ابتسم أمير عندما وصل إليه تقرير المبيعات، يستعد لرؤية المؤشر وهو في حالة تصاعد، لكن سرعان ما اختفت الابتسامة من على وجهه وأصابه الضيق، فالسهم يؤشر بانخفاض في المبيعات. على الرغم من المجهود الذي بذله في تحسين جودة المنتجات التي تقدمها الشركة، وحصل بالفعل على شهادة العملاء بذلك، لكن لم تتحقق توقعات أمير. بدأ في إجراء تحليل للأمر حتى فطن إلى السبب؛ نحن ببساطة لا نستخدم القنوات المناسبة للوصول إلى العملاء.

قنوات الوصول إلى العملاء

تعتبر قنوات التوزيع جزءًا رئيسيًا من مخطط نموذج العمل التجاري «Business Model Canvas» الخاص بالشركة، وهي المسئولة عن إيصال القيم المقترحة الخاصة بالشركة لعملائها بالطرق التي تناسبهم، وتلعب دورًا هامًا في تجربة العميل للمنتجات والخدمات المقدمة في الشركة.

يمكنك تخيّل دور القنوات على أنّها رحلة للعميل يمر فيها بمجموعة من الخطوات حتى يعرف بوجودك، ثم يقرر بعد ذلك أخذ قرار الشراء، تقسّم هذه الرحلة إلى خمس خطوات رئيسية، وهي الأهداف التي تسعى قنوات الوصول إلى تحقيقها كالتالي:

1- الوعي: لن يشتري منك العملاء دون معرفتهم بوجودك من الأساس، لذا فالهدف الأول للقنوات هو زيادة الوعي بالمنتجات والخدمات التي تقدمها الشركة، في بداية عملك تحتاج إلى التركيز على هذه المرحلة جيدًا، لأنّها تضع حجر الأساس في علاقتك مع العميل.

2- التقييم: الوعي هو مفتاح وصول العملاء إليك، لكن هذا لا يكفي للتأثير على قرارات الشراء الخاصة بهم، وهنا يأتي دور التقييم، والذي يتمثل في الإجابة على سؤال: كيف تساعد العملاء في الحكم على القيم المقترحة المقدمة في المشروع؟

من أهم الوسائل التي تساعد العملاء على تقييم خدماتك، هي توفير شهادات لعملاء سابقين لهم تجربة إيجابية وصادقة مع الخدمة، فهي تمثل مصدر ثقة لبقية العملاء، حيث لا توجد مصلحة من إعطاء تقييم إيجابي سوى أنّ الخدمة تستحق فعلًا.

3- عملية الشراء: عندما يصل العميل إلى هذه المرحلة فهذا يعني رغبته في الشراء، هل توفّر له الطرق المناسبة لإتمام العملية؟ إذا كنت تعتمد على موقع إلكتروني، هل خطوات الطلب مفهومة بالنسبة لعميلك ويمكنه تنفيذها؟ هل توفر له الخيارات المناسبة للدفع؟ إذا كنت تُفضل المتاجر الموجودة في الواقع، هل من السهل الوصول إليها؟

4- التوصيل: عندما تستخدم قنوات رقمية للبيع، فهذا يستلزم وجود توصيل للمنتجات إلى الموقع الذي يحدده العميل، ونجاح هذه العميلة بوصول المنتج في الوقت المتفق عليه وبالحفاظ على جودة المنتجات المنقولة، يؤثر على تقييم العميل للتجربة.

5- خدمة ما بعد البيع: لا تنتهي العلاقة مع العميل بمجرد وصول المنتج أو الخدمة إليه، بل هناك مرحلة مهمة جدًا وهي مرحلة ما بعد البيع، وكيف توفّر له هذه الخدمة، سواءً بواسطة خدمة العملاء للمتابعة وحل المشكلات إن وجدت، أو بإيجاد نظام للتقييم لأخذ رأي العميل في التجربة والعمل على تحسينها.

أنواع قنوات الوصول إلى العملاء

في الماضي اقتصر الوصول إلى العملاء على القنوات المادية فقط، مثل المتاجر ومندوبي المبيعات، لكن مع التطور واستخدام الإنترنت ورواج التجارة الإلكترونية بصورة كبيرة، لا سيّما هذا العام مع أزمة كوفيد-19، فأصبحت هناك العديد من الخيارات المتاحة لتستخدم ضمن قنوات الوصول إلى العملاء.

