كيف تنجح كرة القدم في قهر السرطان: 6 مواقف تحكي لك
لا أحد يُعرِف كرة القدم بأنها فقط مستطيل أخضر و22 لاعبًا يتنافسون من أجل الكرة، منذ زمن بعيد تجاوزت كرة القدم خصوصًا والرياضة عمومًا مكوناتهم لتشمل معاني وقيما إنسانية تراكمت عبر سنوات، اللعبة تتحرر من تلقاء ذاتها من ثنائية الغالب والمغلوب لتسبح بفضاءات أسمى.
قبل أيام أعلن اللاعب البرازيلي الشاب «لوكاس سيلفا» تحديه لمعوقات صحية ألمت به قبل شهور وكادت أن تنال من مسيرته وعاد لتدريبات فريقه «ريال مدريد»، شجاعة لاعب المارينجي تذكرنا بطابور من اللاعبين سبق وأن تحدوا أمراضهم وعادوا للملاعب الخضراء لمطاردة المجد والصعود لمنصات التتويج.
هذه محاولة لسرد 6 من أكثر القصص إلهامًا عن تحدي لاعبين وجماهير أندية للسرطان فيما تشكل كرة القدم مركزًا حيويًا برحلتهم الصعبة.
1. إيريك أبيدال: لأن هزيمة السرطان مرة واحدة لا تكفي
كانت الأمور تسير بشكل مثالي مع الظهير الذي شكل قطعة أساسية بتشيكلة «بيب جوارديولا» مع برشلونة قبل أن يمر بأحد الفحوصات الطبية بمارس/آذار 2011 ليخبره أحدهم أنه يعاني من ورم حول الكبد عليه استئصاله بأسرع وقت!
صحيح أن الصدمة كانت عنيفة خصوصًا أن «أبيدال» يترك خلفه زوجة و ثلاث بنات أكبرهن جاوزت حينها فقط العاشرة لكنه سرعان ما استرد توازنه وأعلن بشجاعة مواجهته للورم. طوفان الدعم الكتالوني الذي شمل النادي، فريق الكرة، الجماهير مثّلوا جميعًا نقطة ارتكاز أمل الفرنسي في العودة للملاعب.
بالفعل استئصل الورم وعاد للتدريب مدعومًا بـ«جوارديولا» الذي أرسل له يحفزه بحاجة الفريق له بنهائي دوري الأبطال، أمرٌ بدا مستحيلًا خصوصًا بعد إتمامه العملية قبل 70 يومًا فقط من مباراة ويمبلي، لكن الظهير رقم 22 أزاح المستحيل بتواجده من البداية للدفاع عن ألوان «برشلونة»، سحر جديد أضافه «أبيدال» لفوز تاريخي على الشياطين الحمر.
«كارلوس بيول» يتنازل له عن شارة الكابتن، يخبره أنه من سيرفع كأس البطولة على المنصة الرئيسية قبل أي لاعب، هتافات وأعلام حمراء وزرقاء ومئات الصحفيين ينتظرون كلمة واحدة من «إيريك»، بدا الأمر كحلم وردي، لكنه سينتهي سريعًا.
مرت شهور بسيطة فعاودته آلام الكبد، عاد للفحوصات الطبية ليصطدم مجددًا بحقيقة الأمر، السرطان عاد بصورة أكثر وحشية وأصبح لا بد من زراعة الكبد. يصف «أبيدال» تلك التجربة أنها الأسوأ بحياته فعقب دخوله المستشفى أحس بحجم الضعف الذي ينهش جسده.
أكثر من 7 شهور كاملة لم يكن باستطاعته فعل أي شيء، لا رياضة، لا تدريب، لا حياة. لم يكن ثمة شيء قادرًا على إدخال السرور على قلب «أبيدال» سوى علمه بسحابة الدعم التي شملت فرق منافسة كريال مدريد، حتى أن صديقه «دانيال ألفيش» اقترح التبرع بعضوه خلال عملية زراعة الكبد لكن الفرنسي رفض بشدة.
في السادس من أبريل/نيسان 2013 كان «أبيدال» جالسًا على دكّة «برشلونة» خلال مباراة «مايوركا» قبل أن يُطلب منه إجراء عمليات الإحماء استعدادًا للتبديل، بغمضة عين انفجر «الكامب نو» أكبر الملاعب الأوربية ترحيبًا بعودة لاعب تحول لبطل وهزم السرطان مرتين وباتت حكايته محل فخر عبرت عنه عيون زميله «بيكيه» أثناء الاستبدال.
بعد اعتزاله كرة القدم عاد «أبيدال» لكتالونيا لينشئ مؤسسة إيريك أبيدال لعلاج الأطفال من أمراض السرطان مدعومة بجامعة «كينج» البريطانية، يقول الفرنسي بحوار لمجلة «الديلي ميل» أنه شعر بضرورة شكر الإقليم الذي قدم له الدعم الاستثنائي فانشأ مؤسسته.
