كيف يمكن لليمن الذي تمزقه الحرب أن يعثر على السلام؟
فارع المسلمي.
الجزيرة، 21 يناير 2016.هناك أشياء قليلة أكثر ضررًا وخيبة من حرب من دون أهداف واضحة أو أعداء واضحين. وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل الحرب في اليمن ما تزال مستمرة، والتي أفشلت المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة مؤخرًا في سويسرا.على مدى السنوات القليلة الماضية، غرقت اليمن تدريجيًا في صراع مدني وإقليمي. العَرَض، وليس السبب، كان استيلاء المتمردين الحوثيين على صنعاء في سبتمبر 2014، يليه التدخل العسكري الذي جرى في مارس 2015 من قِبل التحالف العربي الذي تتزعمه السعودية.دمَّر القتال الأخير اليمن، مما أسفر عن مقتل آلاف الأشخاص وتشريد أكثر من مليون شخص من منازلهم. وخلق أزمة إنسانية مدمِّرة، وتصنيف أكثر من نصف سكان البلاد في وضعية انعدام الأمن الغذائي.يمكن القول إن الأزمة في اليمن أكثر وضوحًا وأقل خلافية دوليًا من الصراعات الإقليمية الأخرى، بما في ذلك الحرب في سوريا. فلماذا فشلت محادثات السلام الأخيرة في توليد حل للأزمة؟السبب الرئيس أنه عندما تختار جميع الأطراف، سواء داخل اليمن أو خارجه، الذهاب إلى الحرب، فإنه في الحقيقة لن يكون عليها الخروج بأي حل. تاريخيًا، كان النفوذ السعودي في اليمن أقوى من نفوذ حكامه أنفسهم، ورغم أن عددًا من دول الخليج على خلاف مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، فإن معظم أفراد عائلته يعيشون في دولة الإمارات العربية المتحدة.والتحالف العربي لا يحاول العمل بشكل دبلوماسي قبل الذهاب للحرب في اليمن – الحرب التي لديها القليل لتقدمه لليمن مقارنة بالمنافسات الجيوسياسية الإقليمية.أحدث جولة من محادثات السلام قد فشلت لأن العديد من المشاركين لا يعرفون ماذا يريدون من العملية التي تتوسط فيها الأمم المتحدة، ولأنهم لا يعتقدون أنه في مصلحتهم المباشرة تحقيق السلام. بعد نحو عام من الحرب في اليمن، دورة الأعمال والاقتصاد والسلطة تدور الآن حول شيء واحد رئيس: الحرب. وإذا انتهت المعارك فجأة، سيخسر العديد من اللاعبين من كلا الجانبين.فهمُ هؤلاء الفائزين والخاسرين الممكنين هو المفتاح لمفاوضات مستقبلية. إن نهاية الحرب تقود إلى أربعة خاسرين واضحين: الحوثيين والجماعات المسلحة من قبيل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وصالح والرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي. ومن ثمَّ لدى كل من هذه الأطراف الدافع لعرقلة عملية السلام.الدافع الأكثر وضوحًا يتم إرفاقه بجماعات من قبيل القاعدة والدولة الإسلامية، التي ازدهرت قبالة الفوضى وعدم الاستقرار الحالي، وصنعت مكاسب إستراتيجية وإقليمية ضخمة.بالنسبة إلى الحوثيين، يمكن القول إن حالة الحرب هي الأكثر راحة. إذا انتهى الصراع، سيكون عليهم مواجهة تساؤلات جدية حول تقاسم السلطة، وهي تساؤلات لا يريد الحوثيون الجواب عليها حاليًا. إن الحوثيين، الذين أظهروا قدرة على توقيع هدنة بيد بينما في اليد الأخرى سلاح أي كي-47إس، قد يكونون قادرين على العودة إلى عملية السلام من خلال ضغط من قِبل إيران أو عمان.وصالح، في الوقت نفسه، قامر في الصراع الحالي من أجل تحسين موقفه السياسي – ولكنه لم يتوقع أن تصعد الأمور إلى هذه النقطة. وتكمن قوته الآن في قدرته على التعامل مع المحيطين به بحيث ينظرون إلى دعمه على أنه لا غنى عنه.إن المفتاح لنجاح مفاوضات السلام مع صالح والحوثيين هو الاعتراف بهم بوصفهم كيانات منفصلة لديها أجندات مختلفة. صالح وعائلته هم أكثر عرضة من الحوثيين للضغط من خارج البلاد. فلا تزال دولة الإمارات العربية المتحدة تقوم بدور المضيف لأسرته وبعض من أقرب مساعديه، وهو وضع يمكن استخدامه للضغط على صالح.وأخيرًا، كان سوء إدارة هادي للبلاد سببًا رئيسًا وراء النزاع الحالي – والرئيس يدرك بالتأكيد أن حلفاءه، حتى أكثر من أعدائه، يريدون منه أن يتنحى فيما يتعلق بأي إطار للسلام حتى تنجح الأمور.ونتيجة لذلك، اتخذ كل الخطوات الممكنة لإطالة أمد الصراع. وتمكين حكومته ونائبه على حسابه سيكون المفتاح لنجاح أي اتفاق سلام دائم. يجب على المجتمع الدولي أن يكون واضحًا في أنه سيتعامل فقط مع أولئك الذين يرغبون في الاستثمار في السلام في اليمن.بالإضافة إلى ذلك، من أجل أن يحقق اليمن السلام، يجب أن يفهم التحالف العربي أنه لا يمكن أن ينتصر عسكريًا، على الرغم من مليارات الدولارات التي صرفت بالفعل في الحرب. فأية مكاسب محتملة صنعها الائتلاف في بداية النزاع ستفقد كلما استمر.ما يحتاجه اليمن الآن هو متعهد يمكنه أن «يعيد توزيع بطاقات» ويقنع مختلف الأطراف الفاعلة بالاستثمار في السلام.حاولت الأمم المتحدة القيام بذلك، ولكن كان نهجها ضعيفًا جدًا وغارقًا بسهولة في الشكليات. في اجتماع عقد مؤخرًا في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، قبل الجولة الأخيرة من المفاوضات، سئل مسؤول رفيع المستوى في الأمم المتحدة بشكل خاص أن يوضح ما إذا كانت المنظمة قد حاولت بجدية تقييم الدروس المستفادة من السنوات الأربع الماضية. وكان الرد «لا» واضحة.إقليميًا، يمكن للغرب أن يلعب دورًا في إنهاء الصراع في اليمن عن طريق دفع لمصالحة بين السعودية وإيران، ووقف لصفقات الأسلحة في المنطقة. لا يمكنهم الدعوة على نحو جاد للسلام في اليمن بينما يغضون الطرف عن الدمار الذي تحدث أسلحتهم، والآن بأيدي عملائهم في المنطقة.