كيف شاهدنا فيلم «18 يوم» بعد 2300 يوم
الفيلم الذي يحكي عن ثورة قامت في مصر وصل أخيرًا إلى أهل مصر، بعد مرور ما يزيد على ست سنوات وخمسة أشهر. 10 مخرجين، و8 كتاب، ونجوم من الصف الأول، ووجوه جديدة حينها أصبحت نجومًا في الوقت الحالي. 10 أفلام قصيرة في بروجرام واحد، 10 أفلام لا يجمعها سوى بطل واحد، ثورة يناير.
استقبل جمهور مواقع التواصل الفيلم بشكل احتفالي، وكأنهم مشتاقون لأي شيء يذكرهم بزمن يبدو الآن وكأنه لم يحدث أصلا، لدرجة أنني أشك أحيانا أنها كانت مجرد هلاوس. شاهدنا الفيلم، بقلوب تتذكر لحظات قوة دفع لحظات ما بعد يناير/كانون الثاني، وعقول تدرك أن محتوى هذا الفيلم من المستحيل أن يسمح له بالعرض في مصر التي نعيش فيها قسراً الآن.
وبين هذا وذاك نقدم لكم مراجعتنا لهذه المجموعة المتنوعة من الأفلام القصيرة التى تشترك جميعها في قرب اتصالها بيناير، كونها قد صنعت وتم عرضها في مايو/أيار 2011 للمرة الأولي، أي بعد تنحي مبارك بأقل من أربعة شهور، ليصبح الفيلم هو العمل السينمائي الأول عن ثورة يناير، ولسخرية القدر يصبح الآن أحدث ما يراه الجمهور عنها.
احتباس/ شريف عرفة
وكأن مصر تم سجنها في عنبر داخل أحد مستشفيات الأمراض العقلية، هكذا تدور حكاية «شريف عرفة». بين إسلامي تم اتهامه بالإرهاب، رجل أعمال تم الاستيلاء على أمواله، صحفي تم كتم صوته، مدرس تم اتهامه بتحريض طلبته، رجل شرطة مضطرب بعد مظاهرات عمال المحلة، وشاب مصاب بفقدان مؤقت للذاكرة.
الفيلم يبدو كمشهد مسرحي يعتمد على مجموعة من الشخصيات الأحادية، يعرض من خلالها عرفة حكاية المواطنين المصريين في عصر مبارك، ثم يعرض ردود أفعالهم المختلفة على ثورة يناير/كانون الثاني، التي يتابعونها بالطبع من خلال شاشة تليفزيون تتحكم فيها إدارة المشفى. الحكاية تبدو قديمة ولكنها معبرة للغاية عن طريقة تفكير جيل عرفة.
رغم مسرحية الفيلم الشديدة إلا أن رمزيتها تبدو أكثر وضوحًا الآن، وبعد مرور أكثر من 6 سنوات، حيث اكتسبت السخرية معنى جديداً من خلال ربطها بوقائع تحدث الآن، ففي أحد المشاهد يمسك ضابط الشرطة المضطرب بتلالبيب أحد المواطنين ليتهمه بالتآمر والرغبة في إسقاط مصر، لنكتشف أننا ندور في نفس الضلالات منذ أكثر من 6 سنوات.
قد يكون أذكى ما الفيلم هو رمزية إدارة المستشفى، الإدارة التى تغلق نوافذ العنبر إذا نفذ من خلالها أي هتاف، ثم توقف إرسال شاشة التليفزيون الوحيد في العنبر وتعرض بدلا من ذلك تشويشا مستمرا لأيام، قبل أن تعرض خطاب التنحي، وتهنئ سكان العنبر بانتصار الثورة وتختتم بتمنياتها لهم بإقامة سعيدة بنوافذ مفتوحة ولكن داخل العنبر أيضا.
خلقة ربنا/ كاملة أبو ذكري – بلال فضل
ذكي وحقيقي، شخصي ومؤثر، هكذا يمكننا وصف فيلم كاملة أبو ذكري وبلال فضل. فبعد حكاية عرفة القديمة انتقلنا مباشرة لطزاجة في اللغة والحكي بالإضافة لأداء تمثيلي مميز من الموهوبة ناهد السباعي في خلقة ربنا.
الحكاية عن فتاة مصرية تسكن حارة شعبية، تصبغ شعرها باللون الأصفر، تخشى من الأحاديث المتناقلة عن أن الله سيعاقبها على ذلك، تنزل للتحرير في الخامس والعشرين من يناير لتبيع الشاي للمارين كأي يوم عادي ولكنها تفاجأ بتظاهرات شبابية تطالب بالعيش والحرية والعدالة، تتعلق عيونها بعيون شاب ثوري يؤدي دوره الوجه الجديد حينها أحمد داوود. تنتهي الحكاية والفتاة ذات الشعر الأصفر تحت أقدام أفراد الداخلية لتسأل نفسها هل سيتقبلها الله شهيدة؟ هل سيسامحها على صبغ شعرها؟ الكل يصبغ، مبارك نفسه يصبغ.