2. جوناس جوتيريز: اهزم السرطان لتنقذ نيو كاسل
كان لاعب الطرف الأرجنتيني يشترك بالتحام مع مدافع الأرسنال حينئذ «بكاري سانيا» قبل أن يبدأ كل شيء. راودته بعض الآلام عقب المباراة، فتوجه للكشف الطبي حتى أدرك نهاية 2013 أنه مصاب بتورم بالخصية!
بدأ منذ حينها رحلته بالكفاح ضد السرطان فقرر العودة لوطنه الأرجنتين لإجراء العملية بعد أن أخبره فريقه «نيو كاسل» بضئل احتمالية مشاركته خلال هذا الموسم.
تمت العملية بنجاح وعاد ليشارك مع «نوريتش سيتي»، كانت الحياة تعود تدريجيًا كما يعرفها «جوتيريز» حتى جاء صيف 2014.
عندها فقط أخبره الأطباء أن السرطان انتشر بجسده وأن ثمة إجراءات علاجية أعقد سيكون عليها المرور بها ربما تهدد مسيرته كرياضي بشكل عام.
لم يحب «جوناس» أن يخبر العالم بمحنته الصحية، كان على علم بحالته فقط أقرب أصدقاء كـ«جابريال هاينزا» وقائده «فابريسيو كولوتشيني»، يحكي الأرجنتيني أن جلسات الكيماوي أهلكته ومحت أبرز ما يميزه، شعره الطويل ولحيته الكثّة.لكنه بالوقت نفسه لم يجد سوى التعلق بالأمل.
لم ينتظر كثيرًا ليختبر قدرته على الركض، استحدث جدول لتدوين تقدمه خلال الأيام، باليوم الأول استطاع المواصلة لمدة دقيقتين، اليوم التالي 4 دقائق، إلى أن ظهر على التلفاز مشاركًا بأحد المارثونات تعتلي وجهه ابتسامة مُرَة خلال آخر مراحل العلاج.
أصبحت قصته محل اندهاش الجميع عندما سمح له الأطباء بالعودة للنجيل الأخضر، عاد لدكّة “نيو كاسل” وسط هتافات جمهور الأخير وتصفيق الجماهير المنافسة كما فعلت جماهير «ليفربول» عند نزوله كبديل بإحدى المباريات.
بآخر أيام موسم 2014/2015 كان «نيو كاسل» بموقف لا يحسد عليه، إذ أن مصيره لم يتحدد بعد في صراعه للنجاة من الهبوط، وكان على موعد مع «ويست هام»، لكن “جوناس” الذي كان يريد توديع الجمهور والمدينة التي لعب لها لسبع مواسم كاملة كان على موعد مع أهم محطة بحياته المهنية، انطلق لاعب الطرف ليصنع هدف فريقه الأول ثم حسم الأمر بالتسجيل ليرسم صورة هي الأبهى عن معاني المثابرة والمسئولية.
3. أرين روبين: لأن «مورينهو» ينتظرك
يبدو من دون المعقول مجرد التفكير أن اللاعب الذي حظي باهتمام أكبر أندية العالم كـ«ريال مدريد، بايرن ميونخ وتشيلسي» وقاد منتخب «هولندا» قبل 6 أعوام للصعود لنهائي المونديال ثم نصف نهائي نسخة 2014 كان قد مر بتجربة نفسية قاسية كالذعر من الإصابة بالسرطان.
بدأت القصة من عام 2004 حين باغتت الشاب صاحب ال20 عامًا الذي يلعب بصفوف «تشيلسي» بعض الآلام، لم يتأخر وتوجه سريعًا لإجراء الكشف الطبي قبل أن يعبر له الأطباء عن تخوفهم من إصابته بسرطان الخصية وعليه فكان لـ«روبين» أن ينتظر لأيام حتى تخرج النتيجة النهائية للفحوصات، مفترق طرق لنجم يُنتظر منه الكثير، يصفها بنفسه بأيام الرعب، يعترف أنه نسي كرة القدم لدى تلك النقطة من الزمن، نسي مركزه ومستقبله وحاوطته الهواجس.
بددت النتيجة المنتظرة شبح تلك الهواجس، «روبين» لم يصاب بعد بالسرطان لكن عليه اتخاذ بعض الإجراءات الوقائية تفاديًا لعواقب سيئة،الملهم بقصة الهولندي هي قدرته على تجاوز المرض، والانطلاق بسرعة الصاروخ لمطاردة طموحه الذي صعد به لمنصات أوربا والعالم لاحقًا.
4. جيرمان بروجس: الهوس يهزم الخوف
على دكّة الفيسنتي كالديرون يسيطر على الحضور «دييجو سميوني»، الأرجنتيني الذي وضع الروخيبلانكوس من جديد على الخريطة فقادهم للفوز بالليجا وللصعود مرتين خلال 3 سنوات فقط لنهائي ذات الأذنين.
بجواره يقف صديق عمره الذي لا تقل انفعالاته أو مشاكساته مع الخصم أو الحُكام حدّة عن الشولو، «جيرمان بروجس» حارس «أتليتكو مدريد» السابق ومساعد «سميوني» وذراعه الأيمن، تعرض هو الآخر لسرطان الكلى!
