كيف وظفنا الكيمياء في البحث عن حياة خارج الأرض؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
هل نحن وحدنا في هذا الكون؟ إنه السؤال الذي يلاحقنا منذ آلاف السنين، الآن فقط يوشك العلم على تقديم إجابة حقيقية.
نعرف الآن عشرات الكواكب الصخرية التي تدور حول نجوم أخرى غير شمسنا، حيث نتوقع أنه قد توجد حياة، وقريبًا مع إطلاق تلسكوب جيمس ويب الفضائي، ستكون لدينا الفرصة للمرة الأولى لإمعان النظر في أجواء هذه العوالم.
لكن عن أي شيء ينبغي أن نبحث؟ في دراستنا الجديدة المنشورة على ساينس أدفانسيس تعرفنا على مجموعة من درجات الحرارة وحالات الإضاءة الكافية التي تدعم أساسيات الحياة.
بدأنا بما نعرفه؛ حولت عملية التمثيل الضوئي – العملية الحيوية التي من خلالها ينتج النبات الطاقة – مناخنا من مناخ غني بثاني أكسيد الكربون إلى مناخ غني بالأكسجين الجزيئي؛ فالنباتات تحول ثاني أكسيد الكربون والماء إلى سكريات وأكسجين باستخدام ضوء الشمس.
وبالتالي فإن وجود الأكسجين الجزيئي قد يشير إلى وجود الحياة؛خصوصًا إذا رصدنا وجود الميثان على التوازي (يمكن للنباتات والبكتيريا أن تنتج الميثان)، وإذا وجدنا ثاني أكسيد الكربون مع غاز الميثان في غياب تام لأول أكسيد الكربون فقد يكون هذا علامة على وجود حياة على كواكب أخرى، حيث إنه – على حد علمنا – توجد طرق تنتج من خلالها العملية الحيوية كميات من الميثان في مناخ غني بثاني أكسيد الكربون دون أن تنتج أول أكسيد الكربون.
وقد تكون هناك احتمالات أخرى، يبحث العلماء في كل الجزيئات الصغيرة للتعرف على الإشارات الحيوية التي لما نفكر فيها بعد.
الإِشكالية في «النطاقات الصالحة الحياة»
لكن حتى وإن عرفنا ما الذي نبحث عنه تحديدًا، يظل علينا أن نعرف أين نبحث؟ فمن المستحيل مسح الكون بأكمله بحثًا عن الحياة، ينبغي أن نبحث في الأنظمة الفردية المحدودة حاليًا.
تحتم القدرة على استضافة الحياة أن يكون الكوكب الخارجي على مسافة صحيحة من النجم التابع له،وذلك لضمان الوجود الدائم للماء السائل على سطحه، وتسمى المنطقة التي تتوافر على هذه المعايير «النطاق الصالح للحياة – habitable zones»، فإذا ألقينا كبسولة حيوية على سطح كوكب في هذا النطاق قد تنجو، لذا وكبداية للبحث فهذه الكواكب جيدة.
تصور فني يظهر غروب الشمس على سطح سوبر إيرث غليز 667 Cc، في النطاق الصالح للحياة
ومع ذلك فإن هذا الأمر لا يتناول إمكانية ظهور الحياة هناك بصورة ذاتية، فكما نعلم تتطلب الحياة العديد من البنى الجزيئية ذات الوظائف المتعددة داخل الخلية، مثل الـ DNA والـ RNA والبروتينات وأغشية الخلية التي تبنى من عناصر بسيطة الروابط (الدهون، النيوكليوتيدات والأحماض الأمينية)، ولوقت طويل ظل مصدر هذه العناصر لغزًا، لكن حديثًا هنالك الكثير من الإنجازات في تحديد كيفية تكونها أثناء نشأة الأرض.
على سبيل المثال، يؤدي سقوط الأشعة فوق البنفسجية على سيانيد الهيدروجين في الماء (سيان الماء مركب كيميائي موجود في الطبيعة)، بالتزامن مع أيون ذي شحنة سالبة (ذرة أو جزيء اكتسب إلكترونًا) مثل ثنائي الكبريت إلى إنتاج سكريات أحادية.
يكون سيانيد الهيدروجين غزيرًا في «الأقراص الكوكبية الأولية – protoplanetary disks» تلك التي تشكل النظم الشمسية وغزيرًا كذلك في المذنبات، ويمكن أن يتكون على سطح كوكب ما من خلال هذا التأثير، في الغالب يتطور ثنائي الكبريت على الأرض من ثاني أكسيد الكبريت الخارج من البراكين والغارق في الماء؛ الأمر الذي قد يحدث أيضًا على الكواكب الخارجية.