1- القنوات المملوكة للشركة

هي مجموعة القنوات التي تملكها الشركة كأصول تابعة لها، وقد تكون قنوات مباشرة مثل فريق المبيعات أو الموقع الإلكتروني الخاص بالشركة، وقد تكون قنوات غير مباشرة مثل محلات تجزئة مملوكة للشركة أو تُدار بواسطتها.

تعتبر الميزة في هذا النوع من القنوات أنّها تحقق هامش ربح أعلى وتساعد الشركة على التواصل مع العملاء بشكل مباشر مع إمكانية للاحتفاظ بالبيانات، لكن في الناحية الأخرى فتشغيلها قد يكلّف الشركة الكثير من الأموال، مع وجود بعض الصعوبات في إدارة العمل في ظل وجود العديد من العمليات.

مثلًا قد تحتاج لدفع مقابل مادي كبير لتأسيس موقعك الإلكتروني، لكن يمكنك الاستعانة بأفضل المستقلين المتخصصين في تصميم وتطوير المواقع على موقع مستقل، لتنفيذ موقعك بالتفاصيل التي تناسب شركتك ومجال عملها، وبتكلفة مناسبة لك.

2- القنوات الشريكة

هي قنوات مملوكة لآخرين لذلك تصنّف كقنوات غير مباشرة بالنسبة للشركة، مثل التوزيع بالجملة أو التجزئة، وكذلك البيع من خلال مواقع إلكترونية مملوكة للشركاء، حيث يمكن للشركة امتلاك متجرها على منصة مثل ووكومرس وشوبيفاي.

تعتبر الميزة في هذا النوع هي الاستفادة التي تحصل عليها الشركة من إمكانية توسيع نطاق عملها، والوصول إلى العملاء الموجودين لدى الشركاء، كذلك يتمتع بعض الشركاء بنقاط قوة تميّزهم عن غيرهم داخل السوق، فيكون التعاون معهم إضافة لشركتك، أما العيب فهو تدني هوامش الربح التي يمكنك تحقيقها.

كيف يمكنك اختيار القنوات المناسبة للوصول إلى عملائك؟

لا تقتصر أهمية قنوات التوصيل في كونها الوسيلة الرئيسية للوصول إلى العملاء وإتمام عمليات البيع والشراء، بل يمكن من خلال هذه القنوات زيادة الأرباح التي تحققها الشركة في بعض الأحيان، الأمر يتطلب دراستك للعملاء والتفكير في طرق الدخل التي تناسب نموذج العمل الخاص بك. يمكنك اختيار القنوات المناسبة للوصول إلى عملائك من الخطوات التالية:

1- افهم جمهورك جيدًا

الجمهور هم أساس كل شيء في شركتك، لذلك اتّبع التعبير الإنجليزي وقم بأداء واجبك المنزلي، وحاول معرفة كل شيء عن جمهورك واحتياجاته، حتى يمكنك فهمه ومعرفة الطرق المفضلة بالنسبة له في الشراء، وما هي العوامل التي تؤثر على قراراته.

سيجعلك هذا تحدد الطرق الأمثل للتواصل مع العملاء في كل مرحلة من المراحل الخمسة، حيث يمكنك استخدام استراتيجيات مختلفة مثل التسويق بالمحتوى والتجارب المجانية والتسويق بالمؤثرين والتسويق الشفوي، وغيرها من الاستراتيجيات التي يمكنها التأثير على جمهورك.

2- هل المستخدم والعميل هم الشخص ذاته؟

في بعض الأحيان لا يكون المستخدم والعميل هم الشخص ذاته، حيث المستخدم هو الشخص الذي يستهلك المنتج أو الخدمة بعد شرائها، لكن العميل هو الشخص المسئول عن الدفع، عندما يكون الأمر مركبًا فلا بد من توجيه الاهتمام إلى الطرفين، والتركيز على احتياجاتهم في الوقت ذاته حتى مع اختلافها.

