم في برشلونة. استطاع ميسي أن يتحول لأسطورة كرة القدم وأيقونتها لأنه امتلك عقلية البطل الذي عرف أن الموهبة وحدها لن تكفي ورغم الإخفاقات التي تعرض لها فإنه من النادر أن يخرج أحد ليشكك في مجهود ميسي خلال المباريات.
بينما اعتنق ريكيلمي مذهب «الموهبة وحدها تكفي» وبمجرد أن شكك البعض في قدرته على اللعب في فريق بحجم برشلونة كان رد ريكيلمي أنه لا يؤمن بالتكتيك من الأساس ملخصًا كرة القدم في مبدأ بسيط «إذا كنت أكثر مهارة من منافسك فحتمًا ستفوز». هذا المعتقد أطاح بريكيلمي من برشلونة ليستقر به الأمر في موطنه مرة أخرى حيث تتذوق الجماهير هناك وجبة المهارة دون شبع.
فايلر واتساق القرارات مع القناعات
يتبقى لنا جزء أخير خاص بفايلر وإدارة النادي الأهلي أو كيف نجا فايلر من فخ الفرصة التي يطلبها صالح جمعة.
تثبت قرارات فايلر على الدوام اتساقًا كبيرًا مع معتقداته، سواء داخل الملعب أو خارجه. دفع فايلر بكل الوجوه المتاحة لديه في قوام الفريق للتعرف على إمكانياتهم ومدى مناسبتها لطريقة لعبة إلا صالح جمعة، فلماذا؟
لأن فايلر ببساطة شديدة لا يحتاج اختبار قدرات صالح، فهي واضحة تمامًا للجميع وهو شخصيًا لا ينكرها. يحتاج فايلر أن يختبر عقلية صالح لا قدراته وهو الأمر الذي يتمثل في بذل صالح الجهد المطلوب لكي ينافس أقرانه، وهو ما فشل فيه صالح على أرض التدريب.
أدرك فايلر أن مشاركة صالح جمعة خلال المباريات هو الفخ الذي سينزلق فيه كما فعل من سبقوه. فماذا لو تألق صالح جمعة خلال نصف ساعة أمام فريق مغمور في مسابقة كأس مصر.
ستصبح النتيجة حتمًا هي تكرار جديد لتاريخ صالح جمعة مع النادي الأهلي. انبهار من الجماهير ثم مطالبة منهم بأن يأخذ صالح فرصته كاملة ثم تقاعس في التدريبات من صالح يعقبه عدم المشاركة في المباريات الرسمية ليبقى صالح صداعًا مزمنًا في رأس فايلر ومطلب جماهيري لن يتحقق أبدًا.
هنا نأتي لدور إدارة النادي والتي ترى أن الإعارة حلًا مثاليًا. الحقيقة أن الفارق الجوهري بين تعامل إدارة الأهلي مع الموقف وتعامل فايلر هو الفارق بين مصير المواهب الكسولة في مصر وفي أوروبا. مدة اختبار عقلية اللاعب في مصر تبقى أطول دائمًا واتخاذ قرار بتحديد أيهما أهم للفريق الموهبة أم العقلية يأتي متأخرًا تمامًا.
طبقًا للطريقة المصرية سيخرج صالح جمعة للإعارة لينتج لنا احتمالين، الأول، تألق صالح وحينئذ ستطالب الجماهير والإدارة بعودته لكي يستفيد الفريق من موهبته الفنية. والاحتمال الآخر، هو عدم تألقه وحينها أيضًا ستطالب الجماهير والإدارة بعودته لكيلا يستفيد ناد آخر من موهبته الفذة. إنها لعنة الموهبة الفطرية والتقدير المبالغ التي لا نتخلص منها في مصر أبدًا.