في بيئات معينة وفي الظروف الصحيحة، يمكن أن يؤدي سيانيد الهيدروجين مع أيون ذي شحنة سالبة إلى تكوين العديد من العناصر الأساسية للحياة بصورة انتقائية وبتركيزات كبيرة، لكن تعتمد هذه التفاعلات على تحصيل الكمية الصحيحة من الأشعة فوق البنفسجية، ففي غياب الضوء تتفاعل نفس الجزيئات – سيانيد الهيدروجين وثنائي الكبريت –ببطء لتشكل مركبات لا تؤدي إلى بناء عناصر الحياة الأساسية.
نشأة مناطق الحياة
يُمكن أن يُقاس كل من سرعة هذه التفاعلات في الضوء وفي الظلام معمليًا – وهو ما نقوم به في دراستنا الجديدة – فمقارنة هذه السرعات تمكننا من تحديد «مناطق التولد الذاتي» (تعني نشأة الحياة) وهي المناطق التي تقع على البعد الصحيح من نجم ما، حيث تتفوق التفاعلات الكيميائية في الضوء على التفاعلات الكيميائية في الظلام.
بالنسبة للنجوم التي مثل شمسنا تتداخل مناطق التولد الذاتي مع المناطق الصالحة للحياة، ولكن بالنسبة للنجوم الأقل حرارة تكون القصة أكثر تعقيدًا، عندما تكون النجوم الباردة غير نشطة تكون مناطق التولد الذاتي قريبة جدًا من النجم لتتداخل مع المناطق الصالحة للحياة، ولكن النجوم الباردة يمكن أن تكون نشطة للغاية أيضًا وتنتج توهجات كبيرة ومتكررة، فهل هذه التوهجات كافية لتحفيز التفاعلات الكيميائية التي تؤدي إلى إنتاج العناصر الأساسية للحياة؟ قد يكون هذا ممكنًا، لكن يلزمنا القيام بالكثير من العمل لنحدد بيقين مدى ملاءمة هذه الكواكب للحياة.
وقد أحلنا نتائجنا إلى قائمة من الكواكب الخارجية التي تم تصنيفها ضمن المناطق الصالحة للحياة لنعرف من خلالها الكواكب المهيأة للحياة، وجدنا مرشحين اثنين، الأول كيبلر-452 بي: وهو أصغر الكواكب الخارجية التي نوقن بوقوعها في كلا المنطقتين الصالحة للحياة ومنطقة التولد الذاتي، والثاني كيبلر-62 إي: والذي قد يكون في منطقة التولد الذاتي أيضًا، لكن من غير المرجح أن يكون كوكبًا أرضيًا.
وللأسف فإن كلا الكوكبين بعيد جدًا عن تلسكوب جيمس ويب ليتحقق منهما، لكن بينما لم نجد أي كواكب خارجية قريبة في كلا المنطقتين: الصالحة للحياة أو منطقة التولد الذاتي، إلا أننا نكتشف عوالم كتلك بسرعة مذهلة – مع اكتشاف الآلاف منها بالفعل – لذا قد لا نأخذ وقتًا طويلًا حتى نكتشف عوالم أخرى.
فعلى سبيل المثال القمر الصناعي الراصد للكواكب الخارجية ذات العبور الزوالي (TESS) لديه فرصة العثور على نظم أخرى مثل كيبلر-452بي أكثر قربًا منا. وإلى أن يحدث ذلك يمكننا استخدام نفس الطريقة لاستكشاف الأقمار التابعة للكواكب الغازية العملاقة في النطاق الصالح للحياة لنرى إذا ما كانت مهيأة للحياة أم لا؟
على الرغم من أن الأمر شائق، لكن علينا أن نلاحظ أنه من الصعب جدًا حل مشكلة ما بناءً على دليل منفرد، حتى الآن الأرض هي الدليل الوحيد الذي نملكه، في المستقبل إذا وجدنا العديد من الشواهد على وجود حياة أخرى، فإن مفاهيم كمنطقة التولد الذاتي يمكن توظيفها لاختبار التوقعات المتعلقة بالنظريات المختلفة عن نشأة الحياة والحصول على منظورات جديدة عن كيفية بداية الحياة على الأرض وإذا ما كانت قد بدأت بأي طريقة أخرى، لكن بالطبع سيكون من المذهل اكتشاف وجود حياة بمكان ما خارج مجموعتنا الشمسية.