عام 2003 وبعمر الثالثة والثلاثين يدرك «بروجس» أنه يعاني من ورم بالكلي ليعرقل مسيرته الناجحة مع الأتليتي والمنتخب الأرجنتيني، لكن روحه المغامرة المقبلة على الحياة منحته الأمل للعودة ومواصلة مسيرته إن نجح بالنجاة من الورم.
كان يخبر الأطباء مازحًا أنه يريد إجراء العملية مطلع الأسبوع ليستطيع اللحاق بمباراة نهاية الأسبوع، بالفعل نجحت العملية ويتمكن «المونو» أو القِرد كما لقبوه بسبب تصدياته بالعودة للأتليتي.
مر عام، فاختار الاعتزال ليودع الملاعب بشكل مؤقت ويتبع شغفه وحبه لموسيقى الروك وينشئ رفقة أصدقائه فريق «ذا جراب» الذي أصدر عددا من الألبومات وظهر بأحد المسلسلات التلفزيونية، ثم يفاجأ باتصال من «سميوني» يطلب منه الانضمام له بإيطاليا لقيادة ناجحة لفريق «كتانيا» للنجاة من الهبوط، ثم تطورت أفكار الثنائي بأسبانيا حتى أن «المونو» نجح بتدريب 2 من أفضل حراس العالم حاليًا كـ«كورتوا وأوبلاك».
«جيرمان» شخص شغوف للغاية، يعرف جيدًا قيمة المغامرة والتجربة الناجحة ويدرك كيف يستطيع تجاوز العقبات برحلته.
5. لوكاس سيلفا: لأن مجاورة زيدان ورونالدو تستحق
في الرابع والعشرين من أكتوبر نشر «سيلفا» علي صفحته بفيسبوك صورة جمعته مع «رونالدو» و«خاميس رودريجز» بزي التدريب وأعلن عودته مرة أخرى للملاعب وتراجعه عن فكرة الاعتزال شاكرًا عائلته وإدارة المارينجي على المساندة خلال الفترة الماضية.
كان «سيلفا» بطريقه للتوقيع لـ«سبورتنج لشبونة» لكن الانتقال فشل، نشر أكثر من مصدر صحفي أن الأمر يعود لثقب بقلب اللاعب البرازيلي أعاقه عن اجتياز الاختبار الطبي، ازدادت الأخبار عن إرادة اللعب الاعتزال بسن الثالثة والعشرين بسبب تقلص فرص عودته من جديد.
لكن يبدو أن «سيلفا» لم يسقط من حسابات الإدارة الفنية بقيادة «زيدان»، لم يتم الإعلان عن إجرائه لعملية خلال الأيام الماضية لكن يبدو أن «سيلفا» يستعد للعودة للفريق مرة أخرى.
6. إليوت فيرنانديز ومشجع فياريال
هناك مئات من القصص عن مقاومة مشجعي أندية بأوربا وأمريكا وحتى بإفريقيا لأمراض عدّة ونجاحهم بالحضور والوقوف خلف أنديتهم لإدراكهم قيمة المساندة التي يستمدون منها القوة في مواجهة الضعف، والأمل في مواجهة الموت.
خلال تتويج الأهلي المصري بالدوري العام الماضي ظهر بالكادر شاب وشابة قعيدان احتفلا مع فريقهما، سبقهما شاب مشجع للزمالك تحوّل لاحقًا لأيقونة تستحق كل التقدير خلال مساندته لفريقه بموقعة الزمالك الصعبة أمام النجم الساحلي بالقاهرة، سبقه شاب تونسي تواجد جليسًا على كرسيه تحت مدرجات فريق مدينة «سوسة» بمباراة الذهاب. طاقات حركت الصخر وألهمت اللاعبين لتقديم أفضل عروض البطولة الكونفدرالية.
بأوربا وتحديدًا الجانب الأزرق بمدينة «مانشستر» لم يختلف المشهد كثيرًا بعد إصابة «إليوت فرنانديز» حامل كرات السيتي بسرطان «الساركوما» بعد قضاء 9 أعوام بين أركان النادي، الشاب صاحب ال19 عام تمنى رؤية بطله المفضل «أجويرو» وهو ما تم بدعوة إدارة النادي لـ«فرنانديز» لزيارة الأكاديمية حيث التقى مهاجم الفريق.
لاحقًا عَلِم «جوارديولا» بحالة «فرنانديز» فقرر مغادرة التمرين لرؤيته حيث تبادلا الحديث ودعاه الكتالوني لزيارة الفريق بأي وقت، بعد أيام فوجئ الجميع بتحسن «فرنانديز» وقدرته على الحركة حيث توجه مع جدّه لمباراة السيتي وإيفرتون والتقى هناك زملاءه جامعي الكرات.
أما فريق «فياريال» فكان قد وجه الدعوة لمشجعهم الأصغر «جوهان» المصاب بالسرطان لمشاركة الفريق الأول بالنادي مباراة ودية أمام «سيلتيك»، «جوهان» الذي تحول من المشجع للاعب يحمل رقم 12 دخل الملعب وسط تحية المشجعين وسجل بمرمي العملاق الإسكتلندي وحقق حلمه باللعب لناديه المفضل.