مثلًا، الطفل هو من يستخدم الألعاب، لكن الأهل هم من يتحملون تكلفة شرائها، الطفل يهتم فقط بالاستمتاع أما الأهل فهم يبحثون عن الأمان في الألعاب، وبالتالي يجب التركيز في مرحلة الوعي والتقييم على إبراز معايير الأمان في الألعاب، بحيث يمكن للأهل تقبل طلب الطفل وشراء اللعبة، أو حتى تشجيعهم لأخذ المبادرة من أنفسهم وشرائها كهدية مضمونة لأطفالهم.

3- تقييم قنوات الوصول المحتملة أو الحالية

عند وضع نموذج العمل الخاص بالشركة، تكون هناك بعض القنوات المحتملة للوصول إلى العملاء، وتستخدم بالفعل عند بدء الشركة، لكن في الواقع هذا لا يعني أنّها الأنسب فعلًا، وقد يتطلب التوسع إجراء تعديلات للتوافق مع الوضع الحالي. لذا يحتاج الأمر لتقييم قنوات التواصل جيدًا، للتأكد من أيها سيكون أكثر فاعلية للشركة، وهذا التقييم لا بد من حدوثه من فترة لأخرى. يشمل التقييم العوامل التالية:

  • الهدف الحالي للشركة: هل ترغب في تحقيق النمو والتوسع في نشاطاتك؟ أم تريد التركيز على تحقيق الأرباح؟ أم ترغب في العمل على الاثنين، حتى لو ترتب على ذلك تطور بسيط في كليهما؟ يجب عليك الإجابة على السؤال ليمكنك اختيار القنوات المناسبة، فالنمو يحتاج إلى شراكات لتساعدك في توسيع نطاق عملك، أمّا الأرباح فقد تجعلك تفضل العمل بمفردك. 
  • التكلفة: ما هو مقدار التكلفة المتوقعة أو المدفوعة حاليًا في كل قناة للوصول إلى العملاء؟ هذا يستلزم حساب كل شيء يخص الإنشاء والتشغيل، سواءً في القنوات المملوكة لك أو في القنوات الشريكة. لا يقتصر الأمر على التكلفة المادية، لكنّه يشمل كذلك المجهود المبذول في التنفيذ.
  • الربح: ما هو مقدار الأرباح المتوقعة من كل قناة؟ هل تملك طريقة لحساب هذه الأرقام بصورة أقرب للواقع؟ وإذا كنت تعمل بالفعل، فهل تحقق لك كل قناة الأرباح التي تريدها بالفعل؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، ما الأسباب في هذا الأمر؟ هل المشكلة في جودة المنتج أم تتعلّق بمراحل الوصول إلى العملاء وبالتالي يتطلب الأمر إحداث تغييرات؟
  • الميزة من كل قناة: بعيدًا عن التكلفة والربح، فاختيار القنوات قد يعتمد على المميزات الأخرى التي تحققها من خلالها، ما هي المميزات التي تسعى إليها من القنوات الموضوعة في خطتك؟ وما هي المميزات التي تحققها بالفعل من القنوات المستخدمة حاليًا؟

4- التكامل بين القنوات

بناءً على التقييم سيكون بإمكانك تحديد القنوات الأكثر فاعلية للاعتماد عليها في عملك، لكن من الأفضل إجراء تكامل بين القنوات المستخدمة، فلا يقتصر الأمر على قناة وصول واحدة، بل يشمل أكثر من قناة، لأنّ هذا سيساعدك في الوصول إلى عملائك بطرق مختلفة، وبالتالي زيادة احتمالية الشراء.

كما أنّ وجود العديد من القنوات يساعدك في وقت الأزمات، وهذا ما حدث أثناء أزمة كوفيد-19، حيث اضطرت العديد من الشركات للتحوّل إلى التجارة الإلكترونية رغم أنّها لم تكن مستعدة لذلك، لذا فالأفضل ألّا تنتظر حتى حدوث الأزمة، بل تستعد لها مبكرًا، فإذا لم يحدث شيء، فأنت المستفيد من زيادة قنوات الوصول المتاحة للعملاء.

قنوات الوصول إلى العملاء هي ركن أساسي في نموذج العمل الخاص بشركتك، لأنّها الرابط الرئيسي بين القيمة والعملاء، وبالتالي لا بد من الاهتمام بها وبنائها بشكل متوافق جيدًا مع عملائك، فهذا ما يضمن وصول القيمة لهم ومساعدة شركتك في العمل بنجاح.