1919/مروان حامد – عباس أبو الحسن
مشهد مسرحي موقع تصوير مغلق، تعذيب داخل مقرات أمن الدولة، عن قصة حقيقية. مرة أخرى يعود بنا مروان حامد لمكان احتجاز واختطاف، ولكنه حقيقي وواقعي ودون أي رمزية هذه المرة. تدور حكاية حامد وأبو الحسن عن ناشط سياسي مصري محتجز داخل أحد مقرات أمن الدولة، يتعرض الناشط الذي يؤدي دوره عمرو واكد لجلسات تحقيق وتعذيب متتالية، يشرف على التحقيق ضابط أمن دولة – يقوم بدوره إياد نصار – يتخذ من الشدة واللين وسيلتين للتحقيق، في حين يمارس أمين الشرطة الذي يقوم بتجسيده باسم سمرة التعذيب بشكل مستمر.
الحكاية تبدو قريبة الشبه بحكاية احتجاز الناشط السياسي المصري وائل غنيم في بداية أيام ثورة يناير، في الفيلم يموت الناشط من جراء التعذيب وتنجح الثورة، وفي الواقع ينجو الناشط، وتنتصر الثورة ثم تنتكس، يهاجر الناشط أخيراً ويبقى التعذيب حاضراً.
إن جالك الطوفان/ محمد علي – بلال فضل
الثورة في عيون شعب من الأرزقية، هكذا تدور حكاية فضل الثانية في هذا الفيلم. في إطار كوميدي بسيط يخفف قليلا من حدة الفيلم السابق. عن بائعي أعلام مصر بين مظاهرات التحرير ومظاهرات تأييد مبارك، وعن شباب وشيوخ لا يمكنهم التفكير في حرية وعدالة مطالب سياسية طالما أنهم لا يملكون قوت يومهم.
حظر تجول/ شريف البنداري
رحلة ليلية لجد وحفيد في أيام حظر التجول ينقلها لنا شريف البنداري، وعلى الرغم من أن الطفل يبدو شغوفا في البداية بالتقاط صورة مع إحدى الدبابات التي تسد شوارع السويس إلا أننا نقضي معه وبسبب هذه الدبابات ساعات من التوهان برفقته هو وجده الذي يقوم بدوره الفنان أحمد فؤاد سليم.
قد تبدو الحكاية حينها بسيطة وتوثيقية للحظات حظر التجول التي عاشها المصريون في أيام يناير/كانون الثاني، وتبدو النهاية سعيدة حينما يصل الطفل إلى مبتغاها بالتقاط صورة مع الدبابة في لحظات الصباح الأولى وعقب فك الحظر بثوان، ولكن الرمز يبدو واضحا الآن، وبعد مرور ست سنوات، لتظهر صورة الدبابة كحاجز ثقيل بدلا من كونها ذكرى طفولية سعيدة.
كحك الثورة/ خالد مرعي – أحمد حلمي
الخوف حينما يصبح سجنا، هكذا تدور حكاية أحمد حلمي ممثلا ومؤلفا، وخالد مرعي مخرجا. حلمي الذي تتصدر صورته في هذا المقطع أفيش الفيلم الدعائي. الحكاية عن شاب مصري في الثلاثينات من عمره، يعمل كترزي في متجره القريب من ميدان التحرير، تشتعل مظاهرات التحرير فتجبره على البقاء محتجزا بلا طعام لأيام، يراقب فيها ما يحدث سماعيا ويتخيل ما يجري، ويسجل كل شيء في شريط كاسيت موجه لوالده.
يستخدم خالد مرعي في شريط الصوت موسيقى من فيلم عسل أسود، فيلمه الذي قام حلمي ببطولته قبل الثورة بعام واحد، ويبدو الرابط ممكنا بين الفيلمين، لدرجة أنني تخيلت أن مرعي يشير لنا إلى أن الأرض الطيبة التى قرر مصري أن يعيش فيها في عسل أسود كانت وما زالت تعيش في سجن الخوف. الخوف حتى من التسجيل على شريط كاسيت يحمل صوت الرئيس.
تحرير 2-2/ مريم أبو عوف
قطع متواز بين حكايتين في يوم موقعة الجمال، فيلم إنساني جيد الصنع لمريم أبو العوف. تبدو هذه الحكاية كإحدى النقاط المضيئة وسط هذه المجموعة المتنوعة من الأفلام القصيرة.
