كيف كان هوكينج أكثر البشر قربًا للإيمان بوجود الله!
حينما حضرت إلى أمريكا منذ عشرين عامًا، وجدت برنامجًا يعرض حوارًا مع د. «ستيفن هوكينج»، وأبهرني قبل كل شيء قدرته على مواصلة التفوق والإبداع العلمي رغم الإعاقة الهائلة، وأدهشني أنه لا يزال يستخدم عقله في الخوض في تفاصيل في علوم الفيزياء، لا يتعرض لها الأصحاء.
اشتد شغفي به، وأدركت عدة حقائق، منها: أنه عاجز عن الحركة وعن ممارسة الحياة الطبيعية، لذلك فهو يقضي كل وقته في تفكير علمي دائم ومستمر، بمعنى أنه ربما يبذل ثلاثة أضعاف المجهود العقلي الذي يبذله الآخرون. أيضًا هو غير مؤمن بالله، فلا يقضي وقتًا أبدًا في العبادة سواء القلبية أو العقلية، وهو بالأساس عاجز بالكلية عن ممارسة كل طقوس العبادة، عدا التفكير والتدبر، وهو قد قرر أن يهب عقله للعلم، بحيث صار الدين بالنسبة له أمرًا غير ذي بال، وربما لديه سخط ما داخله من الإله، ما وقع به من مرض أقعده وأفقده كل وسائل الاستمتاع بالحياة.
كان من المثير رؤية بعض مواقفه التي تستند إلى العدالة ومحاربة الاضطهاد. لكنني لم أدرس هذا الجانب في حياته جيدًا. وأعلم أن له نظريات كثيرة حول بدء الحياة، وأعلم أن هذه النظريات يتم استخدامها لإثبات عدم وجود الإله، حيث الحياة بدأت من الانفجار الكبير الأول، والغريب أني لا أرى تعارضًا في حدوث الانفجار الكبير ووجود الإله! فعندي الله هو الأول بلا ابتداء، وهو الذي أوجد الكون من عدم، وربما كانت البداية انفجارًا كبيرًا. هذا الانفجار تولد عنه النجوم المجرات والكواكب، لكن إيجاد الحياة ذاتها فهذا أمر آخر، لأن الله تعالى خلق المخلوقات ذات الأرواح خلقًا آخر، تمامًا كما خلق الله تعالى آدم بعد خلق الأرض بملايين أو بلايين السنوات.
كنت أتمنى لو قابلته وحاورته في أمور الخلق والله، وعرضت عليه بعض ما ذكر في القرآن من آيات يعجز العقل البشري عن استيعابها، فلربما كان لديه من العلم ما يكفي لتفسير هذه الآيات، ولربما كانت هذه فرصة لتلاقي هذا العقل الجبار الفذ، مع كلام الله تعالى المثبت في قرآنه.
كقارئ عربي ناقد، أدهشني وساءني توقف كثير من الكتاب عند حد الشماتة، لأنه «عدو لله ذاهب إلى مصير محتوم في النار»، وكما قلت: ربما كان د. ستيفن أكثر البشر قربًا من معرفة كيف بدأ الخلق نظريًا، ولربما كان أكثر البشر قربًا من معرفة معجزة خلق الله لهذا الكون، لكنه كان يحتاج لعالم مثله، يفتح معه أبواب معرفة الله من باب الخلق، ومن باب الفيزياء ذاتها.
وبالتأكيد فقدت البشرية أحد أكبر الملهمين في تاريخها على كوكب الأرض، وبالتأكيد ستحيا أفكار ونظريات د. ستيفن ولن تدفن معه، تمامًا كما تعيش نظريات «فيثاغورث» رغم مرور ألفين وخمسمائة عام على وفاته، وحينما يدرس طلبة المسلمين نظريات فيثاغورث في الهندسة لا يتوقفون على كونه كافرًا، بل يحترمون علمه ويدرسون نظرياته.
لا أدري ما الذي جعل قضية موت د. ستيفن مناسبة خاصة للحديث عن الجنة والنار والثواب والعقاب، فكل من عليها فان، ولا أحد يملك لأمر نفسه شيئًا حتى الأنبياء والرسل، ومن يدري ربما يغضب الله على كل أهل اليوم فيهلكهم بذنبهم.
أكتب هذا وقد كانت لي تجارب في محاورة ملحدين أصحاب إنجازات علمية كبيرة، ووجدت لدى بعضهم استعدادًا هائلًا لتقبل فكرة الإيمان بالله، طالما قدمت إليه في إطار صحيح، يتوافق مع قدراته ومهاراته العقلية والذهنية.
لن أقول غفر الله لـ د. ستيفن، فهذا من المنهي عنه شرعًا حقًا، لكني لن أعترض أو أتذمر لو كانت هذه إرادة الله، كما أني لا أملك لنفسي حكمًا في إرادة الله ولا في ثوابه ولا في عقابه.
بالنهاية.. أحترمه وأقدره، ليس فقط كعالم متفرد في علوم الخلق، بل كقدوة هائلة لكل البشر في التغلب على أحد أشد أنواع الإعاقة، وأذكر سيرته لأولادي، ليس لتحذيرهم من فتنة الدنيا ومن عذاب النار، فلهذا وسائل وطرق أخرى، ولكن لتعريفهم بأنه لا حد لقدرات الإنسان كما خلقه الله وكرمه فوق كل ما خلق.