على الجانب الأول تظهر حكاية عن شباب التحرير الذين استشهدوا في هجمات بغال وحمير الثاني من فبراير نسمعها على لسان صديق لأحد الشهداء، يجسد محمد فراج شخصية هذا الصديق بتأثر واضح. على الجانب الآخر نشاهد حكاية أحد المتورطين في هذا اليوم، شاب مصري فقير لا يملك ما يكفيه لاطعام أطفاله، يتم استئجاره بمائة جنيه ليهتف بحياة مبارك وليشارك في تنظيف التحرير من شبابه، يجسد آسر ياسين دور الشاب الفقير، بينما تجسد هند صبري بأريحية شديدة دور زوجته، ويظهر الوجه الجديد حينها محمد ممدوح في لحظة عابرة ولكنها مؤثرة.
مرة أخرى يحمل الفيلم طزاجة في اللغة وأسلوب الحكي، تبدو اللغة حقيقية، قريبة من لغة أيام يناير، كما يبدو الحكي قريبا من الجمع بين الروائي والتسجيلي. تنتهي الحكاية بخمسين جنيها ملطخة بالدماء في يد زوجة فقيرة، ودموع في عيون شاب فقد صديقه.
شباك/ أحمد عبد الله
الحكاية التي لا تنطق شخصياتها حواراً تدور عن شاب وفتاة يفصلهما شباك، الشاب يتابع الحياة بما فيها لحظات ثورة يناير من خلال الإنترنت، والفتاة تغادر منزلها يوميا لتشارك في صنع هذه اللحظات. يستخدم عبد الله باستمرار سردا بصريا يغني عن الكلمات، فمن زجاجة خل وسعال نعلم أن الفتاة قادمة من التحرير ومن هاتف خارج الخدمة نعلم بانقطاع الاتصالات.
تستمر الحكاية بهذا الشكل حتى يغادر الشاب غرفته أخيرا ليلحق بالفتاة في شوارع مصر بعد لحظات قليلة من تنحي مبارك، يبدو فجأة كل شيء ممكنا، وتنتهي الحكاية بإشارة بصرية أخرى حيث يلتقي نصفا الحكاية في كادر يفصلهما فيه دبابة.
داخلي خارجي/ يسري نصر الله – تامر حبيب
فيلم داخلي خارجي – من فيلم 18 يوم
حكاية أبناء الذوات عن لحظاتهم البطولية وسط هتافات التحرير.
حكاية تامر حبيب ويسري نصر الله يختلط فيها التسجيلي بالروائي أيضا، فحينما نرى منى ذكي ويسرا لا نعرف إن كانت الحكاية حولهما بالفعل أم أنهما تؤديان أدواراً وفقط، تظهر منى بنفس اسمها في حين تظهر يسرا باسم غادة، وتدور الحكاية حول رغبة منى في رؤية مظاهرات التحرير والمشاركة فيها، في حين يرفض زوجها الذي يقوم بتجسيده آسر ياسين ذلك.
تنتهى تلك الحكاية البسيطة بعد يومين حينما تذهب منى إلى التحرير فيتبعها آسر ويسيران سويا وسط هتافات إسقاط النظام. ولا نعلم يقينا إن كان نصر الله قد صور مشهد النهاية ثم قرر تحويلة لجزء من فيلم قصير أم أن هذا الفيلم تمت كتابته فعلا بهذه الصورة.
أشرف سبرتو/ أحمد علاء – ناصر عبد الرحمن
تدور الحكاية حول شاب مصري من خريجي كلية الحقوق ولكنه يعمل حلاقا في صالون ورثه عن والده في إحدى المناطق المحيطة بالتحرير، تتطور الحكاية حتى نشهد هجمات يوم الجمل على متظاهري التحرير، يغلق أشرف سبرتو أبواب محله في بداية الأمر خوفا مثلما حدث في فيلم أحمد حلمي، ولكنه يتغلب على خوفه بعد ذلك ليفتح أبوابه للمصابين وليتحول صالون الحلاقة إلى مستشفى ميداني يضمد جراح مصابي الثورة.
يؤدى محمد فراج دور أشرف سبرتو ببراعة وطبيعية يُحسد عليها، في حين يظهر محمد طلبة أحد مؤسسي سلفيو كوستا في دور أحد أطباء التحرير. يتنحى مبارك أخيرا ثم نكتشف أن الطفل الصغير بائع الجرائد الذي اعتاد مشاغبة أشرف سبرتو قد استشهد في أيام الثورة، تظهر صورته كأحد الورود التى فتحت في جناين مصر، في تحية لكل المجهولين من أطفال وشباب وفتيات التحرير.
يختتم صناع الفيلم أحداثه بنهاية سعيدة حينما تصل زوجة سبرتو التى أدت دورها إيمي سمير غانم إلى صالونه أخيرا لتخبره أنها أزالت جهاز منع الحمل، وكأن مصر قد أصبحت أخيرا في ليلة 11 فبراير مكانا صالحا للإنجاب. يغلق جراج صالون الحلاقة لتظهر جملة مكتوبة عليه بخط عريض: ارفع رأسك فوق أنت مصري.